شعار قسم مدونات

تشريعيات المغرب.. أو حرب أكتوبر

blogs-تشريعات المغرب
العدالة والتنمية.. بداية الانقضاض على السلطة
لا أحد من المتتبعين أو حتى أعتى المحللين كان يتوقع اكتساح حزب العدالة والتنمية بالمغرب، لتشريعيات 07 أكتوبر؛ وذلك بالنظر إلى الإحتجاجات العديدة التي شهدتها الحكومة المنتهية ولايتها والتي كان يقودها رئيس الحكومة المعين حاليا من طرف الملك، بمقتضى الفصل 47 من الدستور، السيد عبد الإله بنكيران.
 

لقد شهدت هذه الحكومة منذ حتى قبل تنصيبها، احتجاجات سياسية وأخرى اجتماعية، فقوى الحراك الشعبي "حركة 20 فبراير أعتبرتها" آنذاك مجرد أداة مخزنية ، ولفظ المخزن هنا يُقصد به المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تقودها المؤسسة الملكية للإلتفاف على حركية الشارع المغربي.

وأيضا على مطالبه المشروعة في تغيير جذري عميق، وعضد هذه الفكرة الرفض الرسمي لحزب الإسلاميين المشاركة في مسيرات 20 فبراير سنة 2011، لقد اعتبرته القوى السياسية المعارضة للنظام السياسي والمقاطعة لانتخابات 20 نونبر 2011 اعتبرته مجرد جوكير للمخزن يستنجد به لتدبير المرحلة المقبلة بأقل الخسائر الممكنة.
 

شكل اكتساح حزب العدالة والتنمية صدمة بالنسبة لبعض المتتبعين، وقد احتل هذا الحزب المرتبة الاولى ب 125 مقعدا من أصل 395، هذه النتائج خلقت تروم في فهم أسباب اكتساح الحزب الإسلامي لحرب أكتوبر

بيد أن الغريم التقليدي للإسلاميين، وهو حزب الاصالة والمعاصرة، الذي صرح أحد مؤسسيه أن تأسس لسبب واحد ووحيد، وهو مواجهة المد الإسلامي، أما بعض الأحزاب فقد اعتبرته خصما مباشرا للأحزاب المنبثقة من الحركة الوطنية، ويستهدف بالأساس إعادة تشكيل الحقل السياسي بما يخدم أهداف واختيارات النظام المخزني، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي.
 

إلا أن المثير أن حزب الاتحاد الاشتراكي، وهو أحد اشد الخصوم السابقين لحزب الأصالة والمعاصرة ويعتبر صاحب توصيف "لوافد الجديد" الذي أطلقه الحزب في أحد بياناته السياسية ضد ما سُمي آنذاك ب "الحزب الأغلبي" هذا الحزب، أي الإتحاد الإشتراكي، شكل تحالفا برلمانيا داخل مجلس النواب عقب تشريعيات 2011 مع غريمه السابق الاصالة والمعاصرة لقيادة ما يسمى بالمعارضة ضد العدالة والتنمية.
 

وفعلا، كانت الولاية الحكومية المنتهية في مرمى الفريقين الرئيسيين فيما بات يُطلق عليه ب "معارضة صاحب الجلالة" وهو توصيف أطلقه الزعيم الاتحادي إدريس لشكر، في مواجهة توصيف آخر أطلقه زعيم حزب التقدم والاشتراكية حول ما اعتُبر حينها محاولة الحكومة التملص من مسؤولية اختياراتها واحتماء بالملك، مرددا بذلك عبارة "نحن حكومة صاحب الجلالة".
 

الإصلاحات.. المؤلمة
قررت الحكومة المنتهية ولايتها، إدخال يدها في جحر الثعابين، وأولها صندوق المقاصة، وهو الصندوق الذي وضعته الدولة في سنوات سابقة لدعم المواد الإستهلاكية الأساسية، بهدف الحفاظ على الأمن الاجتماعي وتفادي التوترات الاجتماعية الناشئة عن عدم استقرار أسعار المواد الطاقية والسكر.. وغير ذلك من المواد المدعمة.
 

إلا أن الإستراتيجية المتبعة من حكومة الإسلاميين لم ترق لا لمعارضة صاحب الجلالة، ولا للمعارضة النشيطة من خارج مؤسسة البرلمان، ولا للنقابات.. واعتبرتها مجرد ريع انتخابي يهدف من وراءه حزب العدالة والتنمية إلى إرشاء الطبقات الهشة والمسحوقة، عبر ما سُمي بالإعانات المباشرة. فيما اعتبرتها أحزاب يسارية معارضة مجرد طاعة عمياء لإملاءات المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي، وتستهدف بالأساس جيوب الطبقة المتوسطة.
 

وبنفس الحدة واجهت قوى المعارضة بصنفيها خطة إصلاح نظام صندوق التقاعد القاضي برفع سن التقاعد من 60 سنة إلى 63 سنة على مدى 3سنوات متتالية، إلا أن الرهان على تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية تراجع إلى الوراء أمام النتائج المتقدمة التي حصل عليها في الانتخابات البلدية المنظمة في 4 سبتمبر 2015.
 

07 أكتوبر.. الصدمة!
شكل اكتساح حزب العدالة والتنمية صدمة بالنسبة لبعض المتتبعين، وقد احتل هذا الحزب المرتبة الاولى ب 125 مقعدا من أصل 395، وقد حل ثانيا حزب الأصالة والمعاصرة ب 102 مقعدا، فيما احتلت باقي الأحزاب رتبا متأخرة وبفارق كبير، إلا أن هذه النتائج خلقت تروم في فهم أسباب اكتساح الحزب الإسلامي لحرب أكتوبر.

ولعل أبرز هذه الأسباب هي اعتماد زعيم الحزب عبد الإله بنكيران استراتيجية تواصلية منذ تعيينه رئيسا للحكومة سنة 2011. هذه الاستراتيجية تجمع بين ادعاء القيام بإصلاحات هامة والدفاع عنها باستماتة، وفي نفس الوقت التحذير ومن على منصة البرلمان، وبلغة بسيطة تصل إلى عمق البوادي المغربية، ويستوعبها بسطاء الشعب، كما لا يخفى أيضا أنه رسم عن شخصيته،صورة ذلك المقاتل الشجاع، الذي لا يخشى خصومه وهي صورة ترسخت لدى الطبقات المسحوقة، وقد شكل مادة صحفية يومية بتصريحاته المستفزة والتي تجمع بين خطاب الدفاع عن تدبير المرحلة، وأيضا خطاب المعارضة.

وفي ظل حمأة هذا الصراع، لم تساير باقي الأحزاب وتيرة تحركات رئيس الحكومة وأعضاء حزبه، فاعتقد الجميع أن الاعتماد الساذج على الدعاية المضللة المفتقدة حتى للإحترافية كافية لإسقاط خصم عنيد متجذر في صفوف الناخبين، ومن سائر الطبقات، وأن بإمكانهم الاستعاضة بهذا عن العمل اليومي الجاد جنبا إلى جنب المواطنين.
 

بل تجاوز الأمر ذلك إلى ترصد بعض الوجوه المحسوبة على هذا الحزب المثير للجدل، وفي وضعيات قيل أنها وضعيات ممارسة الجنس خارج إطار الزواج المدني، وتم نشر وتعميم مضامين محاضر الشرطة القضائية على بعض المواقع المشبوهة في خرق سافر لسرية البحث التمهيدي للشرطة القضائية، بل امتدت درجة التقييم المجنون للواقع السياسي إلى تنظيم مسيرة قبيل انتخابات 07 أكتوبر بأيام قليلة فقط، على شاكلة المسيرات التي كان ينظمها البلطجية في مصر ضد ما يسمى بأخونة الدولة.. ويستفيق الجميع على وقع صدمة كانت قوية بالتأكيد.
 

واقع مرير،يؤكد أن بعض النخبة السياسية في المغرب بقيت رهينة دستور 1996 بهدف تغطية هزائمها الانتخابية التي أصبحت واقعا معيشا

الفصل 47 من الدستور.. لحظات عصيبة أمام جماعة دستور 1996
قبيل إسدال الستار عن نتائج 07 أكتوبر، برزت على السطح تأويلات وتحليلات أساتذة جامعيين وسياسيين، وبعض الجرائد تفتي بكون الفصل 47 من الدستور لم يحدد صفة رئيس الحكومة داخل الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات، وهو ما يمنح الملك هامشا من الحرية وتعيين شخصية أخرى غير الأمين العام للحزب، أي ممثله الرسمي، وتنص الفقرة الأولى من الفصل 47 على ما يلي: يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها.
 

ولئن قدم هؤلاء المفسرون للفصل 47 تأويلا رجعيا سلبيا، فإنهم عجزوا عن إيجاد المسطرة التي على الملك نهجها لكي يختار بين أكثر من شخص من داخل الحزب الفائز، وهو ما يشكل إذا ما نجحوا وابتكروا هذه المسطرة تدخلا سافرا في الشأن الداخلي للأحزاب، وهو ما ظل الملك يرفضه رفضا تامام في كل خطبه، على الرغم من كون إحالاتهم غير القانونية استنجدت بالفصل 42 من الدستور وهو ما شكل فضيحة سياسية لهذا التيار الذي أعلن عن نفسه بشكل واضح كتيار مؤيد لدستور 1996، الذي تم إلغاءه بشكل كلي بعد اعتماد دستور 2011.
 

وبالرغم من عمليات التنقيب الفاشلة هاته، التي نفذها المنقلبون على دستور 2011، للحؤول دون تعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابلات، وهو طبعا ممثله الرسمي، فقد فاجأ الملك الجميع، بل صدم أصحاب الطرح غير الدستوري والمتناقض كليا مع قواعد ومناهج تفسير النص القانوني والدستوري، وعين السيد بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة، وكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة، وعضو أن يعترف المنقلبون على الدستور بفشلهم.

طلع أحد الأحزاب التي تنمتي إلى ما يسمى أحزاب الحركة الوطنية ببيان يشكر فيه الملك على التزامه بما سماه "المنهجية الديمقراطية" رغم أن الملك لم يطبق إلا ما ورد في الوثيقة الدستورية، وهو ما زكاه بلاغ وزارة التشريفات والأوسمة. واقع مرير،يؤكد أن بعض النخبة السياسية في المغرب بقيت رهينة دستور 1996 بهدف تغطية هزائمها الانتخابية التي أصبحت واقعا معيشا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.