شعار قسم مدونات

الفلسطينيون.. الحياة المعلقة!

blogs-فلسطين

لم يكن الأمر بسهولة إنزال العلم البريطاني من أعلى السارية الحكومية في فلسطين عام 48 ورفع علم "الدولة" الجديدة مكانه.

لم تعن "إسرائيل" باستغلال هدنة عام 49 التي تلت حرب قيامها في ايجاد ظروف وعلاقات طبيعية مع محيطها العربي، فقد شنت حروبا على دول جوارها وما تزال تحتل أجزاء من أراضيها، توقيع "إسرائيل" اتفاقيات سلام مع الأردن ومصر بعد خرق الهدنة بثلاثة حروب لم يفض كذلك إلى علاقات طبيعية بينهم كدول ولا يستطيع السائح "الإسرائيلي" أن يشهر "إسرائيليته" في الأماكن العامة في مصر أو الأردن ولا تستطيع الدولتان إجبار مواطنيها على التعامل معهم كسياح في محالهم التجارية وفنادقهم أو التعامل مع المنتجات "الإسرائيلية" بيعا أو شراءا حتى لو سمحت الاتفاقيات الموقعة بسياحة  الإسرائيليين" واستيراد بضائعهم، فبالنسبة لكثير من الناس قتلت دولتهم المصريين والأردنيين وما زالت تقتل الفلسطينيين وتحتل أرضهم.

سيطرة "إسرائيل" على الضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب 67 لم تعن حصول الفلسطينيين الواقعين تحت حكم "إسرائيل" على معاملة وحقوق مماثلة لتلك التي يحصل عليها اليهود

بعد خلق مشكلة فلسطين بفتحها أمام الهجرة اليهودية التي أحدثت تغيرا ديمغرافيا على الأرض كانت مجمل الحلول المطروحة بدءا بمشروع قرار تقسيم فلسطين عام 47 تقوم على الفصل على أساس عرقي بين الفلسطينيين كعرب واليهود على نفس الأساس قامت الحلول المفروضة بالحرب وقوة السلاح.

أفرز الفصل بقوة السلاح دولة لليهود لم يعن العالم الذي سارع بالاعتراف بها بوجود الدولة الاخرى التي ما زال يساوم الفلسطينيين عليها منذ القرن الماضي حتى الأن.

لم تخف "إسرائيل" تمركزها حول العرق اليهودي، لم يحصل الفلسطينيون الذين بقوا في أراضيهم التي أقيمت عليها "إسرائيل" بعد تهجير وحرب 48 والذين حازوا لاحقا لقب مواطنين في الدولة لم يحصلوا على حقوق مكافئة لنظرائهم اليهود المواطنين في نفس الدولة، وبرزت العنصرية ضدهم في جميع المجالات والتي وصلت إلى حد إطلاق النار عليهم في عدة أحداث مثل إعدامات كفر قاسم 56 واحتجاجات الأرض 76 ومظاهرات 2000.

احتلال وسيطرة "إسرائيل" على الضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب 67 لم تعن حصول الفلسطينيين الواقعين تحت حكم "إسرائيل" على معاملة وحقوق مماثلة لتلك التي يحصل عليها اليهود المواطنون في نفس الدولة، فقد أفرزت هذه الدولة لليهود وضعية مواطنين في الدولة يخضعون لنظام مدني بينما فرضت على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وضعية "سكان" مدنيين تحت الحكم العسكري، تحدد الإدارة المدنية للاحتلال أبسط القوانين والاجراءات المدنية في حياتهم تبعا لقرارات عسكرية أمنية يفرضها الاحتلال.

فبينما كان "الإسرائيليون" يقضون أوقاتهم الترفيهية في المطاعم والنوادي بحرية حتى ساعات متأخرة من الليل كانت المرأة الفلسطينية لا تستطيع الوصول للمشفى لضرورة الولادة لأن منعا للتجوال فرض على الفلسطينيين منذ بداية ساعات المساء، يقضي الفلسطينيون للوصول لمدنهم وقراهم عدة ساعات لعبور حواجز وضعها جيش الاحتلال "الإسرائيلي" بين مدنهم وقراهم، وهي مدة يصل فيها المسافر "الإسرائيلي" إلى أقاصي أوروبا دون أي إعاقة ، وذلك للمثال لا الحصر حيث لا يحظى الفلسطيني بالكثير من الحقوق المدنية مقارنة بنظيره "الإسرائيلي" رغم أنهما يعيشان في نفس الأرض تحت حكم نفس الدولة .

مئات الآلاف من الفلسطينيين اللاجئين الذين أصبحوا لاحقا ملايين يتمركزون في الدول المجاورة، لا تزال ترفض "إسرائيل" عودتهم لمدنهم وقراهم التي قامت دولتها عليها، ومع اقتراب احتفالها بالذكرى ال 70 لقيامها لم تقدم "إسرائيل" خطوة واحدة في اتجاه حل قضيتهم، وكان أن فاقمت المشكلة بزيادة عدد اللاجئين بعد حرب 67 والذين تمنعهم "إسرائيل" أيضا من العودة للضفة الغربية أو قطاع غزة اللتين هجروا منهن.

قبل مرضه الذي فرض اعتزاله للسياسة قال رئيس الوزراء الأسبق شارون "لا عودة للاجئي 48 ولا لاجئي 67" ويبدو أنه يعبر عن السياسة التاريخية لبلاده اتجاه قضية اللاجئين بغض النظر عن الحزب اليميني أو اليساري الذي يقودها.

كان آخر ما طرحته الدول العربية التي تستضيفهم توطينهم مقابل انسحاب إسرائيل لحدود 67 (مبادرة الملك عبد الله)، ولم توافق عليه "إسرائيل" حتى الأن.

إن ربط تحسين أوضاع الكثير من اللاجئين والنازحين الفلسطينيين في الدول العربية ب "التوطين" أفرز أوضاعا إنسانية صعبة تزداد صعوبتها مع زيادة المدة الزمنية للجوء وزيادة التعداد البشري لمن ينطبق عليهم صفة "لاجئ" زيادة طبيعية بالإنجاب، وإن إنشاء وكالة دولية تعنى بتقديم الخدمات الاساسية لهم بتمويل دولي لا يعني قدرتها على المدى الطويل توفير الميزانيات اللازمة لتقديم خدمات أساسية لتعداد متزايد مع الوقت يقدر بالملايين يتجاوز التعداد الكلي لسكان بعض الدول. فالأزمة المتزايدة المتراكمة ليس بمقدورها ان تبقى قيد السيطرة طويلا.

إن الشعور بالمشكلة يزيد من توغل وجودها، ايجاد توازن بين السود السكان الأصليين للبلاد والبيض الغازين في إطار قانون الدولة في جنوب إفريقيا لا يلغي تاريخ البيض أو صفتهم التاريخية لكن يخفف من أثر ذلك على الحياة العامة المشتركة اختيارا أو فرضا بين المواطنين الأبيض والأسود، ففي مستوى معين من القوانين المدنية والسياسية التي تعطي حقوقا متكافئة للجميع دون اعتبارات عرقية أو تاريخية يمكن أن يعيش الجميع ظروفا طبيعية لا تستحضر ما حدث في نطاق المدنية العادية اليومية.

خلال 7 عقود تلت قيامها أوصلت "إسرائيل" رسالة المعاناة لكل فلسطيني ورسالة المعاداة لكل عربي فأضحت تلازمها لعنة الفلسطينيين والعرب أجمعين!

الفلسطيني الذي ما زال يرى أثر قيام دولة "إسرائيل" في كافة تفاصيل حياته اليومية يقتل ابنه على الحواجز يتنقل ويسافر بعد ساعات طويلة من الانتظار، تحد أبسط حقوقه المدنية بقرارات عسكرية تفرضها دولة "إسرائيل" والفلسطيني الذي لا يستطيع في 2016 الحصول على حق العمل في بيروت لأنه ابن أو حفيد أو ابن حفيد رجل هجرته عصابات الحركة الصهيونية المسلحة لإقامة دولة "إسرائيل" عام 48، والفلسطيني الذي يقتل في سوريا لأنه ليس له دولة تقوم سفارتها بتأمين خروجه من سوريا والفلسطيني الذي لا يستطيع السفر أو الحصول على فرصة عمل في الكثير من الدول لأنه يحمل لقيب فلسطيني جنسية بلا دولة لأن دولة أخرى قامت على أرضه، هذا الفلسطيني يلعن "إسرائيل" صباح مساء وكأنها قامت اليوم وليس قبل 70 عاما.

والأمثلة كثيرة فيندر أن يوجد فلسطيني لا يعاني على صعيد حياته المدنية من عدم وجود دولة له.
خلال 7 عقود تلت قيامها أوصلت "إسرائيل" رسالة المعاناة لكل فلسطيني ورسالة المعاداة لكل عربي فأضحت تلازمها لعنة الفلسطينيين والعرب أجمعين!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.