سومريات.. أول فرقة عراقية نسائية تقيم حفلها في بغداد

ترى الفرقة نفسها بمثابة رسالة لجميع النساء في العراق للاستمرار ومواصلة الحلم (الجزيرة)

"يا إلهي، اُصبت بالذهول والدهشة حال فتح الستار، كان المشهد خلابا وأنا أرى أكثر من 45 عازفة ترتدين الزي السومري القديم، وتمتلكن القدرة على الغناء بمختلف اللهجات الصعبة وعزف جميع الآلات! لقد عُدن بنا إلى 7 آلاف عام من التاريخ".

كان محمود النجار، وهو أحد الحاضرين في الحفل الأول لفرقة "سومريات"، سعيدا ومندمجا مع الأصوات النسائية الصادرة من خشبة المسرح الوطني، فهو، ولأول مرة في حياته داخل العراق، يحضر حفلاً تقيمه النساء فقط.

ارتدت عضوات الفرقة في حفلهن الأول الزي السومري ونقشت عبارة سومريات على زيهن باللغة السومرية الأصلية (الجزيرة)

المرة الأولى في العراق

برشاقة الحناجر والألوان، أطلت للمرة الأولى في بغداد فرقة سومريات للموسيقى على الجمهور العراقي بقيادة المايسترو علاء مجيد، بعد تحضيرات واستعدادات استمرت لأكثر من 7 أشهر، ليُعلن عن تأسيس فرقة نسائية فقط، عضواتها عازفات ومغنيات في الوقت ذاته، لنقل التراث العراقي والعربي وحتى العالمي من خلال آلاتهن الموسيقية وأصواتهن العذبة إلى الجمهور العراقي.

ويؤكد المايسترو علاء مجيد للجزيرة نت أنه عند عودته إلى العراق بعد سنوات من الغربة، لاحظ وجود العديد من العازفات المتميزات دون رعاية أو اهتمام بمواهبهن وطاقاتهن، فأراد فتح المجال، وأعلن نيته تأسيس فرقة نسوية فقط.

ويضيف مجيد الذي جمع الموسيقيات تحت خيمة "سومريات"، أنه في بادئ الأمر انضمت ما يقرب 30 عازفة حتى ازداد العدد وأصبحن 47 عازفة "ونحن نتدرب منذ أكثر من 7 أشهر على الانسجام مع بعضهن بعضا موسيقيا، ذلك لأن العدد كبير".

تتألف فرقة سومريات من 47 عازفة أكاديمية سبق أن درسن الموسيقى (الجزيرة)

مواهب متعددة

وتضم فرقة سومريات مختلف الأعمار والأجيال في صفوفها، حيث يبلغ عمر أصغر عازفة ومغنية 11 عاما فقط، وهي الفرقة الأولى من نوعها التي تعزف وتغني عضواتها في الوقت ذاته، أي بالإضافة لمهارتهن في العزف، فإنهن جميعا يمتلكن أصواتا غنائية محترفة.

ويبين علاء مجيد أن بعض العازفات لم يقدمن سابقًا عروضا موسيقية، وأنهن مع فرقة سومريات سيعزفن للمرة الأولى أمام الجمهور.

كذلك يوضح المايسترو للجزيرة نت أن اسم الفرقة مستوحى من أول حضارة عرفتها البشرية، وهي السومرية، التي ابتكرت أول آلة موسيقية (القيثارة)، كما استلهمت الفرقة كذلك زيها الرسمي من الحضارة السومرية، وكُتبت كلمة "سومريات" باللغة السومرية على ثياب العازفات.

ويؤكد "لم نحصل على أي دعم من الحكومة أو دوائر الدولة، كل جهودنا خاصة بنا، وبآلات العازفات الشخصية نعزف ونتدرب، حتى إننا نتدرب في أماكن مختلفة، وليس لنا مكان خاص بنا، مرة في قاعات وزارة الثقافة، ومرة في باحة معهد الدراسات الموسيقية، ومرة في المسرح الوطني".

ويوضح مجيد أن عدد العازفات قابل للازدياد، وأن العروض القادمة للفرقة لن تكون محصورة في بغداد، بل قد تمتد إلى المحافظات والدول أيضا.

يؤكد النجار أن الغناء الموصلي صعب جدا لكن العازفات تمكّن من إجادته (الجزيرة)

رسائل إلى العالم

وتؤكد عازفة الرق في الفرقة مرج فراس (17 عاما)، للجزيرة نت، أن وجودها ضمن فرقة نسائية بمثابة رسالة مجتمعية للعراق والعالم، بحقيقة المرأة العراقية وقدرتها على صنع الحياة، وأن العازفات بمختلف أعمارهن يمتلكن شغفا مشتركا، وهو نشر الحب والسلام عن طريق الموسيقى.

وتعزف مرج القانون وآلات الإيقاع، مثل الدف والرق، وتقول "تعلمت الموسيقى منذ كنت في السادسة من العمر، ولم تسنح لي الفرصة لدراسة القانون في المدارس المختصة بالموسيقى، تعلمته بنفسي وشاركت في الدورات التدريبية حتى استطعت دخول معهد الفنون الجميلة والتخصص في دراسته".

الفرقة أدت بعضا من أغاني فيروز وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم في حفلها الأول في بغداد (الجزيرة)

بيئة نسائية

وتبين قمر العاني (22 عاما) أنها كانت متحمسة للانضمام إلى فرقة نسوية توفر لها وللنساء بيئة مناسبة للتمرين والشعور بالأمان، وتقول "كان كل شيء نسوي بحت، على الرغم من أن مدير الفرقة رجل، ورغم أنه كان مشرفا على التدريبات، فإنه منح النساء كل المساحة لاختيار ما يفضلن، الأمر الذي انعكس على أدائنا وإثبات قوة فرقتنا منذ الحفل الأول لنا".

وتعزف قمر آلة السنطور، وهي آلة عراقية الأصل ودرستها مذ كانت تبلغ السادسة من العمر في مدرسة الموسيقى والباليه، وتوضح سبب عزفها على هذه الآلة تحديدا بأن أصلها بابلي، مؤكدة أنها لا تتعامل معها كعازفة، بل كشخص ينقل الحضارة الموسيقية البابلية إلى العالم.

وتبدو قمر فخورة بكونها ضمن أول تشكيل نسوي بالعراق، وتتمنى الدعم من وزارة الثقافة والمجتمع، وتقول للجزيرة نت إن ما فاجأها بعد الإعلان عن فكرة الفرقة كان انتظار عدد كبير من الناس لهن ولشراء التذاكر، التي نفدت من السوق بعد يومين فقط من طرحها.

بعد انتهاء الحفل مباشرة، أعلن وزير الثقافة أحمد البدراني اعتماد فرقة سومريات ضمن تشكيلات الوزارة (الجزيرة)

أم كلثوم في المسرح الوطني

ويكمل محمود النجار حديثه عن الحفل قائلا "اُطربت بأغاني فيروز وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ بحناجر نسائية عراقية، وأغنيات لقامات عراقية، إذ بعض الأغاني كانت بصوت جماعي، وأغان أخرى أدتها مغنيات بشكل منفرد، لتتحول العازفات في آن واحد إلى كورال مساعد بطريقة متناغمة".

وبعد انتهاء الحفل مباشرة، أعلن وزير الثقافة أحمد فكاك البدراني أمام الجمهور والحضور اعتماده فرقة سومريات الموسيقية ضمن تشكيلات الفرق الفنية في الوزارة والتي سوف تمثل العراق في المحافل الدولية.

المصدر : الجزيرة