فنان يشوه أشهر لوحات كلود مونيه احتجاجا على التغيرات المناخية

الرسام الفرنسي كلود مونيه (غيتي)

للوهلة الأولى ينخدع الرائي بأن لوحة الرسّام الفرنسي الرائد كلود مونيه "بركة زنابق الماء في جيفرني" قد أصابها شيءٌ ما، لكن بإمعان النظر يتبين أن اللوحة محل العرض ليست لوحة مونيه بل شبيهة لها، وأن عربات التسوق الملقاة في بركة الماء إلى جانب المخروط الذي يُستخدم في تنظيم المرور ليسا سوى رسالة اعتراض ساخرة جديدة من الرسام المثير للجدل بانكسي.

عاش الرسّام الانطباعي الفرنسي كلود مونيه من عام 1840 إلى عام 1926، ورسم لوحته الشهيرة "بركة زنابق الماء في جيفرني" عام 1899، وهي أكثر القطع الفنية شهرة لكلود مونيه قبل أن يستخدمها بانكسي مادة في واحد من أكثر أعماله إثارة للجدل.

ما الذي أراده بانكسي؟

بوصفه واحدا من أكثر الفنانين المعاصرين غموضا وتفردا وشهرة في عالم الفن بأعماله المثيرة للجدل، يستحضر بانكسي الراحل كلود مونيه، بوصفه واحدا من أكثر رسامي الطبيعة شهرة، مقتبسا لوحته الشهيرة بأكملها ثم أضاف إليها العناصر التي باتت تعد رسالة احتجاج على التغيرات المناخية وقضايا البيئة وقيم المجتمع الاستهلاكي المعاصر.

وامتدت يد التلوث البيئي والمجتمع الحضري المعاصر وعبثت بالطبيعة إلى حد لا يمكن التسامح أو التساهل معه، على حد تعبير المؤرخة هيلين هولمز، ومع ذلك لا يزال اقتناء لوحات المناظر الطبيعية الجميلة باهظة الثمن مجالا استثماريا جذابا أمام العديد من المستثمرين ورجال الأعمال.

أما بالنسبة لبانكسي، فوفقا لما نقله موقع "إيريش تايمز" (Irish Times)، فإن المحافظة على البيئة باستماتة أولى من المحافظة على لوحات المناظر الطبيعية في المتاحف خلف ألواح زجاجية مضادة للرصاص وفي ظروف بالغة الدقة والحساسية. البيئة والطبيعة الحقيقية أثمن من الطبيعة المرسومة.

لوحة حديقة زنابق الماء في جيفرني لمونيه(متحف فيلادلفيا للفن)
لوحة حديقة زنابق الماء في جيفرني لمونيه (متحف فيلادلفيا للفنون)

إبداع بانكسي في عمله الفريد "أروني مونيه" يتمثل في ما يسميه هيغل "أنسنة الفنّ"، حيث يعلن من خلال هذا العمل أن رسالة الفن إنسانية وليست فقط جمالية. وكانت إعادة رسم لوحة مونيه تعليقا ثوريا على الآثار السلبية للرأسمالية والنزعة الاستهلاكية داخل المجتمع الذي يطحن الطبيعة طحنا.

وبالفعل، نجح بانكسي في إثارة الكثير من المناقشات حامية الوطيس داخل قاعة المزاد، ومنها إلى عالم الفن. فقد ذهب بعض النُقاد -مثل كارلي بورترفيلد من "فوربس" (Forbes)- إلى أن اللوحة بيان ضد صناعة الفن التجارية للغاية، بل وتظهر إمكانية الفن في إحداث الاضطراب والتحدي ونقل رسالة تتجاوز أي سوق.

ويرى الناقد الألماني أولريش بلانشي -في كتابه "بانكسي: الفن الحضري في عالم مادي"- أن العنوان في حد ذاته يلمع كعملة ذات وجهين؛ فقد استبدل بانكسي عبارة "أرني المال" الشهيرة في السينما الغربية بعبارة "أرني مونيه"، كنقد لاذع لمؤسسة "غاليري" البرجوازية الرأسمالية ومنهجيتها الفظة في "تسليع" الأعمال الفنية، مثل أعمال مونيه وغيره، حيث تم تقليص تأثير تلك الفنون إلى شكل زخرفي بحت. لقد تم اختزال هذه الأعمال في منتج يقوده مجتمع استهلاكي رأسمالي.

الافتقار إلى الأصالة

يجادل فريقٌ آخر من النُقاد بأن العمل ليس إبداعا أصيلا، بل هو نسخة طبق الأصل من لوحة كلود مونيه حتى وإن كان عمل بانكسي تضمن تعديلات ذات صبغة ثورية، كما أن القطعة تفتقر إلى الأصالة، والرسالة الثورية -التي تضمنتها اللوحة ضد سياسات الرأسمالية- ارتدت ضد بانكسي نفسه.

لوحة أرني مونيه لبانكسي
لوحة أرني مونيه لبانكسي (الغارديان)

فأنى له بيع العمل مقابل 7.5 ملايين جنيه إسترليني في مزاد "سوثبي" (Sothebys) ، وهو المعروف بمواقفه المناهضة للرأسمالية، وأن إقدامه على بيع أعماله يتعارض مع رسالته السياسية. فقد ظهر فن بانكسي من الشارع، وبيع أعماله الفنية بملايين الدولارات يجلب الفن إلى عالم التسويق التجاري، الذي يتعارض مرة أخرى مع أيديولوجيته السياسية؛ فقد اشتهرت أعماله برسائلها الاستفزازية الثورية، وغالبا ما تنتقد بل وتفضح عيوب المجتمع، ولكن عمله الجديد يفتقر إلى مثل هذه الرسالة ويعد أقل تأثيرا من أعماله الأخرى.

المصدر : الجزيرة + وكالات