شعار قسم مدونات

الفيلم رسالة فاقرأها

blogs - cinema
لا تقتصر الأفلام التي نشاهدها هذهِ الأيامْ سواء في صالات السينما، أوعلى شاشات التلفاز، أو الحواسيب، على عنصر التسلية وحسبْ، بل تمتد لتشمل عناصر أخرى يكون لها التأثير على عقلية المشاهد المستهدف. فالفيلم ليس مادة نشاهدها لدقائق ونحن نأكل حبات البوشار لكي نحصل على بعض الترفيه الذي نفتقده في أيامنا هذه في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها منطقتنا العربية.

الفيلم رسالة، وكل رسالة تختلف من بيئة لأخرى، كما تختلف الفئة الموجهة إليها الرسالة من المشاهدين، باختلاف رغبة مرسلها الذي يمهد الأرضية الخصبة في عقلية المشاهد، ليُزرع فيها الأفكار لاحقاً بشكل تدريجي، وهذا المنطق لا نعمم فيه على كل الأفلام وخاصة العربية، التي غالباً تأتي بغرض التسلية، وخالية من الرسالة، ولا ننكر هنا وجود الأعمال الهادفة، التي لا تجد فرصتها بالوصول إلى الصف الأول هذه الأيام.
 
أما الأفلام الغربية، فغالبها تحمل رسالة أحياناً تصل بشكل كلي، وأحياناً بشكل جزئي، وأحياناً لا تصل أبداً، وذلك أحياناً نجدهُ عند المشاهد الذي يجد فيما يشاهد أنه ممل وغير جدير بالمشاهدة، فيتجاوز ما يشاهد متهماً إياه بالملل وإضاعة الوقت، وبأنه عمل غير جدير بالمتابعة، فالعقول مستويات، ولهذا ذكرنا أن الرسالة تستهدف فئة معينة من الناس أحياناً وليس للعامّة .

في رائعة المخرج الأميركي ديفيد فينشر "Fight Club" نادي القتال، وهو فيلم مقتبس من رواية تحمل نفس الاسم للكاتب لتشاك بولانيك: "نحنُ نعمل بأعمال لا نحبها لنشتري أشياءً لا نريدها لأشخاص لا نحبهم" "أنتَ لستَ وظيفتك، لستَ النقود التي تحملها في حسابك البنكي، لستَ السيارة التي تقودها، لستَ محتويات محفظتك، ولستَ ملابسك".. هكذا يقول بطل الفيلم، ففي هذا العمل وجدنا نقد مباشر للنظام الرأسمالي الغربي، وكيف أن الأجيال تنشأ في ظل هذا النظام فارغة وتحيا فارغة، دون هدف سامٍ، فالروتين نفسه ذاته يتكرر كل يوم. وهذا ما جسده لنا براد بيت وإدوارد نورتن من خلال بطولة هذا العمل القوي، والذي أبصر النور في صالات السينما عام 1994 والذي ما زال يحتل المركز العاشر في تاريخ السينما على موقع IMDb المختص بعالم السينما والأفلام، والذي يتيح للمتصفحين تقييم الأفلام بكل حريّة.
 

أما في الأفلام الحربية وخصوصاً المصنعة أمريكياً، ففيها نلاحظ ثلاث أفكار رئيسية، نجدها تقريباً في معظم الأفلام الحربية الأميركية والبريطانية أحياناً.

أولاً: فكرة الجندي البطل الذي لا يخشى المصاعب ولا يموت.
وهي الفكرة الأكثر رواجاً في الأفلام الحربية بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص، ويُقال أن هذا النمط من الأفلام والذي يحمل هكذا أفكار مرتبطة بشجاعة الجندي، تستهدف بشكل رئيسي الجنود نفسهم لرفع معنوياتهم الحربية والقتالية، وتظهر هذه الفكرة بشكل واضح في فيلم "Saving Private Ryan" والذي تدور أحداثه في فترة الحرب العالمية الثانية، حول عملية إنقاذ تقوم بها مجموعة صغيرة يرأسها النقيب جون ميلر، والذي يؤدي دوره في الفيلم الممثل (توم هانكس) الذي يسعى للبحث عن المجند ريان لإعادته إلى بلاده، بعد مقتل ثلاثة من أشقائه في نفس الحرب.

 
وفي فيلم "Unbroken" يتم إلقاء القبض على أحد الجنود الأمريكين بعد إسقاط طائرته الحربية فوق الأراضي اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية، وتتعرض شخصية لويس زامبريني التي أداها الممثل "جاك أوكونيل" للأسر من قبل القوات اليابانية. وتدور أحداث الفيلم حول تعنيف وتعذيب هذا الأسير الأميركي والحرب النفسية التي يعيشها خلال مرحلة الأسر، إلا أنه يبقى صامدا حتى النهاية رافضاً الاعتراف بشيء.

ثانياً: ولن نقول هنا كما يتوقع الكثير "إظهار المسلمين بمظهر الإرهابيين" فأنا لا أؤمن بها، بل أؤمن بعنوان ومضمون آخر بديل، وهو تبرير التدخل العسكري الغربي في بلدِ ما.
وهذه الفكرة تقريباً تكررت في معظم الأفلام الحربية الأمريكية التي ارتبطت بالبلاد العربية والغربية وبلاد الشرق الأوسط كالعراق وليبيا وأفغانستان وفيتنام. وتظهر هذه الفكرة في عدة أفلام أبرزها الفيلم الأميركي "secret soldiers of Benghazi" والذي يصور تواجد مجموعة من العسكريين الأمريكين في ليبيا كضرورة لحماية المنشئات الأمريكية بعد أن أصبحت ليبيا ملاذاً لجماعات مسلحة لا تعد ولا تحصى.
 

أما في فيلم "The green zone" كان العكس، فبدل دعم فكرة التدخل، قام الفيلم بفضح كذبة التدخل الأميركي في العراق بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل، حيث يقوم الرقيب روري ميلر بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، لكن في كل مرة يخرج خالي الوفاض فيتحول من مهمة البحث عن أسلحة الدمار الشامل إلى البحث عن مبتكر هذه الكذبة، وذلك لتلميع صورة الجيش الأميركي في النهاية.
 

ثالثاً: فكرة الجندي الإنساني.
ويعد الفيلم البريطاني "Eye in the sky" والذي يعد من أحدث الأفلام الذي يزرع هكذا أفكار، والذي أبصر النور هذا العام، وتدور أحداثه حول عملية مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لتوجيه ضربة عسكرية من خلال طيارة دون طيار لمكان تجمع إرهابيين في كينيا، لكن قبل توجيه الضربة بدقائق يلاحظ وجود طفلة صغيرة قرب المبنى الذي يتوجب استهدافه، فتمضي ما يقارب الساعة من أحداث الفيلم حول كيفية تنفيذ الضربة دون إيذاء هذه الطفلة، وهنا تتجلى مشاعر الحرص الشديد لدى القوى العسكرية الغربية على حياة الأطفال.
 

أخيراً أعود وأكرر على قضية رئيسة، وهي أن الأفلام بغالبيتها ليست مادة للتسلية، وإنما رسالة توجب علينا كمشاهدين قراءتها وإدراكها، وأؤمن أيضاً أن بعض الأفلام لها غرض آخر، وهو التمهيد لأحداث قادمة، قد يستغرب البعض لكن أبرز مثال كما حصل بخصوص قضية الكائنات الفضائية والسؤال عن وجودها من عدمه، فالأمر بدأ تمهيده بشكل كثيف من خلال الأفلام السينمائية، ثم أصبح أمراً شعبياً بين الناس. وكذلك الحروب، ويعد مسلسل الأنيمشن الأميركي الشهير The Simpsons الأكثر جدلاً بخصوص التنبؤات والتمهيد لأحداث قادمة، ولكن هذا المسلسل يحتاج لمدونة أخرى منفصلة ربما نكتب عنه بالمستقبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.