شعار قسم مدونات

وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا

blogs-جفاف مصر

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتْ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ" صحيح مسلم. نحن أمام واقع لم يعد هنالك من مجال للهروب منه، فهذا ما يجري حولنا، وبتنا نكتوي منه جميعا وبلا استثناء.
 

وكلها مؤشرات أن "حصار العراق" حاصره العالم أجمع في سابقة لم تحدث عبر التاريخ ثم احتل ثم سلمته أمريكا لإيران، ثم "حصار الشام" حوصر أهل الشام اليوم في القدس والضفة بالجدار العازل وغزة بخذلان الأقربين وأراضي 48 من جهة وفي غوطة دمشق وحلب وحمص وحماة وعشرات القرى من جهة أخرى في سابقة تاريخية تشهد عليها البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والإبادة الجماعية لسنة الشام، ووصل الأمر في بعض المناطق بالشام "كمضايا" إلى مبادلة سيارة بعلبة حليب!، سيتبعه حصار مصر ويبدو أنه أصبح واقعا نراه حولنا.
 

كنت أرى منذ سنوات بوادر الانهيار الاقتصادي في مصر لأسباب عديدة لا مجال لطرحها الآن، ولكنها كانت معلومة لكل ذي بصيرة أو فراسة، ولكن لم يخطر لي بحال من الأحوال أن يكون الأمر بهذه السرعة، رغم عشرات المليارات التي تدفقت على مصر من كل حدب وصوب بعد 30 يونيو بالذات!
 

ساذج من يظن أن بناء إثيوبيا لسد النهضة هو بسبب حاجتها للكهرباء، بل هذا ما أرادته القوى الغربية لحصار مصر

وإذا كنا قد قرأنا عن حال مصر في "الشدة المستنصرية" و"السنوات العجاف" في سورة يوسف ومجاعة "الحاكم بأمر الله" والركود الاقتصادي زمن المماليك بعد اكتشاف "طريق رأس الرجاء الصالح"، وحصار الدول الغربية لمصر في نهاية حكم محمد علي، وأزمة الديون في عهد الخديوي إسماعيل، والمقاطعة العربية للقاهرة بعد "كامب ديفيد"، فما يجري اليوم مختلف غاية الاختلاف.
 

فديون مصر الخارجية قفزت إلى 16 في المائة ووصلت إلى 55.8 مليار دولار في العام المالي الماضي، والدولار وصل اليوم في السوق السوداء إلى 15.60 جنيهًا.. والذهب إلى550 جنيهًا. بل إن القوة الشرائية للجنيه المصري تنهار بصورة خطيرة، وأسعار المواد الغذائية ترتفع بشكل جنوني.

فضلا عن إقفال الغرب لكل منافذ العملة الصعبة وحتى روسيا قامت بالأمر نفسه بعد إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، فضلا عن شروط صندوق النقد الدولي المجحفة والتي لا تخفى أهدافها على أحد والتي تسحق الطبقات الوسطى والفقيرة، بل إن بعض المواقف السياسية الغير مفهومة أدت حتى إلى خسارة الإمدادات النفطية المجانية من بعض الدول، بل إن الدول التي كانت تساند الدولة المصرية بدأت تتعرض هي الأخرى لابتزاز أمريكي وهنا نتحدث عن قانون "جاستا" والهدف منه الاستيلاء على الأموال السعودية في أمريكا "قدر الإمكان".
 

والأشد خطورة أن مساحات من الأراضي في بعض محافظات الدلتا المصرية جفت بها الترع أو قل بها منسوب المياه بصورة كبيرة وهذه نتيجة أولية لسد النهضة، مع العلم أن هناك "سدود" أخرى قيد الإنشاء، وساذج من يظن أن بناء إثيوبيا لسد النهضة هو بسبب حاجتها للكهرباء، بل هذا ما أرادته القوى الغربية لحصار مصر، وهنا أتحدث عن "مصر الشعب". بل إن الأمر وصل إلى قيام عديمي الأخلاق والدين والضمير، بذبح أعداد هائلة من الحمير وتقديمها للمصريين على أنها "لحوم حمراء"، ورغم خطورة ما يجري، إلا أن مؤشرات خبراء الاقتصاد في مصر والعالم تؤكد أن الأسوأ لم يأت بعد.
 

إذا الطبقة الوسطى والفقيرة -أي غالبية الشعب- يتعرضون اليوم لمأساة حقيقية، فالفجوة هائلة بينهم وبين الأغنياء، ورغم الوضع المأساوي الغير مسبوق فإن هناك من يطالب الفقراء ببعض "القروش"!

وإذا كنا نعلم جيدا أن قادة أمريكا وإسرائيل وبريطانيا والبعض الآخر في الغرب يسيرون خلف "النبوءات التوراتية"، لذا فحتما علينا أن نعلم أفكارهم من منبعها، ونحن هنا لا نجزم بصحة ما كتب ولا بعدم صحته، ولكن الواقع يؤكد الكثير منه، خصوصا أنهم من زرعوا الخلافات بين المصريين وأنهم من يمول بناء السدود على النيل، والنيل هو شريان الحياة في مصر، وهم يريدون حصار مصر وخنقها في شريان حياتها ووجودها، وهذه مقتطفات من "سفر إشعياء 19":*
 

"1 وحي من جهة مصر:هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها.
2 وأهيج مصريين على مصريين فيحاربون كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه مدينة مدينة ومملكة مملكة.
3 وتهراق روح مصر داخلها وافني مشورتها فيسألون الأوثان والعازفين وأصحاب التوابع والعرافين.
4 وأغلق على المصريين في يد مولى قاس فيتسلط عليهم ملك عزيز يقول السيد رب الجنود.
5 وتنشف المياه من البحر ويجف النهر وييبس.
6 وتنتن الأنهار وتضعف وتجف سواقي مصر ويتلف القصب والأسل.
7 والرياض على النيل على حافة النيل وكل مزرعة على النيل تيبس وتتبدد ولا تكون.
8 والصيادون يئنون وكل الذين يلقون شصا في النيل ينوحون. والذين يبسطون شبكة على وجه المياه يحزنون،
9 ويخزى الذين يعملون الكتان الممشط والذين يحيكون الأنسجة البيضاء.
10 وتكون عمدها مسحوقة وكل العاملين بالأجرة مكتئبي النفس.
11 إن رؤساء صوعن أغبياء.حكماء مشيري فرعون مشورتهم بهيمية! كيف تقولون لفرعون: إنا ابن حكماء، ابن ملوك قدماء؟
12 فأين هم حكماؤك؟ فليخبروك ليعرفوا ماذا قضى به رب الجنود على مصر.
13 رؤساء صوعن صاروا أغبياء. رؤساء نوف انخدعوا.وأضل مصر وجوه أسباطها.
14 مزج الرب في وسطها روح غيّ فاضلوا مصر في كل عملها كترنح السكران في قيئه.
15 فلا يكون لمصر عمل يعمله رأس أو ذنب نخلة أو أسلة.
16 في ذلك اليوم تكون مصر كالنساء فترتعد وترجف من هزة يد رب الجنود التي يهزها عليها.
17 وتكون أرض يهوذا رعبا لمصر. كل من تذكرها يرتعب من أمام قضاء رب الجنود الذي يقضي به عليها". (انتهى)

مخطئ من يظن أن إسرائيل التي تبحث عن دولتها الكبرى من الفرات إلى النيل تريد مصر وفيها "90 مليون"، بل هي تريد تشريدهم والقضاء عليهم بالمجاعات والأمراض من جهة وبالتهجير من جهة أخرى.

وهم يعتبرون أن هذه علامات لابد منها لظهور "المسيح عليه السلام" للغرب أو المخلص لإسرائيل (من وجهة نظر اليهود)، وهذه عقائدهم وهم يعترفون بها وهي في كتبهم، الخطير أنهم ينفذونها اليوم وليس هناك من يقف أمامهم.

لذا لم يكن من المستغرب أن يخرج علينا الحاخام الصهيوني البارز "نير بن أرتسى" ويتحدث بكل يقين لديه أن "الجوع سيضرب مصر، حتى إن المصريين سيأكلون بعضهم بعضا حتى الهلاك، ولن يجدوا من يرفع عنهم هذا العذاب". ومخطئ من يظن أن إسرائيل التي تبحث عن دولتها الكبرى من الفرات إلى النيل تريد مصر وفيها "90 مليون إنسان"، بل هي تريد تشريدهم والقضاء عليهم بالمجاعات والأمراض من جهة وبالتهجير من جهة أخرى.
 

الاستهداف إذا هو لمصر، والخراب سيطول الجميع على أرضها، وعلينا أن ندرك أن الاستبداد والظلم والكبر لا يبني إلا الأطلال ولا ينشر إلا الخراب ولا يؤدي إلا للذل وتسلط "الأعداء" حتى لو أظهروا في بعض الأوقات أنهم "أصدقاء"، والعدل هو من يحمي الأوطان وليس القوة واليد الباطشة والاستبداد وجباية الأموال من الفقراء، وسياسة "ما أريكم إلا ما أرى".

_____________________________________________
* المعلومات الواردة في النص على مسؤولية الكاتب ولم يتم التحقق منها. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.