في حضرة التاريخ.. فنانون يبدعون في بيوت تاريخية مرممة برام الله

أحد المنازل القديمة التي تم تأهيلها في رام الله ليكون متحفا تاريخيا وأثريا (الجزيرة)

رام الله- تشد الفنانة الفلسطينية الشابة لارا سلعوس خيوط الصوف البلدي وسط إطار خشبي؛ لتعيد صناعة كرسي من الصوف، في مشروعها الفني لإحياء هذه الحرفة الفلسطينية القديمة، بعد تأهيل بلدية رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة بيوتا قديمة وفتحها أمام فنانين فلسطينيين شباب للعمل فيها.

لارا واحدة من 10 فنانين استفادوا من مشروع قامت به بلدية رام الله، لتأهيل وترميم عدد من البيوت القديمة في المدينة، منها ما قامت باستئجاره ومنها ما استملكته وأعادت تصميمه، ليخدم فنانا فلسطينيا شابا وما يقدمه من فن، في جو تاريخي وأثري هادئ.

معرض فني أقيم في البلدة القديمة من مدينة رام الله بعد تأهيل بيوت قديمة فيها (الجزيرة)

تواصل فني

ينتشر الفنانون الشباب العشرة اليوم كل في مشغله وغرفته في البيوت التي تم ترميمها في البلدة القديمة من رام الله، ويهدف هذا التجمع الفني ليتواصل الفنانون مع محيطهم لتقديم أجود ما يمكنهم تقديمه.

وتشاهد وأنت تتنقل في المكان مشغلا لكرسي صوف، وفنانا يصنع آلات موسيقية، وغرفة لطباعة الصور، وفنانة شابة ترسم يدويا، وغيرها من الأعمال الفنية اللافتة.

واجهت فكرة إعادة تأهيل وترميم البيوت الكثير من المصاعب (الجزيرة)

واجهت فكرة إعادة تأهيل وترميم البيوت الكثير من المصاعب، مما دفع البلدية للشروع باستملاكها للحفاظ عليها وحمايتها من الهدم، كحل مؤقت بسبب عدم وجود قوانين صارمة في الحفاظ عليها كحل إستراتيجي.

وتقول سالي أبو بكر، مديرة الشؤون الثقافية والاجتماعية في بلدية رام الله، للجزيرة نت، إن فكرة الاستملاك أصبحت لاحقا غير عملية؛ لأنه بحاجة لموازنات مالية مرتفعة، فتوجهت البلدية لفكرة استئجار البيوت وإعادة الترميم، لحين إصدار قوانين لحماية هذه البيوت من الهدم.

يتم ترميم المباني وفق المعرفة التقليدية وحسب الطرق التي تناسب هذه المباني (الجزيرة)

ترميم حسب الاستخدام

ويتم ترميم المباني وفق المعرفة التقليدية، وحسب الطرق التي تناسب هذه المباني وليس الطرق الحديثة، للحفاظ عليها- حسب سالي أبوبكر- وينفذ ذلك بالتعاون مع مؤسسات لها خبرة واختصاص، كما يرمم المبنى ليكون مساهما في الوظيفة التي يؤديها؛ مثل مبنى تم الانتهاء من ترميمه كمتحف للمدينة، وهو يختلف في طريقة تأهيله عن مبنى آخر سيستخدم كإستوديو يستفيد منه أحد الفنانين.

إيجاد مساحات تخدم الفنانين أصبح أمرا ملحا بعد جائحة كورونا (الجزيرة)

ترى سالي أبوبكر أن إيجاد مساحات تخدم الفنانين أصبح أمرا ملحا بعد جائحة كورونا، كون الكثير منهم فقد مصدر رزقه نتيجة قلة المشروعات التي كانوا يعملون فيها خلال الجائحة، لذلك كان لزاما وضع هذا المشروع كأولوية للبلدية كدعم لهم مقابل رسوم مالية بسيطة.

ولذلك طُلب من الفنانين مباشرة تقديم تفاصيل مشاريعهم ومدة حاجتهم للمقر، والتي تبدأ من شهر إلى سنة، كما ينافس مشروع الفنان مشاريع مقدمة أخرى، والأهم أن يكون ارتباطه بالمجتمع المحلي قويا، إضافة إلى تفاصيل أخرى يتم دراستها وفرزها، وصولا لتسليم هذا الفنان المكان المناسب له لتقديم فنه.

الفنانة أسماء غانم تنفذ رسوماتها في أحد المنازل التي رممتها بلدية رام الله (الجزيرة)

بيوت ريفية وأحواش

أطلعتنا المهندسة ديما مشاقي، رئيس قسم الأبنية في بلدية رام الله، على مميزات البيوت القديمة في المدينة، وقالت للجزيرة نت، إن رام الله لم تكن بالصورة التي هي عليها الآن؛ كانت مركزا لا يتجاوز 50 بيتا، قريبة من بعضها وبدأت بالتوسع والانتشار، وكانت تبنى بالطرق الريفية القديمة؛ من غرفة ومصطبة، وتطورت ليكون فيها عليّات، ويستخدم في بنائها الحجارة والطين والتبن وبحرفية عالية ودقيقة.

وشكلت البيوت القديمة بعد بنائها بجانب بعضها بشكل متلاصق، ما يعرف بالأحواش؛ مثل "حوش قندح"، و"حوش دار مغنم" و "حوش العجلوني" وغيرها، وممن مميزات الحوش الواحد وجود خدمات مشتركة لها كالمطبخ والحمام.

وبعد تحسن الأوضاع المالية لسكان رام الله، أصبحوا يقومون ببناء البيوت المنفردة أو ما تعرف، وفق المهندسة مشاقي، "بيوت الليوان"؛ التي كانت تتكون من عدة غرف، ويوجد حولها ارتدادات ولها مركز خدمات لوحدها وليس كما الأحواش بشكل مشترك.

صانع الآلات الموسيقية شحادة الشلالدة في أحد البيوت القديمة التي رممتها بلدية رام الله (الجزيرة)

روح رام الله

تصف المهندسة مشاقي للجزيرة نت هذه البيوت بأنها روح رام الله القديمة، التي أصبحت اليوم مدينة مركزية للفلسطينيين بعد القدس، وأثر الوضع السياسي في فلسطين على مشاريع ترميم وتأهيل هذه المنازل، ولكن اليوم أصبح هناك بطاقات تعريفية لكل بيت؛ من تاريخ بنائه ومَن سكنه وقصته والعناصر المعمارية وطرق ترميمه، وساعدت هذه المعلومات في توثيق البيوت والحفاظ عليها لتسلم لفنانين يستفيدون منها في أعمالهم.

واعتبر الفنان الفلسطيني الشاب شحادة شلالدة، الذي يصنع الآلات الموسيقية، فرصة وجوده في أحد البيوت القديمة المرممة في رام الله بأنه ساعده بشكل كبير في تقديم فنه، خاصة أن وجود الفنان بين فنانين آخرين يمكّنه من تطوير عمله في جو هادئ ومريح.

الصوف البلدي القديم ضمن مشروع الفنانة لارا سلعوس "كرسي صوف" (الجزيرة)

وأنهت الفنانة والموسيقية الفلسطينية الشابة أسماء غنام، عملها في مشروعها "جذور" الذي كانت ترسم من خلاله لوحات فنية تعيد الفلسطينيين إلى جذورهم، وتوسعت الفكرة لإنجاز لوحات فنية مميزة فيها جذور أي فكرة تطرحها اللوحة.

وتقول غنام في مقطع فيديو نشرته بلدية رام الله للترويج لهذا المشروع قبل أن تغادر فلسطين إلى الولايات المتحدة، إن موقع رسمها في قلب رام الله القديمة كان مميزا؛ كونه قريبا من كل طبقات الناس التي يسعى الفنان للوصول إليهم؛ لأن الفن يجب أن يكون للجميع وليس لفئة معينة فقط، وهو ما يتحقق في بيوت رام الله القديمة.

المصدر : الجزيرة