المطربة الأردنية مكادي نحاس: هناك محاولات لطمس الهوية والتراث والثقافة العربية

الفنانة مكادي نحاس
الفنانة الأردنية مكادي نحاس عاشت فترة من حياتها في بيروت (مواقع التواصل)

تعد المطربة الأردنية مكادي نحاس من أبرز الوجوه الغنائية داخل العالم العربي. فقد قادها شغفها المبكر بالغناء إلى أن تغدو في السنوات القليلة الماضية وجها فنيا مألوفا داخل الإعلام العربي ووسائل تواصله الاجتماعي. وإنْ كانت مكادي نحاس نشأت وترعرعت داخل أسرة سياسية أردنية بامتياز، فإن ذلك لم يمنعها من عشق الطرب الغنائي العربي الأصيل وتشربه منذ الصبا.

فهي ابنة المناضل والسياسي الأردني سالم نحاس الذي أسس في وقت مبكر "حزب الشعب الديمقراطي الأردني". إلا أن هذا المنزع السياسي الذي وسم مسار العائلة، لم يكن عائقا أمام مكادي نحاس حتى تنطلق صوب دراسة الأدب الإنجليزي بجامعة دمشق، ثم الالتحاق بدراسة الموسيقى في "المعهد الوطني العالي للموسيقى" في بيروت، حيث ستتشكل تجربتها الغنائية بالموازاة مع أعمال مسرحية.

أضحت نحاس أحد أبرز رموز الأغنية التراثية وعلاماتها المضيئة داخل العالم العربي، خاصة وأن الأغنية التجارية الترفيهية لم تستهوها لأنها جعلت العملية الفنية موقفا فكريا من الذات والواقع والعالم ككل.

بين المسرح والغناء

عن نشأتها وسيرتها الغنائية داخل محافل عربية ودولية، وتأثير الأغنية التراثية على حياتها الشخصية، وسر انتقالها من الفن المسرحي صوب أداء الأغنية العربية التي أصبحت اليوم واحدة من علاماتها الفنية داخل العالم العربي، تقول مكادي نحاس للجزيرة نت "لم أنتقل من المسرح إلى الغناء بل مزجت الاثنين معا، كنت في بداية مشواري في بيروت قد شاركت في عدة مسرحيات عُرضت في بيروت مع مجموعة من الفنانين اللبنانيين وكان دوري فيها غناءً".

وباعتبار أن المسرح أبو الفنون لم تجد مكادي نحاس أي صعوبة في أداء أغان في مسرحيات بحكم التجديد الفني الذي يطال هذه العملية التي تقوم على مزج الطاقات القصوى للجسد بجماليات الصوت.

ورغم التداخل الفني بين المسرح والغناء وتشابكهما في أحيان كثيرة في تجربتها، فإنه يبقى لكل مجال حرفته ووسائله وطاقاته وأدواته.

على هذا الأساس ترى نحاس أن "المسرح أبو الفنون ولذلك فإنه يحمل الكثير من الفنون الأخرى ويستوعبها سواء تعلق الأمر بالغناء أو الرقص، وبالتالي فإن المزج يأتي من تراكم التجربة على الصعيد الشخصي وأيضا يأتي حسب الدور المُسند لي في أي مسرحية".

محطة بيروت الغنائية

وبما أن الفنانة مكادي نحاس قد عاشت فترة من حياتها في بيروت ممارسة للمسرح كمغنية، فإن للمدينة سحرها وتأثيرها في تشكل وعي الفنانة غنائيا، لا سيما وأن الأمكنة التي تعبق بالتاريخ تترك أثرا لا ينسى في ذوات المقيمين فيها برهة من الزمن.

وتقول نحاس التي لا تتنكر لهذه المدينة، "بيروت أعطتني الكثير على المستوى الشخصي والإنساني والعملي، ففيها التقيت بالفنانين الذين كنت أستمع إليهم من خلال الأشرطة التي كانت تصلنا من الأصدقاء، مثل خالد العبر ومارسيل خليفة وأميمة الخليل وشربل روحانا والكثير من الكتاب والأدباء والصحافيين الجميلين".

وتضيف "بيروت مدينة يمكن أن تلتقي فيها بأي شخصية يمكن أن تتوقعها على مقاهيها. وهي أيضا بلد المتناقضات في الفن والسياسة وفي كل شيء. ففي بيروت اكتملت أدواتي، وتأكدت تماما مما أريد أن أفعل".

ولدت مكادي نحاس عام 1977 وعاشت حياتها بالأردن داخل أسرة سياسية وأدبية، فهي ابنة السياسي الأردني سالم نحاس، حيث ظلت الأسرة تتطلع صوب الحداثة من خلال الفن وعوالمه الإبداعية، مما أثر كثيرا على نحاس وهي طفلة وعلى وجدانها الغنائي، خاصة من لدن والدها، ونشأتها على محبة الفن.

تقول عن هذا الأمر "التأثير كان كبيرا وعميقا فيّ كفنانة وكإنسانة عربية تنتمي لهذا العالم المليء بالأحداث اليومية السياسية على وجه الخصوص. بل إنه أثر حتى في خياراتي الفنية وانتقائي للنوع الغنائي الذي أقدمه، واجتاح كافة أفكاري التي أحملها على الصعيد الشخصي والفني والتي أقدمها في أعمالي".

الأغنية التراثية

تتميز أغاني الأردنية مكادي نحاس بكونها ذات حس تراثي وتغوص في بنية الموروث الغنائي العربي وإعادة ضخ دماء جديدة في شرايينه عن طريق قوة الأداء وخامات الصوت ورقّة الآلات الحديثة.

ورغم غياب وتراجع هذا اللون الغنائي التراثي داخل العالم العربي اليوم مقارنة بأغاني الترفيه والاستهلاك الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن المطربة نحاس ظلت متشبثة بهذا الفن الملتزم والمستند على سحر الكلمة وزخم صورها الشعرية، بحيث ترى نحاس أن "التراث هو هويتنا الثقافية والإنسانية، إذ لا يمكن أن نكون من نحن عليه الآن على كل المستويات من دون هذا التراث ومن دون الحفاظ عليه".

وتضيف "لذلك أحسست بواجب تجاه هذا المخزون الكبير بأنه يجب أن أعمل عليه وأحدده للأجيال القادمة ولجيلي بطبيعة الحال أيضا".

ورغم أن المستمع العربي لا ينكر اهتمام بعض المؤسسات الفنية العربية بالأغاني التراثية، فإنها تبدو في السنوات الأخيرة وكأنها لم تأخذ ما تستحقه من الاهتمام بحكم تاريخها وجمالياتها مقارنة بألوان غنائية أخرى.

وعن سؤال قدرة هذه المؤسسات على استثمار هذا الموروث الغنائي الفلكلوري والتعريف بأغانيه، تقول نحاس إن هذه المؤسسات "تستطيع أن تستثمر في التراث (إن أرادت ذلك) وهو دائما ورقة رابحة لكل الأزمنة".

لذلك فهي تعتقد أن "هناك سياسات تمارس على الثقافة، إذ يحاولون بها طمس الهوية والتراث والثقافة العربية بحيث يصبح الرادع لهم هو أنه التراث لا يبيع أو أنه قديم وليس على مقاس موضة اليوم والكثير من الأسباب الواهية التي تؤدي بالنتيجة إلى الابتعاد عن التراث وبالتالي الابتعاد عن هويتنا".

أما عن المؤسسات الغربية ومدى حضور تجربتها الغنائية داخل مهرجاناتها، لا سيما وأنها سنويا تقيم عروضا خاصة لبعض رواد الأغنية التراثية في مدن فرنسية، ترى الفنانة أن "الجمهور في الغرب يتذوق موسيقانا بغض النظر عن عدم فهمه للكلام، وهناك جمهور ليس بالبسيط الذي يهتم بالموسيقى العربية والغناء العربي".

وتختم مكادي نحاس حديثها للجزيرة نت قائلة "أحاول جاهدة أن تصل أغنيتي إلى الناس مثل السحابة عندما تمطر فهي تمطر على كل الأرض وليس على منطقة دون أخرى والدور الباقي على المتلقي هو الذي يقرر الاستمتاع أو الابتعاد".

المصدر : الجزيرة