ما الذي أشعل شرارة ثورة موسيقى "روك آند رول"؟

موسيق الروك آند رول تتميز بألحان وإيقاعات ممتعة خارجة عن المألوف (غيتي)

أدى شتاء 1962-1963 إلى تعطل الحياة تماما في بريطانيا، ورغم الثلوج التي غطت البلاد، كان المشهد الموسيقي البريطاني يتجلى بطريقة مذهلة.

في تقرير نشرته صحيفة "تلغراف" (telegraph) البريطانية، قالت الكاتبة جوليت نيكلسون إن شهور ديسمبر/كانون الأول الثلجية لم تكن مشهدا غريبا في الستينيات؛ إلا أن الطقس كان مختلفا في ذلك العام.

في 26 ديسمبر/كانون الأول، من عام 1962، بدأت الثلوج في التساقط وبالكاد توقفت خلال الأسابيع العشرة التالية، وتجمدت المياه في الصهاريج وتصلب الديزل في صهاريج حافلات لندن، وسقطت الطيور من السماء لتلقى حتفها بسبب العواصف الجليدية التي فاجأتها.

لم تتمكن القطارات من السير على السكك المتجمدة، وتم إيقاف الطائرات وأفرِغت الطرق الزلقة من حركة المرور، وبسبب الأنابيب المتفجرة والتيار الكهربائي البطيء، أغلقت المكاتب والمدارس أبوابها وأصبحت دور السينما والمسارح باردة بشكل لا يطاق.

لكن خلال هذا البرد القارس، ظهرت فجأة ثورة موسيقية غير مسبوقة، وأثناء انتشارها في جميع أنحاء البلاد، غيرت هذه الظاهرة الموسيقية في الصوت والمغنيين والفرق الموسيقية الموسيقى الشعبية البريطانية إلى الأبد.

ثورة موسيقية

تحدى بعض عشاق الموسيقى الطقس البارد، فارتدوا ملابس سميكة لتحميهم من الصقيع، حتى إنهم لجؤوا إلى الزلاجات الجليدية للوصول إلى النوادي الصغيرة وقاعات الحفلات الموسيقية، حيث ظلت الفرق الشجاعة الناشئة مصممة على الأداء.

أما أولئك الذين اختاروا البقاء في منازلهم، في غرف المعيشة الدافئة بنيران الفحم، فقد استمعوا بأعداد كبيرة إلى عرض "ثانك يور لاكي ستارز" (Thank Your Lucky Stars) الذي نقلته "آي تي في" (ITV)، وهو عرض موسيقي جديد متنوع قدمت فيه الفرق الشهيرة والجديدة تسجيلاتها الموسيقية، بينما يقيّم جمهور الاستديو المباشر أداءهم بإعطائهم نجوما.

وعلى الرغم من أن صوت الخمسينيات المألوف لموسيقى الجاز و"ريذم أند بلوز" (Rhythm and blues) المستوردة كان يصدح من أجهزة الراديو، كانت هناك موسيقى جديدة ومثيرة قادمة عبر المحيط الأطلسي، يجسدها المغني ألفيس بريسلي.

في هذ الأثناء، كان المغني كليف ريتشارد يحصد قاعدة جماهيرية واسعة، بينما صعدت أغنية "ووكينغ باك تو هابينس" (Walking Back to Happiness) لتلميذة من إيست إند تبلغ من العمر 15 عاما تدعى هيلين شابيرو إلى رأس التصنيفات في عام 1961.

في شتاء 1962-1963، كان 4 أصدقاء في فرقة تُعرف باسم "بيتلز" (Beatles) يعزفون الموسيقى يوميا تقريبا في قبو في ليفربول أمام مجموعة من الفتيات خلال استراحة وقت الغداء، وفي فبراير/شباط 1963، تحت قيادة مديرهم الجديد الطموح براين إبستاين، حصلت الفرقة على فرصة لتقديم أداء خلال جولة موسيقية جابت المدن الشمالية، والتي تتكون من عدة عروض ترأست قائمتها الفنانة "هيلين شابيرو".

Snow in Hemel Hempstead
خلال البرد القارس في إحدى شتاء الستينيات خُلقت فجأة ثورة موسيقية غير مسبوقة (رويترز)

موسيقى الشتاء

انتقلت الفرقة من حفلة إلى حفلة في شاحنة كومر المغلقة ذات لون رمادي وكستنائي، وكافح جون ورينغو (22 عاما) وبول وجورج (20 عاما)، لإيجاد مساحة في الجزء الخلفي من الشاحنة بين الطبول والقيثارات، كما تحديا درجات الحرارة المنخفضة.

وفي لندن، كانت شقة في أقصى أطراف طريق كينغز رود مقر فرقة ناشئة أخرى والتي -على عكس فرقة بيتلز- لم يكن لها مدير مثل إبستاين لتحفيزها، وكانت تجد الطقس تحديا يكاد لا يقهر.

شارك بريان جونز (20 عاما)، مكانا للسكن في إيديث غروف مع ميك جاغر (19 عاما)، وهو طالب اقتصاد ومساعد بدوام جزئي في متجر، وكيث ريتشاردز (19 عاما) أيضا.

انضم بيل وايمان (26 عاما)، إلى فرقة "ذا رولينغ ستونز" (the Rolling Stones) في ديسمبر/كانون الأول من عام 1962 كعازف غيتار البيس، وحاولت المجموعة ربح بضع شلنات من خلال جمع الزجاجات الفارغة من الفناء الواقع خلف مصنع ويذرباي للأسلحة المجاور، وبيعها مرة أخرى إلى المالك، كان الرفقاء ينامون على مراتب على الأرض، ويعيشون على طرود الطعام التي ترسلها والدة كيث من دارتفورد.

وعندما ازدادت الأحوال الجوية سوءا، بات من الصعب الوصول إلى المسارح لمواكبة الحفلات الموسيقية مع توقف وسائل النقل، فتوقف عمل فندق "إيل باي آيلند" في تويكنهام مع إغلاق الجسر الذي يعبر نهر التايمز، وذات ليلة، تحدى شخصان فقط حالة الطقس وذهبا لحضور حفلة لفرقة "ذا ستونز" (The Stones) الموسيقية في منطقة إيلنغ.

رغم كل العوائق التي واجهتها، رفضت الفرقة الاستسلام لا سيما في ظل ازدهار فرقة بيتلز التي كانت تنافسها، توسعت الفرقة وأصبحت تضم عازف الطبول تشارلي واتس (21 عاما)، وعازف البيانو إيان ستيوارت (24 عام) إلى جانب جونز عازف الهارمونيكا، ووايمان عازف الباس، وريتشارد عازف الغيتار، وجاغر كمغن رئيس في نادي كراودادي في ريتشموند في 17 يناير/كانون الثاني 1963.

في ليلة شتوية أخرى، سعى المعجبون إلى الاستمتاع بموسيقى "ذا رولينغ ستونز" أكثر فأكثر رغم كل العراقيل، حيث تحدى حوالي 300 مراهق وعازف موسيقي وطلاب ومساعدين في متجر العاصفة الثلجية، وذهبوا للاستماع إلى جاغر، الذي كانت شفاهه ترتعش من شدة البرد، وهو يغني على مسرح لا يزيد حجمه عن طاولة مطبخ، ونجح في إثارة حماس الجمهور وامتلأت حلبة الرقص.

انضم إلى الحفل آندرو لوغ أولدهام، الذي أصبح لاحقا مديرا لفرقة "ذا ستونز"، وكان حينها عامل تزيين النوافذ في إحدى المتاجر، حيث وصف أداءهم بالخارق للعادة، واعتبر هذه الفرقة بمثابة بديل لفرقة بيتلز.

الظاهرة الموسيقية المكتشفة بالصدفة غيرت في الصوت والمغنيين والفرق الموسيقية (غيتي)

عهد جديد للموسيقى

بدأ الصوت البريطاني الصاعد في إضعاف الاحتكار الموسيقي الأميركي، وقبل عيد الميلاد عام 1962 مباشرة، سافر بوبي ديلان -وهو مغن شعبي يبلغ من العمر 21 عاما اكتشف موهبته المنتج التلفزيوني في "بي بي سي" (BBC) فيليب سافيل في نادٍ في نيويورك- إلى لندن للمشاركة في برنامج "بلاي فور توداي" (Play for Today)، وقال ديلان إن الطقس البارد مناسب للثقافة المضادة الجديدة.

أدرك سافيل أن موهبة ديلان التمثيلية لم يسبق لها مثيل، ولكن عندما استمع سافيل لأغنية ديلان المفضلة "بلوينغ إن ذا ويند" (Blowing in the Wind)، أدرك سافيل أنه يجب أن يوظفها كأغنية افتتاحية واختتامية لمسرحيته.

وتسببت العواصف الثلجية في وقف الإنتاج؛ لكن أخيرا تم بث مسرحية "مادهاوس في شارع كاسل" Madhouse on Castle Street) ليلة الأحد، 13 يناير/كانون الثاني 1963، وسمع الجمهور البريطاني صوت بطل شعبي جديد يخترق الضباب البارد.

بعد عدة أسابيع من عودة ديلان إلى أميركا، بدأ الجليد والثلج في الذوبان أخيرا، وبعد مرور 63 يوما متتاليا من الصقيع، استيقظت بريطانيا على عالم أكثر دفئا.

وفي منتصف شهر مارس/آذار، بدأت تعلو أصوات الشابات المفتونات بالعروض الحية لفرقة بيتلز، الذين هزموا هيلين شابيرو وتقدموا في ترتيب أفضل الأغاني، بأغنيتهم المنفردة "بليز بليز مي" (Please Please Me)، ومع تصدع الجليد وذوبانه، اهتز هذا الزلزال الموسيقي اليافع، وبدأ عهد جديد تميزه ألحان وإيقاعات موسيقية ممتعة خارجة عن المألوف.

المصدر : تلغراف