شعار قسم مدونات

السيد حفتر 3: حكم العسكر.. إنفاق على الهزائم

blogs - lebya
المتأمل في المسار الاقتصادي للدول التي خضعت لأنظمة عسكرية استثنائية يلاحظ أن جلَّ ميزانيات هذه الدول ينفق على التسليح ومتعلقاته، وفي الدولة القائمة على المعقولية تنفق الميزانيات على تسليح الجيوش من أجل حماية بلدانها، وردع خصومها، أما دولنا التي جعلت مزارع للقائد الفرد وحاشيته فإنها تنفق على جيوشها لتهزم في ساحات الوغى، وأنتم أفضل من يعي ذلك لخبرتكم في الحروب والهزائم المنكرة.

لقد تعودت الجيوش الانقلابية على أن ضغط الهزيمة في الميدان الحربي ينفس في الاستيلاء على السلطة؛ كما فعل عسكر موريتانيا حين أرهقهم الجلاد في الصحراء الغربية رجعوا إلى نواكشوط ليقولوا للرئيس المدني مختار ولد داداه "سيدي الرئيس لقد نزع الجيش منكم ثقته" (محمد سالم محمدو، الجيش الموريتاني: أصابع على الزناد وقدم بالسياسة، مركز الجزيرة للدراسات) ، ومتى كان لجيش مهزوم ثقة، إنها للأسف حروب عبثية تهلك الحرث والنسل وترسخ الهزيمة.

إن الرمي بأبناء شعبنا في أتون حرب عبثية لا يمكن أن يكون حدثا عابرا يمسح صاحبه عارضيه ويتجرأ على خوض التجربة من جديد ضد أبناء شعبه نفسه.

إن الدراسات المختصة تقول إن "الإنفاق العسكري الليبي يعادل أكثر من 70 مرة مقدار الإنفاق العسكري في تشاد" (عبد الرزاق الفارس، السلاح والخبز الإنفاق العسكري في الوطن العربي. 1970-1990م. دراسة في الاقتصاد السياسي. ص 230. مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1993م) ، والنتيجة المترتبة على هذا الفروق الهائل التي يعرفها الجميع؛ فلا أحب نكء الجراح ولا الشماتة لي بخلق، لكنه التاريخ الذي يجب الاتعاظ به والاستفادة من عبره.

إن الرمي بأبناء شعبنا في أتون حرب عبثية لا يمكن أن يكون حدثا عابرا يمسح صاحبه عارضيه ويتجرأ على خوض التجربة من جديد ضد أبناء شعبه نفسه، إنهما خطتا خسف، تجرعنا الأولى، ويجب أن نقول للثانية: لا !!

المؤسف أن تلك الدراسات تؤكد "أن إجمالي الإنفاق العسكري الليبي خلال 1978-1979 حوالي 40 في المائة" من الميزانية، وأعرف أن المجالات المتبقية من صحة وتعليم لم تكن ذات قيمة لدى رفاق المغامرة لكن الإنفاق العسكري الوفير باء بالفشل، فكيف حال ما لم ينفق عليه ولم يول أي اهتمام؟!
 
إن ليبيا ليست وحدها في ذلك فإن الجارة الشرقية مصر من ضمن "البلدان العربية التي أنفقت ما يقارب 1000 مليار دولار على المؤسسات العسكرية خلال عقدين"، "فقد كان الإنفاق العسكري العربي يمثل أعلى المعدلات في العالم" (الفارس ص 23)، والحقيقة أن الأنظمة الانقلابية لا تسعى لتطوير المؤسسات العسكرية بمهنية خوفا على وجودها، بل هو سعي للثراء السريع من قِبَلِ الضباط الذين كفروا بالعقيدة العسكرية، وكوَّنوا دولة خفية فوق أشلاء الدولة الظاهرة.

"ثمّة عدد مُلفِت من الضباط (معظمهم من المتقاعدين، لكن بعضهم لا يزال في الخدمة الفعلية) هم أعضاء في مجالس الإدارة لمجموعة كبيرة من المرافق العامة المملوكة للدولة، ومشاريع البنية الأساسية الرئيسة، وما يرتبط بها من أشغال وخدمات. العديد من هذه المرافق هو جزء من الشركات التجارية القابضة الكبيرة التي تأسَّست كمشاريع اقتصادية مملوكة للدولة خلال المرحلة الأولى من الخصخصة بدءاً من العام 1991 (أي تحويل المشاريع الاقتصادية للقطاع العام إلى شركات تجارية تعمل في إطار القواعد المالية للضرائب والأجور المطبّقة على الشركات الخاصة).

كما أن الضباط هم رؤساء أو أعضاء في مجالس إدارة الشركات القابضة للطيران والمطارات، والنقل البحري والبري (بما في ذلك جميع هيئات الموانئ البحرية) والكهرباء والمياه والصرف الصحي – والعديد من شركاتها الفرعية التي تملكها جزئياً أو كلياً.

كما يهيمنون على قطاعي النفط والغاز الطبيعي التابعَين للقطاع العام، وعلى شركات الخدمات المتّصلة بهما. والأمر نفسه ينطبق على بعض المرافق الأخرى مثل الشركة المصرية للاتصالات "إيجيبت تيليكوم" Egypt Telecom، التي هي الآن شركة مساهمة تحتكر خطوط الهاتف الثابتة، وتمتلك حصة متنامية في سوق الهواتف المحمولة.

كما ينطبق ذلك أيضاً على الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. يتمتع المتقاعدون العسكريون أيضاً بتمثيلٍ كبير في الوزارات والهيئات الحكومية التي تتعامل مع القطاعات المتعلّقة بالأراضي مثل الإسكان، وإدارة العقارات، والأشغال العامة، والاستصلاح والتنمية الزراعية، والسياحة. فهم يهيمنون على الجهاز المركزي للتعمير التابع لوزارة الإسكان، والذي يتولّى بناء المساكن والطرق الدائرية في المدن والجسور.

الإنفاق على الهزائم سنة عسكرية اعتادها عرابو الانقلابات في بلداننا المنكوبة. لذلك وجب لزوما رفض حكم العسكر.

كما يضطلعون بدور قيادي في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التي يديرها لواء متقاعد في القوات المسلحة. ويرأس المتقاعدون العسكريون أيضاً الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، وهي الهيئة المسؤولة عن مشاريع الري والاستزراع العملاقة في "توشكي" وفي شمال سيناء والعوينات الشرقية والوادي الجديد، والقطاعات ذات الصلة مثل الصوامع والتخزين الزراعي. كما يتولّى عسكريون متقاعدون إدارة هيئة التنمية السياحية وهيئة الأوقاف، التي تتولّى إدارة الأوقاف الإسلامية ومصادر دخلها بالتوازي مع وزارة الأوقاف" (يزيد صايغ، جمهورية الضباط: فوق الدولة. مرجع سابق. ص 17-18).

إذا عرفنا هذه الحقائق المريعة عرفنا لماذا الهزيمة حليفة لجيوشنا في كل معاركهم، وعرفنا كيف أن الجيوش العربية لم تحرر شبرا من أي أرض محتلة، وما حالة الدولة السورية التي تنفق على جيشها "منذ عام 1949م أكثر من 55 في المائة من الموازنات العامة، عدا موازنات التسلح الاستثنائية(…) وقد أدت زيادة الإنفاق العسكري إلى إرهاق الموازنة السورية وتعطيل مشاريع التنمية والبينة التحتية في سائر أنحاء القطر السوري"( بشير زين العابدين، الجيش والسياسة في سوريا، ص247).

لقد استمرت وتيرة الإنفاق الباهظ في ارتفاعها من غير حصول نتيجة تذكر؛ فالجولان لا يزال تحت الاحتلال الصهيوني، والجيش العربي السوري على كثرة الإنفاق، وعلى جلالة قدره، مشغول بملاحقة الأطفال والنساء بالبراميل المتفجرة مثل ما يحدث في بنغازي، ولم يكن العراق استثناء من الإنفاقات الباهظة فقد بلغت مشترياته العسكرية في الفترة الواقعة بين 1974-1979م حوالي 5.3 بليون دولار (الفارس ص 148) ، واستمر الإنفاق العسكري في وتيرة مرتفعة رغم الحصار لكن كل ذلك ذهب هباء سنة 2003 حين احتاجت الأمة لمن يقف في وجه الغزو الأمريكي؛ فالإنفاق على الهزائم سنة عسكرية اعتادها عرابو الانقلابات في بلداننا المنكوبة.
لذلك وجب لزوما رفض حكم العسكر…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.