الدراما الرمضانية في العراق.. حضور لافت في 2021 تجاوز المواسم السابقة

مشهد من مسلسل "كما مات وطن" (مواقع التواصل)

على غير العادة أثارت الأعمال الدرامية العراقية هذا الموسم الكثير من الاهتمام والجدل محليا، وتنوعت مواضيعها بشكل غير مألوف سابقا كما يؤكد العديد من النقاد الفنيين.

وسبق هذا الاهتمام الكبير بالأعمال التلفزيونية جدل ثار قبيل رمضان بعد عرض إحدى المحطات الفضائية مسلسلا يناقش أوضاع طلبة في كلية أهلية، ويتناول جوانب سلبية من حياتهم جعلت كثيرا من المشاهدين ينتقدون العمل ويطالبون بوقفه رغم المشاهدات غير المسبوقة التي حاز عليها على يوتيوب.

وقد تناولت بعض الأعمال التي عرضت في رمضان هذا العام أحداثا سياسية، من بينها احتجاجات تشرين، مثل مسلسل "العدلين" الذي قدم سردية لتطور الأحداث الميدانية وسقوط بعض الضحايا، من بينهم أشخاص أصبحوا أيقونات لدى المحتجين، مثل صفاء السراي وغيره، ولمّح إلى تورط أطراف سياسية في استهداف المتظاهرين.

بالإضافة إلى مسلسل "المنطقة الحمراء" الذي يسرد قصة سياسيين متورطين بتهريب الآثار العراقية وبيعها في الخارج، فيما تناولت أعمال أخرى قصة دخول تنظيم "داعش" إلى مدينة الموصل، ومسلسلات أخرى غلب عليها الطابع السياسي، مثل "كما مات وطن" في موسمه الثاني، و"بنج عام" في موسمه الثاني أيضا، ومسلسلات كوميدية لقي بعضها ترحيب الجمهور، وانتقاده أحيانا.

الإنتاج والجودة

وكانت القضايا الاجتماعية حاضرة أيضا عبر مسلسلات تناولت مشاكل تمر بها الفتيات اللواتي يخرجن من بيئات فقيرة، مثل مسلسل "طيبة"، ومسلسل "أم بديلة" الذي شارك فيه فنانون لبنانيون، ويناقش فكرة حرمان بعض الأسر الثرية من الأطفال، وكيفية تعاطيها مع الموضوع.

ويرى الأكاديمي والمخرج حكمت البيضاني أن تميز هذا الموسم كان في غزارة الإنتاج، لكن الأعمال ليست كلها بذات الجودة، إلا أنه يشير إلى وجود ما يعتبرها "نهضة درامية" ستنعكس على باقي المواسم، وكل ذلك مرتبط بالميزانيات التي تنفقها المحطات على المسلسلات القادمة، على حد قوله.

وأضاف البيضاني أن العراق يفتقر إلى صفة المنتج، فالشركات والمؤسسات التي تنفذ الأعمال الدرامية تخضع لسلطة القناة واشتراطاتها والمواضيع التي تريدها، وهي تحرم المنتجين من تسويق أعمالهم بالشكل الموجود في بلدان عربية أخرى، مثل مصر وسوريا ولبنان.

ويؤكد في حديثه للجزيرة نت أنه متى ما توفرت العناصر الإنتاجية -وفي مقدمتها المال المناسب- فإن ذلك سيسهم في تحسين ظروف الإنتاج بكل مفاصله، كالتأليف والإخراج والتمثيل، لأن بيئة الدراما تعتمد على الظروف الإنتاجية، ومتى ما تهيأت فإن ذلك سيشكل تطورا على مستوى الصورة والمواضيع أيضا.

أزمة الدراما

وقد أحدثت منصات السينما والتلفزيون خلال السنوات الأخيرة الكثير من التغيير في المزاج الفني للعراقيين، وباتت الأجيال الجديدة أكثر تعلقا بالأعمال الفنية العربية والغربية.

وبحسب الفنان علي فاضل، فإن الدراما لم تعد كما في السابق، حيث أصبح الجمهور يريد أعمالا بمستوى عال، كما أن مساحة النقد اتسعت، وأتاحت مواقع التواصل الاجتماعي فرصا كبيرة أمام الجمهور لإبداء رأيه في الأعمال المقدمة.

ويرى فاضل أن صناعة الدراما في العالم كله تمر بأزمة حاليا، لأن كثرة الأعمال خلقت صعوبة في إقناع المتلقي الذي يمتلك خيارات كثيرة ومتعددة، لذا فإن ميزانيات بعض المسلسلات أصبحت تتفوق حتى على أفلام السينما.

يوميات مشبعة بالسياسة

أما الناقد الفني حيدر النعيمي فيقول إن من أكثر الأعمال التي لفتت نظره هذا الموسم كان مسلسل "أم بديلة"، و"بنج عام 2" بسبب جمالية الصورة وحركة الكاميرا وأداء الفنانين، بالإضافة إلى أعمال حققت حضورا طيبا وهي "طيبة"، و"الهروب".

ويرى النعيمي أن الدراما العراقية شكلت حضورا جيدا هذا العام من حيث غزارة الإنتاج وكثرة الوجوه الشابة التي سيكون لها مستقبل جيد حسب قوله، وذلك يعود إلى أن كثرة القنوات التي تنتج الدراما خلقت تنافسا قويا، وهذا يطور نوعية الدراما المقدمة وتنوع مواضيعها كذلك، وهو ما لم يكن معهودا في الدراما العراقية سابقا.

وحول كثرة حضور السياسة في دراما رمضان هذا العام، يلفت النعيمي إلى أن العراق يعيش أحداثا سياسية كل يوم منذ 40 عاما، منذ الحرب مع إيران، ثم حرب الخليج، والحصار، ثم الغزو الأميركي وما تلاه، لذا فإن تفاصيل الحياة اليومية فيه مشبعة بالسياسة، ومن الطبيعي أن تنعكس على الأعمال الفنية.

ويبدي النعيمي تفاؤله بتطور الدراما العراقية خلال السنوات القادمة، لكون الإنتاج لم يعد "جبانا" كما في السابق، وأصبحت الإعلانات تتدفق بمبالغ كبيرة على المحطات التي تعرض هذه الأعمال، وتحقق لها مردودا ماليا جيدا يدفعها للإنفاق أكثر على ما تنتجه.

حضور شبابي أقوى

وكان واضحا هذا العام الحضور الكثيف للممثلين الشباب والوجوه الجديدة، وهو ما أعطى جرعة من الأمل لدى محبي هذه الدراما لإمكانية تطورها بشكل أكبر لاحقا.

وتقول الممثلة زمن علي إن حضور الشباب الجدد أضاف الكثير للدراما العراقية هذا الموسم، وإن استقبال الشارع لها كان مفرحا جدا، حتى أن بعض المشاهدين أصبحوا ينتقدون الأعمال الفنية بطريقة "أكثر موضوعية ومعرفة بالتفاصيل".

وتتوقع زمن -التي شاركت في مسلسل "العدلين" ذي الطابع السياسي- أن المسلسلات العراقية ربما تدخل حلبة المنافسة مع الأعمال العربية قريبا، وذلك مع وجود مجموعة من الفنانين الشباب المصممين على تقديم نتاجاتهم باحتراف عالي المستوى.

أما الفنانة أساور عزت فقد شاركت هذا الموسم الرمضاني في مسلسل "طيبة" الذي أخرجه السوري إياد نحاس، وهي ترى أن الدراما العراقية تفوقت هذا العام على نسخها السابقة بسبب قوة النصوص وجودة الصورة فنيا، كما أن الممثلين استجابوا للتحدي وأثبتوا جدارتهم، على حد تعبيرها.

لكنها تشكو من ضعف الاحترافية في مجال الإنتاج، وقلة أجور الفنان العراقي بشكل عام مقارنة بنظرائه من الممثلين العرب، إلا أنها تعتقد أن الأعمال العراقية إذا ظلت بهذا المستوى فإنها ستدخل ساحة المنافسة مع الأعمال العربية قريبا، خاصة إذا استثمر المنتجون طاقات الفنانين واستمر تفاعل العراقيين مع الدراما التي بدأت تلمس شيئا من مشاكلهم وهمومهم اليومية.

المصدر : الجزيرة