شعار قسم مدونات

أنا شيخكم الذي "لا يخطئ"

blogs - leader

من الممكن أن أطلق على نفسي ما أشاء من أسماء وصفات، وأمتطي صهوات العلم وأرفع أوراق الشهادات وأعززها بوثائق الخبرة الطويلة والعمر المديد في هذا العمل أو ذلك، وحتى في كل الأعمال، إذ أن المجال مفتوح أمامي، في هذا الفضاء الإلكتروني، لأكون ما أريد وما يريده أبي وأمي، ولم لا تكون رغبة الأمة جمعاء؟!

لا مدقق وراء معلوماتي فهي من النوعية "المسلم بها"، ولا مجال لنقاش أن "الماء ماء"، فالجميع يَغبُ من المستنقع وأنا وحدي من يملك البئر الزلال، قد تتضخم عند البعض الأنا ولكنها لن تصل إلى حدود الدرجة الأولى من درجاتي الألف بعد المليون التي ارتقيتها، فأنا من يصنع المجد، وأنا من أمهد للغفران، ففي المذهب الشيعي يرون أن المرجع الديني هوالبوابة لـ"الله"، وفي الصوفية يلعب شيخ الطريقة دور العابر بأتباعه إلى "النقاء"، وفي السلفية الجهادية أكون أنا الفيصل بين المنافق المرتد وبين الناجي وصاحب الجنان.

وفي خضم الصراع الذي "لا يذر" يأتي بعض ممن وجد في اللحية شيئا جميلا، وفي "غوغل" الناصح الأمين والمرجع الذي يفوق أصول الدين، ليحسم أمراً اختلط علينا نحن البشر.

لا تحتاج في ظل الجنون الذي يضرب كل مكان، إلى الكثير من العلم والقدرات الإلهية غير المتوافرة في أحد سواك، وكذلك الأمر.. باتت قصة أن تملك مكتبة من النوع "الناطح للسحاب" متطلب، فكل ما أنت بحاجة إليه هو جهاز يُمكنك من الولوج إلى عالم غوغل، للتتحول إلى مفتي الأمة، وقاضيها ورقيبها، وكذلك ثاقب النظر في تبيان مآل الأرواح فيما بعد الصراط المستقيم هل إلى جنة المنتهى أم إلى درك النار المستقر!

لا يمكن أن يوصف ما يحدث في سوريا على وجه الخصوص "وهو قضية مصغرة عشرات المرات عن حال أمة بأثرها قد تشكل خُمس سكان الدائرة التي نعيشها في وسطها"، أنه صراع عابر بين مستبد ومقهورين، أو بين ظالم ومظلومين، فهذا الوصف يصدق تماماً في كافة المراحل، ولكنه ليس وحيداً أو منفرداً، بل هناك استبداد المقهورين لأنفسهم، وكذلك ظلم المظلومين لذواتهم، بأيديهم وقرارة نفسهم، وتمادي "المُكملة الأخيرة" يصل لحد يُنسى معه المستبد الأول والظالم الأساس.

تطفو على السطح بشكل مستمر، وأحياناً تطغى بأسلوب كبير، قضية أنا المفتي الأحق، و"الدليل" البشري الأوحد إلى "الله"، في أي أمر يتعلق بأي شيء، إدارة وعلم وفكر، ثورة ونهج، حرب وسلم، اتفاق وخلاف، فأي معارضة فيما يفتي "المفتي" هو معارضة لـ"الله" توجب وأد صاحبها "بحرفية الكلمة"، وجعله منبوذاً حتى من صاحبيه وصولاً لبنيه، وفي الوقت ذاته لا يكون هذا الطريق هو الوحيد، إذ أن باب التوبة مشّرع أمام التائه، وله الحق في العودة لجلباب "المفتي" شريطة قبلة من الشفتين لـ"القدمين" إظهاراً للانكسار وتقديماً للطاعة، وحينها يتحول الآثم من مراق الدم لصاحب دم ضد جميع من يرغب .

قد تكون فلسفة المصطلحات المعقدة والأفكار غير المفهومة سمة فيما سبق، ولكن هي الأسلوب الأفضل في طرح ما يحدث على ساحة ليس ساحة صراع أفكار أو أسلحة أون ظم وحتى مصلحية، بل هي ساحة تجمع كل ما ذكر وأكثر، فهي صراع أهل الدار والأصدقاء مع المعتدين، وصراع المعتدين مع الأصدقاء، كذلك صراع المعتدين فيما بينهم وذات الشيء بين الأصدقاء، وفي المحصلة هو صراع الجميع مع الجميع لأجل أن لا يبقى شيء لأي أحد لا لصاحبه أو صديقه ولا عدوه أو للساكت عنه، فهو الصراع الذي "لا يذر".

وفي خضم الصراع الذي "لا يذر" يأتي بعض ممن وجد في اللحية شيئا جميلا، وفي "غوغل" الناصح الأمين والمرجع الذي يفوق أصول الدين، ليحسم أمراً اختلط علينا نحن البشر غير المؤهلين حتى لهذا الاسم بل مُنحنا إياه "ظلماً"، والشيخ العظيم يحاول أن يُؤهلنا لأن نكون مثل "الأولين" ونصل لـ"النجاة"، نجد مكاناً بإحدى زوايا قاربه أو يخته ومن الممكن سيارته نحو أرض "السالمين".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.