المخرجة المصرية أمل رمسيس: لا أعرف الحذر السياسي في أفلامي

المخرجة المصرية أمل رمسيس (مواقع التواصل)

تعدّ المخرجة المصرية أمل رمسيس من الوجوه البارزة في السينما الوثائقية العربية، وهذا أمر يعود أساسا إلى الإمكانات الجماليّة المذهلة التي تتيحها لنا أعمال أمل رمسيس في سلسلة من أفلامها المعروضة عالميا.

وقد ازدادت شهرة أمل رمسيس نضارة وتوهجا ومهنية في فترة الحجر الصحي، حين أطلّت علينا مع فريق سينمائي ببرنامج "قافلة بين سينمائيات" لعرض عشرات الأفلام من مختلف أنحاء العالم بما فيها العالم العربي.

نجح البرنامج على مدى شهور طويلة في خلق جدل معرفي بين النقاد العرب بشأن أهمية بعض الأفلام العربية وقوتها وعلاقاتها بالمسار التاريخي الذي قطعته البلاد العربية في الحقبة المعاصرة. وهذا الأمر ليس بجديد على أمل رمسيس صاحبة "تأتون من بعيد" المنشغلة في عدد من أفلامها بمفهوم الذاكرة في علاقته بسيرة الآخر الوجدانية.

وعن تجربتها السينمائية وعلاقتها ببرنامج القافلة السينمائي، كان للجزيرة نت هذا الحوار الخاص معها:

السينما وسؤال البدايات

أمل رمسيس.. بداية، من دراسة الحقوق إلى السينما كيف تُفسّرين هذا الانتقال؟

قبل أن أدرس القانون كنت أحب دراسة السينما وهذا كان أملي، بحكم أن السينما تبهرني وأشعر أنها الوسيلة الأقرب إلي، لكني قررت أني أدرس القانون، لأن من الصعب في بلدي أن تعيش من السينما.

وحين عملت محامية وجدت أنني بعيدة كليا عن الشيء الذي كنت أتخيله، وذلك جعلني أتخذ القرار بدراسة السينما حين سافرت إلى إسبانيا.

أما لماذا السينما؟ فحقيقة لا أعرف. لكن لأنني أحب أن أحكي الحكايات ولا أعرف كيف أرويها إلا في صور متحركة، لأني لست من النوع الذي يمسك كاميرا وينشئ صورا صامتة؛ فهي لا تشدني مقارنة بما يوجد من دينامية في مخيلتي. وأعتقد أن هذه الطريقة الوحيدة التي أستطيع بها التعبير عن نفسي؛ لهذا أحببت السينما وصورها لأني أشعر أنها الأقرب إلى قلبي.

من فيلم ممنوع للمخرجة أمل رمسيس (مواقع التواصل)

جماليات الفيلم الوثائقي

تُعدّ أمل رمسيس من الأسماء النسائية الوازنة التي تعمل في صمت وبحذر في اختيار موضوعاتها وعوالمها تجاه القضايا السياسة والاجتماعية. كيف وعيت ذاتك سينمائيا من خلال الفيلم الوثائقي؟

نعم، أنا أعمل في صمت لكن ليس بحذر، لأن أفلامي الثلاثة الأخيرة التي عملت عليها لا يوجد فيها أي حذر سياسي، فهذه منطقة أرى أن من الضروري الاشتغال فيها بحرية، وهذا عندي المعيار الأول والأخير؛ أن أعبّر عن نفسي من دون قيود أو خوف من أي شكل من أشكال الرقابة، لذلك فسياسيا لا أعتقد بوجود أي نوع من أنواع الحذر، لأن الأشياء التي عملت عليها من الممكن أن يكون فيها بعض المغامرة.

لكني أتفق معك في الجزء الثاني من الناحية الفنية، لأني أعمل على الأفلام في هدوء ولا أحب مراكمتها واحدا تلو الآخر، فأنا أشتغل على الموضوع الذي أفكر فيه ببطء كأنه عمل يدوي، ولا أستعجل، من ثم أبني الصور والفيلم بطريقة تحقق لي ما أريده وليس فقط من أجل الجري وراء إنتاج الأفلام، لهذا أحب الاشتغال عليها باللقاء الذي يجعلني أطورها حتى لا أبدو كأنني أجري وراء السوق.

والحقيقة، قبل عملي في مجال الأفلام الوثائقية، أنا مهتمة بالشأن العام ولي رأي في السياسة وما يدور في فلكها، ومن ثم فإن السينما امتداد لاهتماماتي بالعالم المحيط بي وبالناس وبالتغيير، فهما غير منفصلين عن بعضهما، لأن السينما هي التي تجعلني أعبر عن أشياء كثيرة من الناحية الجمالية ومن ناحية تكريس أفكارها، وهذا الأمر يتبدّى جيدا في الموضوعات التي أعمل عليها.

الوثائقي والقبض على الحميمي

إلى أي حد يستطيع الفيلم الوثائقي، مقارنة بالروائي، القبض على الحميمية في ذواتنا المنكوبة على الصعيدين السياسي والاجتماعي؟ هل في هذا الأفق الجمالي جاء فيلمك الوثائقي الأخير "تأتون من بعيد"؟

حقيقة لا أفكر كثيرا بين الوثائقي والروائي وعلاقتهما بحميمية السينمائي. كثير من المخرجين يعبرون عن أشياء حميمية في الفيلم عن طريق الروائي والعكس صحيح أيضا في التسجيلي، لكن في النهاية تبقى مجرد وسيلة إبداعية لإيصال أفكارنا ومشاعرنا وما نعيش فيه.

أما فيلمي "تأتون من بعيد" فيمكن أن يكون غريبا إلى حد ما، فموضوعه كان بعيدا عني، ولم أره منذ البداية حميميا. ذلك أن علاقتي بالحرب الإسبانية ليست قوية، لذا كان من الضروري أن تدخل على أساس أن "ثمة كثيرا من الأشياء التي من الضروري معرفتها". لذلك أتقرب بشكل حميمي بأناس آخرين من خلال تجاربهم المختلفة.

ولذلك أحسست فيما بعد ببعض الشبه بين أشياء عشتها أنا شخصيا، غير أن الشعور لا يتأتى منذ اللحظة الأولى للعمل، بل من موضوع يهمك وتحاول أن تعمل عليه بطريقة مختلفة، والبحث عن شخصية في الموضوع لأني لم أكن أريد عرض فيلم عن عائلة، بل البحث عن شيء يهزني أنا شخصيا، كما سيشعر المشاهد بالإحساس نفسه تجاه بعض الأشياء الحميمية.

قافلة بين سينمائيات

تعملين مديرة لبرنامج "قافلة بين سينمائيات" وهي مبادرة مستقلة تعنى بسينما المرأة من مختلف بقاع العالم. أولا، كيف جاء التفكير في هذه المبادرة التي غدت اليوم من البرامج المهمة التي يتابعها النقاد في العالم العربي؟

فكرة القافلة بدأت عام 2008 في مرحلتي الأخيرة بمدريد الإسبانية لحظة كنت عائدة إلى القاهرة، لكن الفكرة جاءت حقيقة في كوبا أثناء عرض بعض من أفلامي. وفكرت في هذه المرحلة أن أنشئ قافلة سينما، من أجل خلق نوع من التواصل من وجهة نظر نساء مخرجات وسينمائيات والإشارة إلى قضايا مهمة كان من الضروري مناقشتها.

من هنا جاءت الفكرة لإقامة مجموعة من عروض أفلام بأميركا اللاتينية ومن العالم العربي ككل. وكنا نعمل في الوقت نفسه على ترجمتها من الإسبانية إلى العربية والعكس أيضا. وعرضنا أكثر من 70 عرضا على امتداد نحو 13أو 14 سنة، لكن الفكرة كانت تقوم أساسا على تجديد التواصل بين العالمين، رغم أنه ثمة أشياء مشتركة وكثيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لكن هذه المرة سيكون ذلك من خلال السينما ومن وجهة نظر نساء.

هكذا أقيمت العروض في القاهرة، وبدأت تكبر مع جمهورها في مصر لأن الناس أحسّت بمجهودنا ثم لأن أغلب الأفلام مترجمة وبطريقة مجانية ومن دون أي تراتبية أو تمييز، رغم أن رأيي يتمركز في أن الناس الذين ليست لديهم إمكانات هم أكثر من يحق له متابعتها ومشاهدة الأفلام.

هكذا بدأت القافلة تكبر لأن عروضها ظلت سنوية، وتحولت إلى مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة حتى 2018، حيث كانت تعمل في 5 صالات في اليوم على مدار أسبوع كامل. وكنا قد وصلنا إلى عرض نحو 75 فيلما سينمائيا. لكن بعد الظروف التي مرت بالعالم العربي أصبحنا نقيم القافلة "أونلاين"، فرغم أننا بعيدون عن صالات السينما يمكننا التضامن من خلال العالم الافتراضي والوصول إلى مناطق كثيرة من العالم العربي.

معايير الاختيار

ما المعايير الفنية والجمالية التي تحتكمون إليها في اختيار الأفلام لعرضها؟ وهل لذلك أي توجه سياسي واجتماعي، مع العلم أن أغلب الأفلام تحمل أبعادا احتجاجية وثورة جمالية في السينما العربية؟

معاييرنا ديمقراطية في الاختيارات، لأننا مجموعة سينمائيات، نضع لوائح ونعقد تصويتا وفي النهاية نختار الأفلام التي اتفقنا عليها. ونحن لا نتوفر على علاقات شخصية بالمجال السينمائي حتى نختار فيلما دون آخر فقط لأننا نعرف المخرج أو المنتج فهذا أمر غير موجود، وذلك يجعل اختياراتنا جمالية وسينمائية بالدرجة الأولى.

وهذا يتجلى بوضوح في الأفلام التي نعرضها، وأكثر من ذلك نحن مهتمون بالموضوعات التي تطرح أسئلة عن أشياء ومناطق لم نفكر فيها بعد. لذلك نحتاج إلى الأفضل الذي يخلق لدينا دهشة على المستوى الجمالي والفكري والنفسي.

المصدر : الجزيرة