مسلسل "بدون سابق إنذار" يغرد منفردا دون ملل

المسلسل المصري "بدون سابق إنذار"
البوستر الدعائي للمسلسل المصري "بدون سابق إنذار" (الجزيرة)

رغم تجاوز عدد المسلسلات المصرية التي تتنافس رمضان الجاري 35 مسلسلا فإن النقاد ورواد منصات التواصل الاجتماعي أجمعوا على أن الحلقة الأولى الأفضل خلال الموسم جاءت من نصيب مسلسل "بدون سابق إنذار" الذي بدأ عرضه في النصف الثاني من الشهر الكريم.

ويرجع ذلك إلى حبكته التي دارت حول معضلة إنسانية معقدة، وسرده الدرامي الشيق ذي التصاعدات الحادة ونهاية الحلقة المثيرة والموترة للأعصاب، مما أجبر المشاهدين على انتظار الحلقة التالية بفارغ الصبر.

المسلسل المصري "بدون سابق إنذار"
آسر ياسين بطل المسلسل المصري "بدون سابق إنذار" (مواقع التواصل الاجتماعي)

أحداث العمل تبدو في البداية كما لو أنها تتمحور في الأساس حول زوجين يمران بمشاكل أسرية تتعلق بالطريقة التي يترجم بها كل منهما حديث الآخر وكيف يتعاملان مع مشاعرهما المعلنة وغير المعلنة، والصراع الأزلي بين الاحتياج والاحتواء وصدمات الطفل الداخلي لكل منهما، لكن الأمور تزداد تعقيدا حين يكتشفان إصابة طفلهما الوحيد بالسرطان ويضطران إلى تنحية خلافاتهما جانبا.

وتتعقد الأحداث أكثر بعد إجراء اختبار "دي إن إيه" يثبت أن الطفل ليس من صلبهما، ومن ثم يستنتجان أنه جرى تبديله وقت الولادة، ثم تتوالى الأحداث في ظل محاولاتهما الوصول إلى طفلهما الأصلي وتساؤلاتهما غير المجاب عنها بشأن مصير طفلهما الحالي إذا عثرا على ابنهما البيولوجي.

احترس، أمامك منطقة رمادية

تتميز دراما هاني خليفة بتناولها قضايا إنسانية معقدة تضع المشاهد في المنطقة الرمادية من كل شيء، حيث يخضع إلى سلسلة من الاختبارات الصعبة والمتتالية التي تجبره على إعادة اكتشاف نفسه ومدى ثبات قناعاته.

وهو ما شاهدناه مؤخرا في فيلمه "رحلة 404" الذي أدت فيه منى زكي دور امرأة تائبة تضطرها الحياة للوقوف أمام اختيارات تقيس صدق إيمانها وقوته حين تتعرض إلى أزمة مالية طاحنة تهدد حياة والدتها.

ويتكرر الأمر نفسه في مسلسله الجديد "بدون سابق إنذار" الذي يعود به إلى جمهور الشاشة الصغيرة بعد غياب عامين منذ مسلسل "الليلة واللي فيها"، وذلك من خلال قصة ممتعة ومخيفة في آن واحد تجبرك على التعاطف مع أصحابها.

يطرح العمل مشكلات أخرى جانبية لا تقل أهمية أو إبداعا عن المشكلة الرئيسية، والتي تتمثل في لجوء امرأة تعجز عن العثور على شريك حياة مناسب إلى تجميد بويضاتها حرصا على فرصتها الأخيرة بالإنجاب، أو العلاقة المعقدة بين شقيق البطل الانفعالي الذي يجازف ويخسر في مشاريع تجارية فاشلة وزوجته التي نشأت في أسرة متواضعة وتحتاج إلى الأمان المادي لتشعر بالاستقرار.

هكذا يظل المشاهد حلقة تلو أخرى يعيد اكتشاف الأبطال حسب ما تمنحه الحلقات من معطيات جديدة تعكس أوجاعهم الخفية وأثر تجاربهم الحياتية وعلاقاتهم بذويهم على حياتهم الحالية وكيفية تعاطيهم مع المشكلات.

يميز العمل أن كل هذا يجري بإيقاع سلس دون تكلف أو مبالغة، وأداء متزن من الأبطال، والأهم هو وجود حوار عميق وواقعي وكتابة ذكية وحساسة تعرف كيف تطرح قضايا صعبة ومؤلمة دون اللجوء إلى الميلودراما.

انقسام حول جودة التمثيل

تنوعت آراء الجمهور، بين من أشادوا بأداء آسر ياسين الذي عرف كيف يعبر عن معاناة الأب المكلوم الذي يسعى إلى إنقاذ أسرته من طوفان متعدد الأوجه يهدد كل ما عاش لأجله، كذلك أعربوا عن إعجابهم بتمثيل عائشة بن أحمد التي تقدم شخصية اعتادت أن تكتم انفعالاتها وترفض إظهار مشاعرها إلا من خلال ارتعاشة صوتها أو عينيها الدامعتين.

وفي الوقت نفسه، ظهر تيار آخر وصف أداء آسر ياسين بالمعتدل والمناسب للحد المقبول من معايشة الشخصية، فيما اتهموا عائشة بن أحمد بالبرود وعدم القدرة على التماهي مع الشخصية وحجم الكارثة المدوية التي ألقتها الحياة على عائلتها، وتساءل البعض عما إذا ما كان دورها سيقدم بشكل أفضل لو مُنح لفنانة مصرية أكثر قدرة على التقمص وتملك بعض الانسجام والكيمياء مع البطل.

لكن من لم يختلف عليه أحد هو الطفل سليم يوسف الذي يلعب دور ابن البطلين الرئيسيين، والمصاب بالسرطان والذي يعاني جسديا ونفسيا، خاصة حين يكتشف أن والديه على وشك الانفصال، والمثير للاهتمام أن هذا الدور هو الأول في مسيرة الطفل، ومع ذلك فقد أجاد التعبير عن مشاعره المعقدة ربما أفضل من نجوم كبار آخرين لديهم سنوات خبرة فارقة.

ومن النجوم الجدد أحسنت الممثلة الشابة جهاد حسام الدين استغلال المساحة الكبيرة والحساسة التي منحها لها المخرج هاني خليفة، وقدمت شخصية قد لا تتفق معها لكنك لا تملك أن تكرهها لأن لديها من المنطق والماضي ما يمنحها مبررا للطريقة التي ترى بها العالم.

وبالطبع يُحسب لمخرج العمل حسن إدارته لها وتوظيف إمكانياتها التمثيلية، ويسهل أن نلحظ الفارق بين أدائها في مسلسل "بدون سابق إنذار" ودورها في "مسار إجباري" الذي عُرض في النصف الأول من رمضان، يُذكر أنها لفتت الانتباه إليها أيضا في مسلسل "سفاح الجيزة".

"بدون سابق إنذار" مسلسل مصري من 15 حلقة، مناسب لعشاق الدراما الاجتماعية المعقدة والملحمات الحياتية غير المتوقعة أو المعتادة، ولهواة الكادرات الفنية الممتعة بصريا والمناسبة لاستعراض اللحظات المهمة بالحبكة والانفعالات المركبة للأبطال.

العمل قصة ومعالجة درامية ألما كفارنة، وسيناريو وحوار كل من سمر طاهر وعمار صبري وكريم الدليل، والإخراج لهاني خليفة، أما البطولة فأسندت إلى آسر ياسين، وعائشة بن أحمد، وأحمد خالد صالح، ونهال عنبر، وحنان سليمان، وجهاد حسام الدين.

المصدر : الجزيرة