الدراما الاجتماعية بالمغرب تتفوق على الكوميديا.. و"المكتوب" على رأس اللائحة

رغم تأخر الدراما المغربية مقارنة مع بلدان أخرى، فإن التطور يطالها حتما

المسلسل المغربي "المكتوب" خاطب وجدان الجمهور وكيانه النفسي، رغم الأصوات المتحفظة على بعض المواقف الدرامية (مواقع التواصل الاجتماعي)

الرباط- رغم أن اسمها هند وهي خريجة اقتصاد ومحاسبة، يطاردها لقب "بنت الشيخة" بنبرة تنمر تهكمية من مهنة "الشيخة" (مغنية شعبية تراثية)، سواء في وسطها الشعبي الذي عاشت فيه رفقة أمها، أو في وسط ارستقراطي ستنتقل إليه بعد الزواج من عُمَر رجل الأعمال الغني والذي يكبرها سنا.

حظي مسلسل "المكتوب"، باهتمام متصاعد من الجمهور، ولقي تفاعلا كبيرا منذ بدايته، فما الذي ميّز "المكتوب" ليكون على رأس المشاهدات؟ وما سر تفوق الدراما الاجتماعية بالمغرب على الكوميديا في رمضان الجاري؟

الأكثر مشاهدة وتفاعلا

حقق مسلسل "المكتوب" الذي تبثه القناة الثانية المغربية رقما قياسيا في نسبة المشاهدات، وجذب ما يقارب 7.5 ملايين مشاهد خلال اليوم الأول من بثه، ووصل إلى 9 ملايين و635 ألف مشاهد خلال اليوم الثامن من رمضان، ليصنف بذلك بالأعلى مشاهدة في تاريخ المسلسلات التي أنتجها التلفزيون المغربي.

وحظي المسلسل بتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتم تداول مقاطع منه ومشاهد كل يوم. كما نجح في أن يكون على قائمة الفيديوهات الأكثر مشاهدة على منصة يوتيوب بالمغرب منذ اليوم الأول من رمضان.

ورغم بعض الجدل الذي يثار حول بعض المضامين القيمية واختلاف التمثلات لدى جزء من الجمهور، استحسن المشاهدون والنقاد العمل الدرامي واعتبروه مميزا.

ويرى الناقد الفني والباحث الجمالي عبد الله الشيخ، في حديث مع الجزيرة نت، أن مسلسل "المكتوب" استطاع أن ينال اهتمام المتلقين عموما وتفاعلهم مع بعض الاستثناءات، لأنه محبوك بطريقة سردية ومُعالج بصيغة إخراجية شيقة.

ويعتبر بطل "المكتوب" أمين الناجي (عمر في المسلسل)، في حديث مع الجزيرة نت، أن الذي يميز "المكتوب" هو العقلية الشابة، وفريق تقني بفكر مغامر أخذ المخاطرة، وارتكز على فريق مخضرم من أسماء لها وزنها في الساحة الفنية ووجوه شابة.

وأضاف نجم الدراما المغربية أن قصة المسلسل قصة واضحة بسرد محبوك، استطاعت أن تشد الجمهور.

بساطة ووضوح

تدور أحداث ‎مسلسل "المكتوب" حول زواج الثري عمر الذي يقوم بدوره الممثل أمين الناجي، من ابنة الشيخة هند التي تقوم بدورها الممثلة هند بن جبارة وما يستتبع هذا الزواج من مواقف وتناقضات بين وسطين اجتماعيين مختلفين وشخصيات تدافع كل منها عن موقعها ومصالحها.

تقول فاتن اليوسفي كاتبة سيناريو المسلسل للجزيرة نت إن "المكتوب" يرجع للدراما البسيطة الخطية، بديكورات محدودة وعدد شخصيات محدود، يظهر فيه التمايز بين الشخصيات من الحلقات الأولى، ويمكن تتبع أحداثه بناء على مميزات الشخصية وتطورها.

وتعتقد فاتن أن نجاح العمل تميز بمعادلة الممثل المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب، معتقدة أنه بعد سنتين من كورونا وتوالي الضغوط أصبح الناس يميلون أكثر للدراما البسيطة.

وتوضح فاتن أن القصة تتمحور حول هند وعمر اللذين يحاولان إرضاء العائلة، حيث تتزوج هند برجل أكبر منها سنا إرضاء لأمها والمجتمع، ويتزوج عمر زوجة أخيه إرضاء لعائلته، وما استتبع ذلك من مواقف نفسية وسلوكية.

من جانبها، تقول مريم الزعيمي إحدى أبطال "المكتوب" (الباتول في المسلسل)، للجزيرة نت "أعجبت بفكرة المسلسل التي تقوم على التلاقح بين وسطين، عالم الشيخة وعالم أرستقراطي لديه فكرة مغلوطة، كما عامة الناس، عن واحدة من المهن في المجتمع، في حين أن السلوك هو الأهم وليس المهنة في حد ذاتها".

وترى مريم أن موضوع "الشيخة" تم التطرق له في مجموعة من الأعمال الدرامية وأن الجديد هو أخذ "الشيخة" من وسط إلى وسط آخر يعاني من هشاشة نفسية واجتماعية الكل فيه خائف على موقعه.

وتجزم فاتن اليوسفي "لم نأت لنمجد الشيخة ولا لِنقدح فيها، الشيخة إنسانة تعيش في مجتمع لها ما لها وعليها ما عليها".

قراءة نقدية

في قراءة نقدية، قدمها الباحث الجمالي عبد الله الشيخ للجزيرة نت، يفيد أن:

  • "المكتوب" مسلسل فرجوي وجداني استثمر بناءه العام علاوة على الحوارات الدالة لحظات الصمت وإيحاءات الموسيقى، ووظف كل الجوانب الواعية واللاواعية المتعلقة بسيكولوجيا الأعماق.
  • يعمل المسلسل على ثنائية الذات والغير ويحتكم لواقع الماضي واللاشعور وفق لعبة التّمرئي ونزعات التماهي والإسقاط ، إذ لم تستطع كل شخصية محورية التخلص من رواسب ماضيها وجراحاته.
  • المسلسل يترجم مشاعر باطنية في ضوء آليات الإسقاط وخلفيات المقاومة النفسية والنرجسية الذاتية الغارقة في الأنانيات والحروب المرئية واللامرئية المغرضة والمُبيتة تحت مظلة المصالح المادية.
  • خاطب المسلسل وجدان الجمهور وكيانه النفسي، رغم الأصوات المتحفظة على بعض المواقف الدرامية بدعوى إِخلالها بثوابت المنظومة القيمية والأخلاقية.

تفوق الدراما على الكوميديا

وعن تفوق الدراما خلال هذا الموسم، يرى أمين الناجي أن الدراما الاجتماعية تعرف اجتهادا، في حين تكون الفرجة أحيانا مفروضة، مشيرا إلى أن الجمهور واع ومنفتح على الإنتاجات العالمية والكوميديا الهادفة، ويبحث عن فرجة تحقق انتظاراتِه وتطلعاته. ويجزم الناجي أن الجمهور يريد رؤية أعمال في مستوى جيد.

من جانبه، يجزم عبد الله الشيخ بأنه "شيء طبيعي أن تتفوق الدراما الاجتماعية على الكوميديا، لأن معظمها محبوك بطريقة فنية تستوفي شروط البناء السيناريستي".

وسجلت الكوميديا الرمضانية من وجهة نظر الناقد امتدادا كميا للأعمال السابقة، معربا عن أسفه لكون حلقات الكوميديا ما زالت لا ترقى إلى مستوى توقعات المشاهدين وتطلعاتهم الفنية.

ولاحظ أن الأعمال الكوميدية في معظمها سقطت في براثن الابتذال إلى حد التفاهة والميوعة، حيث سقطت في دوامة التكرار، وساد فيها الصخب الذي لا مبرر له في كوميديا المواقف، وعزا ذلك لسرعة الإعداد وتهافت الإخراج، بحسب قراءة الناقد.

في حين ترى فاتن اليوسفي، التي كتبت للكوميديا والدراما، أن القصة هي الأهم سواء قدمت بحبكة درامية أو كوميدية، موضحة أن الأعمال على مستوى العالم تتجه نحو المزج بين مشاهد درامية وكوميدية في الوقت نفسه.

وقالت السيناريست إن الناس يحبون عملا جادا تتخلله مشاهد كوميدية وليس الضحك من أجل الضحك.

تطور الدراما في المغرب

يعتقد كثير من الفنانين أن الدراما المغربية تتطور، ويطمحون للأفضل كمًّا وجودة.

ويعتبر أمين الناجي أن تطور الدراما بالمغرب هو تحصيل حاصل لسياسة ينهجها القطب العمومي، الذي أسهم في فتح الباب للإنتاجات.

ويرصد الناجي وجود طاقة إيجابية ودينامية تنعكس إيجابا على الدراما المحلية، متمثلة في الاشتغال على مستوى التشخيص، وعلى الجانب التقني، والاجتهاد على مستوى كتابة السيناريو، بالإضافة إلى المنافسة بين الأعمال الدرامية بعد انفتاح المجال ودخول قناة جديدة، وصعود مجموعة من المخرجين الشباب بأفكار جديدة.

بدورها، تسجل مريم الزعيمي تطورا يتيح تنوعا عند المتلقي ومساحة كبيرة للاختيار واستجابة لمختلف الانتظارات.

وتستدرك مريم بأنه "رغم تأخر الدراما المغربية مقارنة مع بلدان أخرى، فإن التطور يطالها حتما"، مسجلة ارتفاعا في عدد الممثلين، ووجود جيل جديد سواء من الجمهور أو من المنتجين والمخرجين، ووجود معاهد للتكوين.

في السياق ذاته، تقول فاتن اليوسفي "نحاول الاستجابة لتطلعات الجمهور، والدراما الاجتماعية المحلية تثبت جديتها، اليوم هناك مسلسلات كثيرة وهناك نجوم مغاربة وتنوع في الإنتاجات، ونطمح للاستفادة من هذا الزخم من أجل جودة أكبر".

المصدر : الجزيرة