الغناء في زمن الحرب.. حوار موسيقي سوداني والدبكة الفلسطينية حاضرة

فرقة دواوين الموسيقية، تعزف الأغاني الفلسطينية في غزة قبل الحرب (الفرنسية)

تحت وقع أصوات المدافع وقصف الطيران، غابت مظاهر الاحتفالات عن العواصم العربية، وتراجعت الموسيقى والأغنية إلى مؤخرة المشهد، فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ملأت رائحة الحزن والغضب سماء المسارح في أغلب المدن بالمنطقة، نظرا لما تشهده غزة من إبادة.

وألغت عدة دول عربية وفي مقدمتها الكويت، وسلطنة عمان، والإمارات، وقطر، والأردن، العديدَ من الحفلات الموسيقية والغنائية والمهرجانات السينمائية، كما غابت احتفالات رأس السنة الميلادية، وتسابق الفنانون العرب لإلغاء ارتباطاتهم الفنية السابقة، تضامنا مع الشعب الفلسطيني.

وعلى الجانب الآخر في السودان، اندلعت حرب أخرى، فطالت الدماء جدران المسارح الغنائية، وغطى صوت الرصاص على أصوات المطربين، وساد البلاد حزن لا يحتمل الموسيقى، خاصة بعد أن أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى نزوح 7.1 ملايين نازح في أقاليم السودان ولجوء 1.5 مليون لاجئ في دول الجوار وسقوط أكثر من 12 ألف قتيل.

ورغم الغضب والحزن، عاد الغناء والموسيقى؛ فاستدعت أغنية المقاوم الفلسطيني تراثها الذي يقترب من 100 عام، وعادت روح إلى الفن السوداني والموسيقى الصريحة بسلّمها الخماسي الرائق، فتحولت الأغنيات إلى جزء من مشهد الحرب في المنطقة.

أناشيد المقاومة

ظهرت أناشيد المقاومة بعد اندلاع الثورة الفلسطينية، وشكلت لونا جديدا من الفن، وركزت في البداية على الطابع العسكري، قبل أن تشمل مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية للفلسطينيين.

وتعد المرأة الفلسطينية هي المبدع الأول لفن الأغنية الشعبية الفلسطينية، حيث كانت ترعى الدار والأطفال وتخيط الثياب وتعصر الزيتون، وكانت تفعل كل ذلك وهي تغني وتؤلف الأغاني.

يقول عازف العود والمؤلف الموسيقي الفلسطيني إياد ستيتي، للجزيرة نت، حول حال الغناء في زمن الحرب في الدول العربية: إن "الموسيقى هي أحد أهم أشكال التعبير الثقافي والأكثر جمالا ورقة، وبنفس الوقت هي الأقوى من حيث قدرتها على العبور من خلال ملامسة أحاسيس الناس، وأرى أن هناك أهمية فائقة لدور الثقافة والأغنية في زمن الحرب، وهي أداة توثيق مهمة، فلكل مرحلة زمنية أغنيتها التي تتشكل طبقا لما اتسمت به المرحلة".

وينتقل ستيتي للتعبير عن الحالة الفلسطينية، قائلا: "بعضنا لديه فهم خاطئ للفنون بشكل عام، ويعتبر الموسيقى والأغنية وسيلة ترفيه ولهو، وهو ما يساهم في غيابها أحيانا في زمن الحروب بالتحديد".

ويستدرك عازف العود الفلسطيني: "من الضروري التعامل مع الأغنية والفنون باعتبارها وسيلة أو أداة من أدوات التعبير والتحرر من الاحتلال بغض النظر عن شكل أو قالب الأغنية في ظل الحرب، ونحن الفلسطينيون الوحيدون الذين ننفرد بمصطلحات معتمدة في الجانب الأكاديمي تحت عناوين (أغاني الثورة، والأدب المقاوم)، والأغنية كانت وستبقى وسيلتنا للتعبير والتواصل وحوارنا مع جميع شعوب العالم".

الفلكلور الفلسطيني

ويرى مثقفون أن مهمة التراث والفلكلور تكمن، بشكل خاص، في إبقاء التقاليد والقيم والملامح التي تميز الشعب الفلسطيني حية باقية، ليتذكر المحتل والعالم كله أن هناك شعبا يتم التآمر على وجوده وثقافته وهويته لطمسها.

ويقول ستيتي: "أرى أن الغناء الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية للمنطقة العربية، مثلا الأغنية الشعبية (الفلكورية) الفلسطينية بمختلف قوالبها تتشابه مع الأغنية السورية أو الأردنية أو اللبنانية، لكنها الأكثر قدرة على التعبير عن الحالة الفلسطينية وعكس صورتها أمام العالم، وخاصة إذا ترافقت مع الدبكة الشعبية وارتداء الكوفية".

ويبرهن الموسيقي الفلسطيني على الأمر قائلا: "الفلسطينيون المهجرون قسرا عن أرضهم في المنافي يلمسون ويشمون تراب فلسطين من خلال إنشادهم أغنيات، لأن الأغنية تنبت من الأرض مثل الشجرة والعشب والحنون".

حرب الأغاني في السودان

ارتبط الغناء تاريخيا بمظاهر الحياة التي تسود المجتمع الزراعي والرعوي. وكانت الأغاني تؤلف وتُغنى جماعيا خلال مواسم الزراعة والحصاد والحرب والموت وتصاحبها طقوس الرقص التعبيري، لكن المشهد الحالي يشهد حربا على المستويين العسكري والغنائي أيضا.

يقول الباحث والموسيقي السوداني الدكتور كمال يوسف للجزيرة نت عن الانحياز للشرعية أو للدعم السريع في الغناء: "في أوقات الأزمات والحروب تكون هناك عين رقابية مسلطة من أهل الأدب والفكر والإعلام والثقافة ومن كل المشتغلين بضروب الفنون على الغناء، ومن ضمنهم بالضرورة المغنون أنفسهم، وهنا يأتي دور كل مغنٍ والزاوية التي ينظر منها لأمر الحرب، وهنا تحدث المناصرة لفريق دون آخر".

ويضيف يوسف: "منذ بدء الحرب، كان الخلاف الأساسي يدور بين طائفتين، الأولى هي الداعية لوقف الحرب في مقابل طائفة أخرى تدعو لاستمرارها إلى أن تحسم بنصر، وتم توظيف الغناء في هذين المحورين. وبين الطرفين، كانت هناك نظرة ثالثة ثاقبة، أشارت لأضرار الحرب وانتهاكاتها، ونادت بضرورة وقفها من خلال أعمال غنائية وموسيقية".

المشهد المهاجر

ويوضح الباحث والأكاديمي السوداني موقف السودانيين المهاجرين قائلا: "دار لغط كثيف حول ما يدور من أنماط غنائية في المهاجر. نال العديدون من الشريحة السابقة نقدا وتقريعا، فالبعض يصفهم بأنهم يقدمون نمطا غنائيا لا يتناسب مع مرحلة الحرب الحالية، فهم يغنون وكأنما الأوضاع عادية ولا توجد أزمة حرب ونزوح وفقدان ديار، وهنالك شريحة أخرى التزمت جانب ترديد الغناء الوطني القديم، الذي يربطهم بالوطن الذي فقدوه".

ويرى يوسف أن "هناك العديد من المطربين ذهبوا في هذا الاتجاه مثل الفنان والشاعر نزار فتحي الذي بدأ منذ اليوم الثاني للحرب في نشر قصيدة يوميا على صفحته الشخصية تحمل مضامين فقدان الوطن وحلم العودة. أيضا تم التعبير عن نفس المضامين في التشكيل والتمثيل والشعر، وهناك الكثير ممن يعبّرون عن وضعهم النفسي بشكل إيجابي ويدعون للتفاؤل بوقف الحرب.

وختم الباحث والموسيقي السوداني بالحديث عن مبادرة الموسيقيين، "وهي مبادرة قام بها عدد من الموسيقيين السودانيين في الداخل وفي المهاجر، لدعم الموسيقيين الذين لا يزالون داخل السودان، وتم تنظيم حفلات جماهيرية في كندا وبريطانيا وفي أميركا أيضا، وذهب ريع تلك الحفلات لصالح دعم الموسيقيين في الداخل".

وشهدت الآونة الأخيرة إصدار عدد من الأغنيات المتعلقة بالأحداث الدموية التي تشهدها المنطقة؛ ففي السودان طرحت المطربة الأبنوسة فدوى فريد أغنية "خيوط العنكبوت"، وميادة قمر الدين أغنية "ملوك القل"، وطارق أبو عبيدة أغنية "أنا وابن عمي والغريب". أما ما يخص فلسطين، فطرح الفنان الكويتي حمود الخضر أغنية "فلسطين بلادي"، وطرحت فرقة "كايروكي" المصرية أغنية "تلك قضية"، وأصدر مجموعة من الفنانين العرب أغنية "راجعين".

المصدر : الجزيرة