مسلسل "كليو".. الرئيس الأميركي رونالد ريغان يدعم المعسكر الشيوعي سرا

صناع العمل استخدموا معادلا فنيا لحلم ضائع بوطن ومجتمع عادل طبقا لمعايير أبناء الحلم الاشتراكي الألماني، وهو ذلك الجنين الذي لم يمت فقط ولكن الأم (ألمانيا) فقدت إمكانية الإنجاب (الحلم) مرة أخرى

kleo
ملصق مسلسل "كليو" (مواقع التواصل الاجتماعي)

يحتاج مسلسل" كليو" الألماني جرأة كبيرة لصنعه وجرأة أكبر في مشاهدته وقراءة محتواه القاسي الذي يتلخص في سؤال واحد هو: ماذا لو كان الخائن هو الوطن؟

ذلك السؤال العكسي غير المتوقع الذي قد يسبب قتل صاحبه أو على الأقل سجنه أو نفيه، نظرا لتلك القدسية التي تحظى بها فكرة الوطن منذ استقرار مفهوم الدولة الوطنية.

المسلسل يطرح سؤالا: هل خان الوطن من بذلوا أعمارهم لأجل رفعته؟ ويشرح معنى الوطن، ويقدم نتيجة لا تحتمل حين يخون الوطن أبناءه.

يستعرض" كليو" في ألمانيا الشرقية شكل وأجواء المعسكر الاشتراكي وقبضة السلطة الشديدة، إضافة إلى التواضع الواضح للمباني والشوارع والحوانيت، ومن خلال إضاءة ضعيفة وباهتة يمنح المشاهد ذلك الانطباع المتعلق بالندرة وتواضع الحال لدى الجميع.

تدور أحداث المسلسل حول قضية تبدو ألمانية أيضا ومرتبطة بحدث هائل وهو سقوط جدار برلين 1989، لكن الحدث نفسه كان ذا أثر هائل على العالم، أما طرح المسلسل فقد يتجاوز أوروبا إلى العالم كله.

بطلة "كليو" هي الممثلة جيلا هاس التي تملك وجها رقيقا يحوي من البراءة ما يعادل قدرتها على القتل بثبات وبساطة.

نشأت "كليو" منذ الطفولة لتصبح آلة قتل مثالية، ودربت على الحماية والاختطاف والقتل والاحتواء بحيث تكون نموذجا لا يهزم، وهو ما حدث فعلا حتى أنها صارت الأكفأ بين أعضاء وحدة خاصة تابعة مباشرة لوزير الأمن الألماني.

المؤامرة

ما إن تنهي "كليو" إحدى المهام التي كلفت بها حتى يقبض عليها بتهمة ملفقة ويزج بها في السجن لأجل غير مسمى، كانت حاملا وفقدت جنينها في السجن، وبعد مرور 3 سنوات فقط يسقط جدار برلين ويصدر عفو عام عن السجناء وبينهم العميلة السابقة التي تبدأ البحث عن المشاركين في مؤامرة حبسها الذي فقدت خلاله جنينها وإمكانية الإنجاب.

تبدأ "كليو" مشوار الانتقام من جدها الذي يحمل رتبة لواء وكان أحد المشرفين على الوحدة الخاصة التابعة للوزير والتي كانت هي عضوة فيها، تقتل جدها، فيظهر خيط يقودها إلى آخر وهكذا، وبينما يبدو أن زميلها وحبيبها السابق ووالد جنينها المغدور يتعاون معها لكشف حقيقة ما حدث تظهر حقيقة بشعة أخرى، فهو لم يترك العمل بالأمن ولكنه يتنكر في وظيفة أخرى ويكلف بقتلها لمنعها من الوصول إلى حقيبة فيها مفاجأة صاعقة ستؤدي إلى اضطرابات في العالم كله وليس ألمانيا وحدها.

الحقيبة الحمراء تحوي اتفاقا بين الرئيس الأميركي رونالد ريغان ورئيس وزراء ألمانيا الشرقية إريك هونيكر إبان انهيار جدار برلين على استمرار تمويل ألمانيا الشرقية التي أفلست، وكانت الولايات المتحدة بحاجة لاستمرار ألمانيا الشرقية والحرب الباردة لتستمر سياساتها وليكون العدو ظاهرا وواضحا للجمهور الأميركي.

ومن برلين إلى تشيلي تهرّب الحقيبة، لكن العميلة السابقة تركض وراءها ومعها ضابط من شرطة ألمانيا الغربية ترك عمله وتفرغ لكشف تفاصيل القضية.

تكاد "كليو" تصل إلى الحقيبة بالفعل، وحينها تصل إليها عروض مختلفة للتسليم، بعضها مقابل المال وتأمين الحياة، والآخر باسم "الحلم الاشتراكي" والوطن، وتتساءل عن المعيار الذي يدفعها لتسليم الحقيبة لأي طرف، خاصة أن المال ليس ضمن اهتماماتها.

في النهاية تذهب الحقيبة إلى الأجهزة الأميركية عبر عملاء تمكنوا من الحصول عليها.

لكن "كليو" حققت انتقامها من عائلتها (الجد) وحبيبها (والد جنينها المجهض)، كما أنهت حياة الذين شاركوا في مؤامرة حبسها، انتهاء بوزير الداخلية الذي بدأ الحكاية بسرقة الحقيبة من مكتب رئيس الوزراء إريك هونيكر.

الحلم والجنين

استخدم صناع العمل معادلة فنية قائمة على حلم وطن ضائع ومجتمع عادل طبقا لمعايير أبناء الحلم الاشتراكي الألماني، وهو ذلك الجنين الذي لم يمت فقط ولكن الأم (ألمانيا) فقدت إمكانية إنجاب (الحلم) طفل (حلم اشتراكي) مرة أخرى، وحاولت (الأم) أو (كليو) رمز ألمانيا الشرقية في العمل الانتقام واستعادة الحياة التي فقدتها، لكن الواقع كان قد تغير، إذ خانها الوطن نفسه وخرجت من سجنها لتجد عالما لا تعرفه ولم تكن تجرؤ على تخيله لتكتشف أن ذلك الحلم كان زائفا منذ البداية، فالقيادات ورموز النضال الذين جسدوا يوما ما معنى الوطن هم الخونة.

الوطن ليس سوى بشر، هذه رسالة صناع العمل، ولا فرق بين أرض وأخرى، ولا أهمية للمال مهما كان، وحين خان البشر الأرض تجسدت خيانة الوطن والحلم.

ورغم بساطة الفكرة فإن لون الحقيبة (الأحمر) هو الرمز الذي اعتمد للشيوعية منذ اختاره جيش لينين لتوحيد جمهوريات آسيا الوسطى في الاتحاد السوفياتي، تلك الحقيبة الحمراء الشيوعية وأسرارها تاهت بين خاطف وسارق وخائن حتى استقرت في السفارة الأميركية.

لماذا "كليو" وليس غيرها؟ كان السؤال يطاردها، لكن الضابط الألماني الغربي الذي ساندها اكتشف أن ضحية آخر مهامها في وحدة الاغتيالات التي كانت تعمل فيها لم يكن سوى ضابط مخابرات ألماني شرقي وليس رئيس جهاز مخابرات ألمانيا الغربية كما ادعى رؤساؤها.

وتكتشف "كليو" أن الخيانة بدأت قبل العملية وليس بعدها، وأنها حين أنهت حياة ضحيتها كان هناك من يسرق الحقيبة الحمراء التي كلف الضابط بنقلها إلى الولايات المتحدة قبل سقوط جدار برلين، لكنها لم تنقل.

لذلك، اتخذ القرار بتصفيتها لكن الجد القتيل قام بحمايتها واضطر للقبول بحبسها مدى الحياة، الجد نفسه الذي اعتقدت "كليو" أنه أبلغ السلطات الشيوعية عن والدتها وأنها اضطرت للهرب، مما حرم الأم وابنتها من الحياة معا.

تذهب "كليو" إلى والدتها في ألمانيا الغربية بكل شوق لتعويض ما فات بعد أن زال الجدار، لكن الأم تكشف لها أنها انشقت وهربت، وأن الجد قام فقط بحمايتها وتربيتها، وأنها تعبت كثيرا من أجل بناء حياتها في ألمانيا الغربية ولا ترغب في التعامل مع الماضي، لقد خانتها أمها منذ زمن طويل.

السرد الفيلمي

رغم محاولات مخرج وكاتب السيناريو التخفيف من وقع هذه الخيانات الميلودرامية والبؤس فإن مشاهد بعينها كانت كفيلة بدفع المشاهد إلى الذروة، خاصة حين فقدت "كليو" جنينها نتيجة مشاجرة في السجن.

وفي مشهد ولادة ألد أعدائها "رامونا" إذ كانت تطاردها للخلاص منها، لكن أعراض الولادة تظهر عليها، لتتوقف "كليو" عن الهروب وتعود لمساعدة المرأة -التي كانت تحاول اغتيالها- على الولادة.

وتعكس ولادة رامونا طفلتها دون أزمات رغم القتال والتحولات مستقبلا مغايرا لما ترغبه "كليو"، لأن "رامونا" تنتمي إلى معسكر السلطة الذي يحاول التغطية على جريمة خداع كبرى للشعبين الألماني الشرقي والأميركي.

 

المصدر : الجزيرة