سيد الألغاز.. من هو رينيه ماغريت فنان الأبجدية التصويرية؟

يقول ماغريت عن لوحاته "كل شيء في أعمالي يأتي من الشعور باليقين بأننا ننتمي، في الواقع، إلى عالم غامض"

ماغريت لم يبدأ مسيرته الفنية الفعلية في الرسم إلا بعد خدمته في سلاح المشاة البلجيكي لفترة قصيرة (مواقع التواصل)

ارتبط اسم رينيه ماغريت (René Magritte) بالسريالية، واعتبر سيد الألغاز، إذ اشتهر بلوحاته التي تحمل استعارات ورسائل تسلط الضوء على الصعوبة التي نواجهها في جعل الواقع يتطابق مع صورنا الذهنية.

وسعى -عبر لوحاته الذكية والمثيرة- إلى دفع المشاهدين للتساؤل عن تصوراتهم للواقع وإعادة رؤية العالم من حولهم بحساسية أعلى، كما عمل من خلال إنشاء صور مشتركة ووضعها في سياقات متطرفة على جعلهم يشككون في قدرة الفن على تمثيل كائن ما.

وطوّر ماغريت أبجدية تصويرية باستخدام زخارف متكررة، كالتفاحة، والطائر، والرجل الذي يرتدي قبعة الرامي، وأجساد مجزأة، وغالبا ما تكون صوره مخفية خلف صور أخرى بحيث تجمع بين مستويين محتملين للقراءة، المرئي وغير المرئي.

ويقول ماغريت عن لوحاته "كل شيء في أعمالي يأتي من الشعور باليقين بأننا ننتمي، في الواقع، إلى عالم غامض".

لوحة الانتقام للفنان السيريالي رينيه ماغريت (مواقع التواصل الاجتماعي)

طفولة درامية

ولد ماغريت عام 1898 في مدينة ليسينز في بلجيكا، وكان الابن الأكبر في عائلة مكونة من 5 أفراد. وخلال طفولته كان مولعا بالتصوير الفوتوغرافي، ومشاهدة الأفلام السينمائية وقراءة الروايات، ولا سيما الكوميدية منها.

وكانت والدة ماغريت، امرأة ذات ميول انتحارية، مما دفع زوجها إلى حبسها في غرفتها، وفي أحد الأيام هربت وعُثر عليها ميتة في نهر قريب بعد أن غرقت.

ووفقا للروايات، كان ماغريت البالغ من العمر 13 عاما حينها هناك عندما استعادوا الجثة من النهر، وعندما سحبت من الماء غطى ثوبها وجهها، ليصبح هذا لاحقا موضوعا في العديد من لوحات ماغريت في عشرينيات القرن الماضي، حيث صور الناس بقطعة قماش تغطي وجوههم.

بداية غير موفقة

بدأ ماغريت بتلقي أول دروس الرسم في سن العاشرة، وفي 1916 دخل إلى الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في بروكسل، لكنه تركها بعد سنتين بعد أن وجد التعليمات غير ملهمة وغير مناسبة لذوقه، لكن تلك الفترة سمحت له بالاطلاع على أهم الحركات الفنية وصار عضوا في حلقة الطليعة الأدبية، حيث كانت تناقش أفكار الدادائية والسريالية.

ولم يبدأ مسيرته الفنية الفعلية في الرسم إلا بعد خدمته في سلاح المشاة البلجيكي لفترة قصيرة، وعمل في رسم الملصقات الإعلانية ورسم نسخ عن لوحات لفنانين مشهورين، أمثال بيكاسو وبراك وتشيريكو.

وفي عام 1924، كان على اتصال بحركة "دادا" وتأثر بشدة بلوحة رسمها "دي تشيريكو"، وسرعان ما شكّل مع فنانين آخرين ما بات يعرف بالـ"سريالية البلجيكية".

وكانت لوحة "القاتل المُهدَّد" 1926 (The Threatened Assassin) أحد أوائل أعماله، واحتوت عناصر انتشرت في العديد من أعماله اللاحقة، كالشخصيات وارتداء القبعات والألوان وغيرها، كل ذلك لعب دورا في بداياته السريالية، بما في ذلك إضفاء حس الغرابة والغموض، كذلك كانت لوحة "الفارس المفقود" 1925 (The Lost Jockey) مؤشرا على أسلوبه، خاصة بعد أن أضاف إليها -فيما بعد- عناصر جديدة لتحفيز المشاهد.

ولم يحظَ معرضه الفردي الأول -الذي أقيم عام 1927 في معرض سنتوري (Galerie la Centaurie) في بروكسل- برضا النقاد، الأمر الذي سبب له الاكتئاب والذهاب إلى باريس.

لوحة ابن الإنسان لماغريت (مواقع التواصل)

فن السخرية بين النقد والفلسفة

بعد انتقاله إلى العاصمة الفرنسية اتصل بالحركة السريالية ليندمج فيما بعد في جماعة "بريتون" مؤسس الحركة السريالية، وأضحى شخصية بارزة في حركة "السرياليين المرئيين"، ولمع اسمه كأحد أمهر الفنانين النخبويين، مستخدما تقنياته في الدمج بين الواقع التفصيلي والخيال الفكري، وبعد أن أقام في فرنسا لـ3 سنوات عاد مجددا إلى بروكسل ليعمل في شركة إعلانات صغيرة.

وتأثر ماغريت، بأعمال "جورجيو دي تشيريكو"، كما كان تأثره بأساليب "جون ميرو" و"سيلفادور دالي" جليا، لكنه على عكس الأخير، لم يكن أبدًا من المعجبين بنظريات التحليل النفسي، بل صب اهتماهه على الرموز والأساطير والمعتقدات التي يشرحها أو يسخر منها بأسلوب محايد بشكل متعمد وبدقة كبيرة، ثم أخذ أسلوبه يتجه نحو الفن المفاهيمي.

وكان ماغريت، رساما محبوبا للغاية، على الرغم من كونه محيرا، فقد عرض أعماله في جميع أنحاء أوروبا وصولاً إلى متحف "الفن الحديث" في نيويورك.

وفاته

وأصيب ماغريت بالسرطان، وتوفي عام 1967 بعد تفشي المرض بجسده، لكن أعماله أثرت على كثير من الفنانين حتى يومنا هذا، كذلك كان لها أثر واضح على العديد من الأغاني والأفلام والكتب.

عام 2009، افتتح متحف خاص بأعماله في بروكسل، ومعظم الأعمال المعروضة تعود إلى المتاحف الملكية للفنون الجميلة في بلجيكا.

المصدر : الجزيرة