المرأة في سينما وحيد حامد.. كيف راوغ الرقابة بدهاء؟

المرأة دائما حاضرة في عالم وحيد حامد، ترفض الإملاءات والإغراءات

الكاتب وحيد حامد
الكاتب الراحل وحيد حامد (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة- في ندوته مع جمهور مهرجان القاهرة السينمائي في ديسمبر/كانون الأول 2020 كشف مؤلف السينما وحيد حامد عن طريقته في التحايل على الرقابة (الجهة الحكومية المسؤولة عن منح ترخيص عرض الأفلام)، قائلا إنه كان يتعمد وضع بعض المشاهد الجريئة في فيلمه حتى تنشغل بها الرقابة وتتناسى القضية التي يطرحها الفيلم.

توفي وحيد حامد في الثاني من يناير/كانون الثاني 2021، بعد أن كرمه مهرجان القاهرة السينمائي بجائزة الهرم الذهبي، تاركا مجموعة من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية، والتي عالجت قضايا العدالة والمرأة والعلاقة بين الشعب والحكومة، فقد اعتاد الدخول إلى عش الدبابير بمناقشة المسكوت عنه، فتشعر أن أعماله تجيب عن أسئلة الجمهور ونابعة من نبض الجماهير، كما تصفه جريدة "أخبار اليوم".

بدأ حامد صدامه مع الرقابة من خلال فيلم "الغول" الذي كشف من خلاله عن مرحلة الانفتاح والفساد خلال عهد الرئيس أنور السادات، وكتب الرقباء أن الفيلم "يقلب الطبقات الاجتماعية على بعضها، وضد النظام القائم في البلاد"، وهو التقرير الذي كان يمكن أن يقوده إلى "حبل المشنقة"، كما يعلق حامد في تصريحات تلفزيونية.

ملف في الآداب

في فيلم "ملف في الآداب" (1986) من إخراج عاطف الطيب وسيناريو وحيد حامد نرى 3 فتيات فقيرات يكافحن من أجل لقمة العيش، ويأتي الظلم والقمع هذه المرة من الشرطة ذاتها، مديحة (مديحة كامل) فتاة تعمل في مهنة بسيطة، تجد نفسها فجأة متهمة ظلما في قضية أخلاقية تسيء لها مع صديقتين.

ورغم صدور الحكم في مشهد النهاية ببراءة الفتيات الثلاث فإن صرخة مديحة تنطلق في المحكمة رافضة الحكم، لأن المجتمع قد حكم عليها بالفعل، وسمعتها قد صارت على المحك، في سيناريو صادم نرى فيه كيف يتحول المواطن البسيط إلى متهم بين ليلة وضحاها، مثل فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس"، وإن كانت القضية السياسية في الفيلم الأخير يمكن غفرانها أو تصير فخرا لصاحبها فإن القضية الأخلاقية للمرأة لا تغتفر أبدا.

يعلق وحيد حامد بأنه كان مشغولا بقضية العدالة بصورة عفوية، وقدم فيلم "ملف في الآداب" ضد عنف الشرطة، لأنه شعر بنفسه بالظلم، وذلك بعد صدامه مع أحد أفراد الشرطة في مقهى عندما كان شابا.

بدوره، يرى الناقد عصام زكريا أن فيلم "ملف في الآداب" واحد من أكمل الأفلام الواقعية في تاريخ السينما المصرية، وأن حامد استطاع أن يراوغ الرقابة والسلطة بدهاء نادر، متجنبا الصدام الذي يمكن أن يدمر المبدع، وكان قادرا على تمرير رأيه ونقده بحيل درامية فنية، إلا أن هذا لا يعني أنه كان يكتب لصالح السلطة أو لأي جهة أخرى.

احكي يا شهرزاد

بينما يعتبر "احكي يا شهرزاد" أكثر أفلام وحيد حامد مباشرة في تناول قضايا المرأة، هبة يونس (منى زكي) مذيعة التلفزيون الشهيرة تواجه ضغوط زوجها الصحفي المتسلق كريم (حسن الرداد)، للتوقف عن تناول القضايا السياسية في برنامجها، ليحقق طموحاته المهنية في كرسي رئيس التحرير.

ترضخ هبة لرغبة زوجها، فقط لتقديم قصص نسائية إنسانية تكشف عن القمع والظلم الذي تواجهه المرأة، في ظروف قاسية وتقاليد مجتمعية راسخة، وما هي إلا انعكاس لأوضاع سياسية أيضا، وفي مشهد النهاية تخرج هبة لمشاهديها وعلى وجهها آثار الضرب الذي تلقته من زوجها، وتبتسم للكاميرا لتبدأ سرد حكايتها هي هذه المرة، قائلة "أنا الضيفة المضروبة المقهورة"، فقد طال القهر النساء في كافة الطبقات الاجتماعية حتى وصل للمذيعة التي تقدم حكايتهن.

يعلق الناقد طارق الشناوي بأن السيناريو قائم على الانتقال من حكاية إلى أخرى، لكن تجمعه مقاومة الظلم والانتصار للمرأة، مثل شخصية الفنانة سوسن بدر التي تعالج قضية الزواج في المجتمع الشرقي، فقد عاشت عذراء لأنها لم تكن تريد سوى أن تحقق المساواة في علاقتها بالرجل داخل إطار الزواج الشرعي.

ويضيف الشناوي -في مقاله بمجلة روز اليوسف– أن ما يريده الرجل الشرقي يتجاوز مرحلة التوازن والتكافؤ ليصل إلى الخضوع المطلق الذي يحيل الزواج إلى صفقة يريد أن يستحوذ فيها الرجل، كما يختار الزوجة بمقياس من ذهب طبقا لمواصفاته القياسية، وعليها أن تقبل نصيبها من تلك الصفقة.

اضحك الصورة تطلع حلوة

في فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" (1998) يقدم حامد نماذج نسائية مختلفة تتنافس مع الفنان أحمد زكي في أداء رشيق، أبرزها الفنانة سناء جميل في دور روحية، الأم والجدة الحنونة الصارمة جدا، تهاني (مني زكي) الفتاة الرومانسية التي تخوض تجربة عاطفية جميلة، نوسة (ليلى علوي) بائعة الكشك التي تتدخل لحسم شجار أحمد زكي على كورنيش النيل، وتفرض سيطرتها على المنطقة، وكلها شخصيات بسيطة نراها كل يوم في حياتنا اليومية، ليختارها وحيد حامد بعناية ويجعلنا نتعاطف معها ونتعلق بها في أفلامه.

وبحسب الناقد أندرو محسن، فإن أهم ما ميز الفيلم هو بساطته، والشخصيات المكتوبة بعناية ولها تاريخها، تاريخ غير لافت بشكل خاص، لكنه يترك آثاره على الحاضر فيجعل كل شخصية حية نستطيع أن نصدقها ونشعر بمشكلاتها، مثل شخصية الأم روحية التي تشجع ابنها على الانتقال للقاهرة وترك بلدته، ويرجع هذا إلى أنها اختبرت الانتقال من قبل أكثر من مرة بسبب هجرتها من السويس أثناء الحرب.

شخصيات حقيقية

تؤكد الفنانة هند صبري أن حامد قدم عصرا كاملا في أعماله من خلال شخصيات حقيقية لا تقول كلاما كبيرا، لكننا نفهم العصر من خلال شخصيات إنسانية والمشاعر والعلاقات العاطفية بدون مباشرة، وهذا ما ينفرد به حامد.

وتضيف صبري -في الفيلم الوثائقي "الوحيد" الذي عرضه مهرجان القاهرة السينمائي 2020- أن حامد كتب للمرأة كما لم يكتب أحد لها، لم يهمش المرأة في أعماله، كما اهتم بصراعاتها الداخلية ومشاكلها.

هكذا كانت المرأة دائما حاضرة في عالم وحيد حامد، ترفض الإملاءات والإغراءات، الصحفية مشيرة درويش (نيللي) تواجه سلطة والدها الظالم (فريد شوقي) في فيلم "الغول" (1983)، غادة سكرتيرة رجل الأعمال (يسرا) في فيلم "المنسي" (1993) ترفض أمر رئيسها بأن تسلم جسدها لرجل ذي نفوذ، وتستعين بعامل تحويلات القطار يوسف المنسي (عادل إمام) كي ينقذها ويحفظ شرفها.

خطوط حمراء

حتى عندما يقترب وحيد حامد من الخطوط الحمراء تظل شخصياته النسائية رافضة، سلوى شاهين (نبيلة عبيد) -التي عملت لسنوات في خدمة جهاز أمني قوي مستغلة جمالها للإيقاع بالشخصيات المهمة- تعتزل وتتزوج، وتمضي السنوات، يأتيها من يهددها بتسجيلات مصورة قديمة، ويطلب منها أن أن تخوض "مهمة جديدة"، لكنها ترفض هذه المرة في فيلم "كشف المستور" (1994).

فتاة الليل هند ( يسرا) ترفض إملاءات ضابط التحقيقات وإجباره لها على التوقيع على أقوال لم تصرح بها في "الإرهاب والكباب" (1992).

الراقصة سونيا سليم (نبيلة عبيد) تخوض معركة ضارية ضد أصحاب النفوذ، لأنهم يرفضون منحها ترخيصا لإقامة دار أيتام في "الراقصة والسياسي" (1990) عن قصة إحسان عبد القدوس.

لاعب شطرنج محترف

في كتابة "الفلاح الصفيح" الصادر عن دار "أخبار اليوم" بعد وفاة حامد يؤكد الناقد طارق الشناوي أنه كان شاهدا على المعارك التي خاضها حامد مع الرقابة، ويصفه بلاعب شطرنج محترف "يدخل في صراع ينتهي في الأغلب لصالحه، ويتم عرض المصنف الفني دون حذف، أو بحذف بعض اللقطات التي كان مدركا منذ البداية أنها من الممكن ألا تمر على الرقيب بسهولة".

ويعدد الشناوي من بين المشكلات الرقابية تهكم الراقصة على السياسي في "الراقصة والسياسي" عندما تقول له "أنا بلعب بوسطي وأنت تلعب بلسانك"، أو تعرض فيلم "كشف المستور" بالنقد لشخصية سياسية فاعلة في زمن عرض الفيلم.

تأثره بشخصية جدته

تأثر حامد في كتابته عن المرأة بشخصية جدته لأمه التي أشرفت على تربيته في الطفولة، أعجب بشخصيتها القوية، وهو ما جعله يختار شخصية قوية مماثلة عندما اختار الارتباط.

يقول حامد في حواره مع جريدة الأهرام إنه في مرحلة الشباب لم يتعامل في حياته مع سيدة رخيصة، يرفض الشخصية الضعيفة في علاقاته العاطفية.

ويضيف أن المرأة التي لا تستطيع أن تقول "لا" تتنازل عن حقوقها، ويرى أن المرأة لم تأخذ المكانة التي تستحقها، وليس معنى وجود وزيرة في الحكومة أن المرأة أخذت حقوقها.

ويؤكد حامد أن شرطه عند نسج خطوط نسائية أن تكون المرأة قوية "هذا شرطي عند الكتابة عن المرأة المصرية، فهي بالفعل كما أراها وما زلت عند قناعتي بها، فالمرأة المصرية العظيمة تتمتع بقوة لا يستهان بها".

المصدر : مواقع إلكترونية