من "مولانا" إلى "فاتن أمل حربي".. كيف يروّج إبراهيم عيسى أفكاره عبر الفن؟

ما يفعله عيسى هو تقديم قضية هامة تخاطب الجماهير العريضة، لكنه لا يبتعد عن أسلوبه في طرح التساؤلات عن الفقه الديني وثوابت الدين بشكل يستفز هذه الجماهير

الإعلامي إبراهيم عيسى
الصحفي المصري إبراهيم عيسى كاتب إشكالي ومتهم بأنه يشكك في الفقه والأحاديث النبوية (الجزيرة)

القاهرة – تذهب السيدة المطلقة فاتن (الفنانة نيلي كريم) إلى دار الإفتاء، تسأل الشيخ يحيى ما إذا كانت المرأة المطلقة تفقد حضانتها لأطفالها إذا تزوجت، فيخبرها أن الفقه يؤكد ذلك، ولكنه لا يقدم لها آية قرآنية صريحة عن ذلك، فتسأله فاتن في تحدٍ "هل ربنا قال كده (هذا) بنفسه؟"، وتنكر رأي الفقهاء، ثم تعلن رأيها "أتحداك أن ربنا قال ذلك، الأمر لا يحتاج إلى دراسة، إن الله عادل ورحيم ولا يمكن أن يحرم أُمًّا من أبنائها".

في مشهد في حلقة تالية، تعود فاتن إلى الشيخ يحيى، يخبرها أنه قضى وقتا طويلا يبحث عن الرأي، وأن الله لم يقل ذلك، وأن الفقهاء هم من قالوا بذلك، فتزغرد فاتن، يأخذها يحيى لشيخ آخر أكبر سنا وأكثر علما، عندما تناقشه في آراء علماء الفقه، وتعترض على وجهة نظره يعنفها بشدة، مصرا على أن علماء الفقه يشرحون كلام الله، ويطردها فورا، في مشهد صادم.

الطلاق من زاوية أخرى

بعد أن طرحت شبكة "نتفليكس" (Netflix) مسلسل "البحث عن علا" قبل أشهر، وعرضت قصة سيدة مطلقة (هند صبري) تنطلق لحياة رحبة بعد أن تحررت من قيود الزواج، دون أن تعاني من مشاكل تذكر مع زوجها أو طليقها، يأتي "فاتن أمل حربي" ليقدم معالجة أقرب للواقع إلى جمهور عريض يشاهد المسلسل على شاشات الفضائيات في موسم رمضان الأهم والأعلى مشاهدة، عارضا قصة معاناة سيدة مطلقة تحاول اكتساب حقوقها بعد طلاقها من زوج قاس، لتصدم بالقانون والمجتمع والدين كذلك.

 

أثار المسلسل منذ حلقاته الأولى جدلا كبيرا بسبب إبرازه آراء مؤلفه الكاتب والصحفي إبراهيم عيسى، إذ رأى البعض أنه يروّج لمعتقداته من خلال العمل الدرامي، مقدّما رسائل مباشرة على لسان بطلته فاتن، ومشككا في الفقه وآراء الفقهاء كعادته في أعماله بالتشكيك بأن الأحاديث النبوية غير مؤكدة ويجب الاعتماد فقط على القرآن الكريم.

قضايا مختلفة

ورغم تناوله قضية شديدة الأهمية عن معاناة المرأة المطلقة، وما يترتب عليها من خلافات أسرية ونزاعات قضائية ومعاناة الأطفال، فإن أسلوب عيسى المباشر يتحكّم في حوار الشخصيات، من حين لآخر تكرر فاتن "أنا واحدة اتاخد (أُخذ) مني كل حاجة"، "أنا ست (امرأة) وهو راجل" و"لو رحت أشهد في المحكمة مش هياخذوا بشهادتي، يعتبروها نص (نصف)" شهادة، "هذا قانون ظالم لازم يتغير". هنا تبرز عيوب سيناريو أعمال الكاتب من المباشرة الشديدة في تناول القضايا المهمة إلى توجيه انتقادات حادة لثوابت الدين.

كما يحاول عيسى أن يخلط كل القضايا الخلافية في القانون والدين في وعاء واحد منذ الحلقات الأولى، يعرض رفض الفنادق إقامة النساء دون وجود زوجها، وحق المطلقة في الولاية التعليمية وحقها في حضانة أطفالها، وكأن عيسى ينتهز فرصة أنه يخاطب جمهورا واسعا لأول مرة من خلال فنانة مشهورة ومسلسل رمضاني ليعرض كل أفكاره دفعة واحدة، رابطا حقوق المرأة المسلوبة بآراء الفقهاء.

تغيير القانون

يرى بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن المسلسل ينتصر للمرأة، وقد يتسبب في تغيير قانون الأحوال الشخصية مثلما فعل فيلم "أريد حلا" من بطولة فاتن حمامة قبل عقود، وذهب البعض للإشادة باختيار اسم المسلسل، الذي يرمز لبطلة "فاتنة تتمسك بالأمل وتحارب لنيل حقوقها".

في حين طالب البعض بعمل درامي متزن لا ينحاز للرغبات والأهواء بغية الشهرة، ووقف المسلسل الذي يؤدي إلى تمزيق الحياة الأسرية بدلا من لمّ شملها، وتعديل قانون الأحوال الشخصية بما يتلاءم مع مصلحة الطفل بأن يقضي طفولته بين الأب والأم بشكل متزن، فيعرف أباه وأهله كما يعرف أمه وأهل أمه، وأن يكون هناك رادع للزوجة التي تسيء استغلال القانون، والرجل الذي يفتري أيضا على زوجته.

السم في التفاصيل

وأكد البعض أن الله عز وجل رحيم ويراعي مصلحة الطفل بنقل حضانته لجدته لأمه إذا تزوجت الأم المطلقة، على عكس ما يروج المسلسل، وانتقدوا التشكيك في آراء الفقهاء والادعاء أن "كلامهم ليس كلام الله"، وأن المسلسل جيد لكن يدس السم في التفاصيل.

 

كما هاجم المتحدث باسم رابطة الآباء المتضررين من قانون الأحوال الشخصية أحمد عز المسلسل، ورأى أن صناعه يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي لزيادة المشاهدات بغض النظر عما يتركه هذا المسلسل من فساد، على حد قوله.

عيسى كاتبا للسيناريو

"فاتن أمل حربي" هو المسلسل التلفزيوني الأول الذي يكتبه عيسى، بعد أن قدم أفلامه الثلاثة "مولانا" (2017) و"الضيف" (2019) و"صاحب المقام" (2020)، وبعد رحلة طويلة في عالم الصحافة وتقديم البرامج التلفزيونية، ينتظر أن يطرح فيلمه الجديد "الملحد" قريبا.

لا يبتعد عيسى في هذا المسلسل عن مساره السابق في ترويج أفكاره عبر أعماله الفنية، كأنه يعرض أفكار المذيع إبراهيم عيسى في برنامج تلفزيوني أو يكتبها في مقال صحفي، الفارق أنه يستبدل بطله في أعماله السابقة ويضع سيدة هذه المرة، ولا يقتصر على تناول حقوق المرأة من خلالها، بل يمتد إلى قضايا جدلية عن الدين والقانون، وكالعادة تقع نيلي كريم تحت سيطرة عيسى وأفكاره.

بين الضيف ومولانا

في فيلمه الأول "مولانا"، قدّم عيسى قصة الشيخ حاتم الشناوي (عمرو سعد) أحد مشاهير الدعاة الإسلاميين عبر وسائل الإعلام، ويرتبط بعلاقات وثيقة مع رجال السياسة، وكيف يؤثر ذلك على مصداقيته لدى الجمهور وحياته الشخصية.

وفي "الضيف" يناقش عيسى التطرف الديني، ويروي قصة شاب يحلّ ضيفا على أسرة المفكر يحيى التيجاني (خالد الصاوي) خلال العشاء لخطبة ابنتهم، ثم تتطور الأحداث بشكل مفاجئ، تدور الأحداث في مكان واحد تقريبا، ومناظرة تمتد لأكثر من نصف الفيلم، في سيناريو يعتمد على الحوار في معظمه كأنها مسرحية تدور على المسرح أو مناظرة في برنامج تلفزيوني بين مؤيد ومعارض، يقع خالد الصاوي تحت سيطرة عيسى، بل يبدو أنه هو عيسى نفسه، بهيئة قريبة منه وأداء أقرب إليه، أما لسانه فقد صار عيسى نفسه وهو يخوض نقاشات طويلة مملة في مناظرة جدلية مع شاب متدين.

 

مبارزة عقلية

يرى الناقد طارق الشناوي أن "الضيف" يعتبر امتدادا لبرنامج تلفزيوني "توك شو"، الذي يحمل أفكار عيسى بحضوره المميز على الشاشة، معلقا "فهو مبارزة عقلية، ولا تنسى أن السيناريو يرقص على حد السيف، فهو ليس ضد ارتداء الحجاب، فقط يؤكد فقهيا أنه ليس فريضة، والفارق شاسع بقدر ما هو شائك".

ويضيف الشناوي أن أنفاس عيسى سيطرت على مفردات أبطاله في "الضيف" و"مولانا"، وبينما نجح عمرو سعد في الإفلات قليلا من تأثير عيسى في الأول، لم يكتف خالد الصاوي فقط بالتأثير اللاشعوري الكامن داخل الشخصية، بل ذهب إليه شعوريا أيضا ومع سبق الإصرار، لم يكن ينقصه سوى أن يستعير من الكاتب حمالات البنطلون.

 

صاحب المقام

ابتعد عيسى نوعا ما عن الجدل الفكري والحوارات الطويلة المباشرة في فيلمه الأخير "صاحب المقام"، متناولا قضية التبرك الصوفي بآل البيت والغناء الديني الصوفي، وعرض قصة هدم ضريح يتبارك به البعض لإقامة مشروع تجاري، مما يغضب دراويش الضريح.

وكما يرى الناقد أندرو محسن، فقد كان "صاحب المقام" مبنيا على فكرة جيدة، لكن المعالجة أضعف من الفكرة، فقد طرح عيسى وجهة نظره بشكل مباشر جدا، غير قابل للاشتباك معه في الفكر أو يثير التفكير لدى المشاهد، معتمدا على تحولات في الشخصية الرئيسية ليتضح منها كيف دخل الإيمان إلى قلبه.

استفزاز الجماهير

من المهم أن تتناول الأعمال الفنية قضايا المجتمع، وتطرح وجهة نظر كاتبها تجاه قضايا وطنه وأمته، لكن الأسلوب المباشر في عرضها قد يضر أحيانا، لاسيما مع التشكيك في ثوابت المجتمع، فالذي يفعله عيسى هو تقديم قضية هامة تخاطب الجماهير العريضة، لكنه لا يبتعد عن أسلوبه في طرح التساؤلات عن الفقه الديني وثوابت الدين بشكل يستفز هذه الجماهير، فتضيع القضية الهامة التي يطرحها وسط جدل كبير عن الثوابت.

المصدر : الجزيرة