شعار قسم مدونات

الأعمال الوقائية السعودية أمام جاستا

blogs-جاستا

قانون جاستا الذي يفسح المجال لمقاضاة الدول الراعية للإرهاب ربما سيمثل تغير كبيرا في سياسة المملكة الخارجية في حين تم البت في قضية ضحايا ١١ سبتمبر وتقديم المملكة لمقاضاتها، سيخلق هذا بلا أدنى شك حالة من الخذلان الذي لم يمر على المملكة في علاقاتها الخارجية مع أحد أهم حلفائها وهو الحليف الأمريكي.

ما يهم الأن دوائر السياسة السعودية وما يدور في فضاءات الإعلام وأذهان المفكرين هو كيف للمملكة أن تواجه جاستا وتتصدى لعواقبه؟ ولمحاولة إيجاد سياسة مضادة لقانون جاستا في اعتقادي أنه من المهم البدء في فهم دوافع الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسستيها التشريعية نحو إقرار جاستا، وهل من المعقول أن يسرَع بالعمل على القانون وهو الذي يكاد يجمع عليه المحللون بأنه بات موجها بشكل مباشر ضد السعودية!

لا تريد الولايات المتحدة لدولة كالمملكة وهي الحائزة على مكانة كبيرة عربيا وإسلاميا أن تقود سياسة مستقلة تماما ومع شركاء طامحين كتركيا في المنطقة.

من الواضح أن توقيت إقرار القانون أتى في ذروة السجال الانتخابي بين الجمهوريين والديمقراطيين وفي لحظة فارقة يرمي فيها كل من الحزبين أوراقه المهمة لجذب الناخبين الأمريكيين، حتى وإن أقررنا بأهمية قانون جاستا في توجيه الناخبين خاصة أهالي ضحايا ١١ سبتمبر فإن كلا الحزبين صوتا لإقرار القانون، ما يظهر أن تداعيات إقرار جاستا متعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية الحالية بشكل كبير.

حكمت ملفات النفط والأمن علاقات أمريكا بالسعودية، وقاد الانسجام الثنائي حول هذين الملفين إلى ما وصف في وقت مضى بمتانة العلاقة بين البلدين، بيد أن هناك أولويات للسياسة الخارجية الأمريكية تبدو الآن في حالة غير مستقرة وهو ما انعكس في وجهة نظري على العلاقات مع المملكة وإقرار قانون جاستا لفرض سياسة الأمر الواقع التي تريدها أمريكا بالنسبة للمملكة.

أول هذه الأولويات الأمريكية هو الامساك بمفاصل القوى وتوازناتها في منطقة الشرق الأوسط، هذا ما عملت عليه أمريكا منذ عقود فحصار إيران لمدة ورفع الحصار بعد ذلك عنها يدخل في لعبة التوازنات والأدوار التي توزعها أمريكا مع حلفائها في المنطقة لما تشكله الجغرافيا والموارد من أهمية استراتيجية للأمريكان.

كذلك إسقاط نظام صدام والوقوف أمام التحول الديمقراطي لدول الربيع العربي كل ذلك يشير نحو سياسة أمريكا المنطوية على التحكم بنطاق تحرك القوة وتحديد من يملكها، ما الذي يعني المملكة فيما ذكر؟ ما يهم هو أن اتجاه العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد الاتفاق النووي خلخل لعبة توازن القوى، ما أسفر عن ديناميكية مختلفة للسياسة السعودية في مواجهة إيران والتدخل على إثره في اليمن والتمسك أكثر بسياستها في الملف السوري، بالطبع أدى ذلك لجنوح سياسة المملكة للاستقلالية أكثر والسعي لتكوين تحالفات جديدة كما هو الحال مع تركيا اليوم.

التغيير المحتمل في معادلة القوى من خلال خلق تحالفات بعيدة عن العين الأمريكية قد ينجح، وبالتالي لا تريد الولايات المتحدة لدولة كالمملكة وهي الحائزة على مكانة كبيرة عربيا وإسلاميا وتنفرد بتأثير أكبر في أسواق الطاقة العالمية أن تقود سياسة مستقلة تماما ومع شركاء طامحين كتركيا في المنطقة.

ثاني أولويات السياسة الخارجية الأمريكية هو السعي للحد من تنامي القوة الصينية، فما يمليه بقاء مستقبل القوة الأمريكية هو احتواء القوى الصاعدة وإيقاف تحولها لقوى منافسة، بالفعل تدرك أمريكا أن الصين هي الأقرب من حيث توفر فرص النهوض والتأثير على نطاق واسع دوليا في المستقبل القريب.

يجب على المملكة أن تثبت لأمريكا أنها قادرة على التحرك بمرونة وفاعلية في إدارة شراكاتها الاستراتيجية خاصة مع الدول الكبرى في آسيا.

الذي يتعلق بالسعودية هنا ويخيف أمريكا هو علاقة أحد أهم مصدري الطاقة في العالم مع الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فحتى تنجح امريكا في إعاقة وتأخير التحول الصيني السريع من الضروري تقليل مستوى تعاون الصين مع الدول المصدرة للطاقة والتحكم بتلك الدول.

لذا فقانون جاستا يشبه محاولة لي الذراع إذا ما استحضرنا حجم السندات المالية للمملكة في أمريكا وكيف لحيثيات القانون أن تجيز تجميد أموال الدول التي ستقدم للمقاضاة وحجم التعويضات الهائلة المتوقعة لأهالي ضحايا ١١ سبتمبر.

ما يمكن النظر إليه بواقعية للوقاية من تداعيات جاستا في الوقت الذي تتراكم فيه الأعباء السياسية على المملكة في الداخل والخارج هو التقدم في ملفي العلاقة مع الصين والتقارب أكثر مع حلفاء كتركيا لإثبات توازن جديد في المنطقة ضد سياسة الفوضى بدء من الملف السوري ومرورا بالعراق.

يجب على المملكة أن تثبت لأمريكا أنها قادرة على التحرك بمرونة وفاعلية في إدارة شراكاتها الاستراتيجية خاصة مع الدول الكبرى في آسيا، وأنه بإمكان المملكة التأثير وإحداث تغيير في ملفات عديدة كملف الطاقة وملف الأمن في المنطقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.