سيرة غولدا مائير الهوليودية.. دخان وتجميل وسردية بديلة

فيلم Golda ملصق فيلم غولدا 2023
ملصق فيلم "غولدا" الذي عُرض في 2023 (الجزيرة)

تعيد هوليود الدفع بالسردية الإسرائيلية لحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 في دور العرض الأميركية في 25/8/2023، وذلك من خلال فيلم "غولدا" (Golda) للإسرائيلي غاي ناتيف، وسيناريو البريطاني نيكولاس مارتن، وبطولة هيلين ميرين، وزيد جوزيف، وكلوديت ويليامز.

يركّز الفيلم على المسؤوليات والقرارات التي واجهتها رئيسة الوزراء غولدا مائير، المعروفة -أيضًا- باسم "سيدة إسرائيل الحديدية" خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. يسرد العمل جزءًا من السيرة الذاتية لرئيسة الوزراء الإسرائيلية قبل وبعد حرب أكتوبر/تشرين الأول، من خلال إجاباتها عن أسئلة لجنة التحقيق في هزيمة إسرائيل في تلك الحرب (أغرانات)، لتصل في النهاية إلى إقناع اللجنة أنها واجهت الانكسار، وحوّلته إلى نصر.

فيلم "غولدا" الذي يعيد تكرار سردية إسرائيل تجاه الحرب لم يكتبه كاتب إسرائيلي، وإنما كتبه الكاتب البريطاني نيكولاس مارتن، الذي تعثّرت مسيرته المهنية والأكاديمية في أغلب فترات حياته، بدءًا من الدراسة الأكاديمية، وحتى انقطاعه عن الكتابة لعامين نظرًا لعدم وصول أعماله إلى مرحلة التنفيذ.

التقي مارتن بمنتج فيلم "فلورنس فوستر جنكيز" (Florence Foster Jenkins) في 2014، الذي منحه فرصة كبرى بتنفيذ الفيلم، الذي أدّت بطولته ميريل ستريب، وقد مارس مارتن العمل السياسي لفترة، وأعلن عن نفسه -حاليًا- شخصًا تقدميًا مدافعًا عن حقوق الإنسان. أما مخرج العمل فهو الإسرائيلي غاي ناتيف الذي ظلّ محدود الشهرة داخل إسرائيل، حتى انتقل إلى هوليود وحصل على أوسكار أفضل فيلم قصير عن عمله "بشرة" (Skin) في 2019.

عُرض فيلم "غولدا" لأول مرة في العالم في مهرجان برلين السينمائي الدولي الثالث والسبعين في 20 فبراير/شباط 2023، كما عُرض في مهرجان القدس السينمائي في 13 يوليو/تموز 2023.

أسطورة دعائية

ينتمي الفيلم إلى تلك الأعمال التي تحوّل فنون الدراما إلى محاولات لخلق أساطير والترويج لها، وهو ما أشار إليه الناقد الدكتور أمير العمري في مقاله على موقع "الجزيرة الوثائقية"، مؤكدًا أن"هذا الفيلم يعيد إلى الحياة أسطورة خلقها الاحتلال، ثم روّج لها الإعلام الغربي طويلًا حول شخصية رئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة غولدا مائير (1898-1978)، على الرغم من أننا سبق أن شاهدنا عملًا ربما يكون أكثر تماسكًا، عن هذه الشخصية في المسلسل التلفزيوني الأميركي القصير (امرأة تدعى غولدا- A Woman Called Golda) في 1982، وقد عُرض بعد ذلك في فيلم من ثلاث ساعات، وأدّت بطولته الممثلة السويدية الأسطورية إنغريد برغمان، وأخرجه الكندي آلان غيبسون".

لا يزعم الفيلم اتخاذ موقف محايد من الحرب ولا ينبغي له، فهو عبارة عن رؤية خاصة بصناعة سينمائية، لكنها تخالف ما ثبت من حقائق التاريخ ووقائعه، وتأتي في إطار حداثي يهدف إلى تجاوز الحقائق على الأرض، وإلى صناعة حقائق تاريخية موازية، وفرضها بقوة الدراما والإعلام، وأحيانًا بقوة الأمر الواقع.

لم يتجاوز تقييم فيلم "غولدا" على موقع "روتين توميتوز" أكثر من 42% نقديًا، وتناولت أغلب المراجعات كميات المساحيق الهائلة على وجه وجسم الممثلة هيلين ميرين، التي أدّت دور غولدا مائير، حتى إن بعض النقاد أكّد أن التعرف إليها جاء من خلال صوتها فقط.

تقول الناقدة فيونا هيليغان في مقال نشر في موقع "سكرين بلاي"، إن "ميرين كانت مغطاة -حرفيًا- من الرأس حتى أخمص القدمين بـ (اللاتكس) و(الكتل)، بدءًا من شعر مستعار رمادي منقسم في المنتصف، وصولًا إلى الأطراف الاصطناعية لمفصل الكاحل فوق زوج من الأحذية، لذلك كان التعرف إليها صعبًا لدرجة أنك تتساءل عما إذا كان بإمكانهم تحريك الشخصية بتأثيرات بصرية فقط، وجعلها تتكلم".

وتشير ناقدة "هوليود ريبورتر" ليزلي فيلبرين إلى كمية التبغ الهائلة في الفيلم قائلة "هناك الكثير من التدخين في هذا الفيلم لدرجة أنه يبدو -أحيانًا- وكأنه صنع خصيصا لمدمني التبغ. تستخدم ميرين ببراعة الطريقة التي تدخن بها غولدا وسيلة لتوضيح الشخصية. تشير الطريقة التي تتعامل بها مع الولاعة الضخمة إلى الكفاءة والقيادة ، وفي وقت من الأوقات تقف علبتان من السجائر وولاعتان في المواجهة، كأنهما فرق حربية في حالة قتال، بينما تناقش هي وقادتها التكتيكات على خريطة. يقاس مرور الوقت في امتلاء منافض السجائر، التي تبدو في بعض المشاهد مثل بنادق في يديها".

تغييب الحرب وأسبابها

صُنع فيلم "غولدا" طبقًا لرؤية شديدة الضيق، ومحكومة بكونها سيرة ذاتية بعيون غولدا مائير، وهو في حقيقته عبارة عن مرافعة دفاع عن "المرأة الحديدية" لإسرائيل في مواجهة محكمة الضمير الإنساني، وهو ما تشير إليه رافائيلا روس في مقال على موقع "ذا بلاي ليست"، بل وتعيد الناقدة صياغة الجمل الدالة على وقائع شهدها العالم وتناساها أيضًا، حيث تقول "يقدم المخرج غاي ناتيف مساحة ضيقة جدًا للتاريخ حول أسباب النزاع المسلح في 1973. انطلقت الحرب بين إسرائيل وتحالف الدول العربية في يوم (كيبور)، وهو أحد أقدس أيام التقويم اليهودي، حيث حاولت القوات المصرية والسورية استعادة الأراضي التي خسرتها لإسرائيل خلال الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة في 1967".

أعلنت غولدا مائير -رئيسة الوزراء الوحيدة في تاريخ إسرائيل- عن هجوم كل من مصر وسوريا على إسرائيل في بداية الفيلم، وبدلًا من التعامل مع المعركة على أنها جزء من حرب، يتخذ أغلب النقاد الغربيين موقفًا موحدًا بوصف المعركة على أنها غزو لإسرائيل دون النظر إلى احتلال إسرائيل لسيناء ومرتفعات الجولان، فضلًا عن الأراضي الفلسطينية التي لا يزال أغلبها محتلًا، وكانت تلك المعركة محاولة لتحريرها.

لم يقتصر اختلاف النقاد حول العناصر السينمائية ومدى جودة تنفيذها، والمسوغات وراء تغييب بعضها فقط، لكنهم اختلفوا -أيضًا- حول القصة التي يُفترض في مؤلف ومخرج العمل أن يرويها، لكن العمل بدا وكأنه يهدف إلى الإخفاء بأكثر مما يقصد التوضيح.

من المؤكد أن فيلم "غولدا" غير موجّه لجمهور الشرق الأوسط، لكنه رسالة للغرب بشكل خاص، ويعرف صانع العمل كيف يختزل الرواية التاريخية، ويختصر التفاصيل الحاكمة في القضية، فالحرب مجرد شريط صوت، والألم الظاهر على الوجوه هو ألم إسرائيلي تمامًا، ذلك أنه لا وجود لغيرهم.

ولعل السيناريو الذي يفتقر إلى الدقة والموضوعية والشمول هو المسؤول الأول عن تحوّل الفيلم إلى شريط دعائي تورّطت فيه ممثلة حاصلة على الأوسكار بحجم هيلين ميرين.

المصدر : الجزيرة + وكالات