المخرج الأردني سائد عاروري للجزيرة نت: فلسطين حاضرة في وجدان صناع الأفلام بالوطن العربي

المخرج الأردني سائد عاروري (الجزيرة)

في فيلمه القصير "نكسة روح" يحرص المخرج الأردني سائد عاروري على التوغل أكثر في يوميات الناس من خلال امرأة فقدت زوجها في زمن الحرب، لذلك يجعل عاروري من هذه الفكرة مختبرا لطرح أسئلة الذات والوجود والهوية من خلال مشاهد سينمائية مؤثرة، إذ يعمل على تغذيتها داخليا بموسيقى تصويرية تطفو على سطح الصورة.

ثمة قدرة مذهلة لدى المخرج الواعد على مزج الصورة بالصوت وتوليفها مع فكرة الفيلم، لكن انشغال عاروري بعذوبة الموسيقى وجماليات التصوير، لم يجعلاه ينأى عن مساءلة مفهوم الذاكرة الفلسطينية وراهنيتها بطريقة يفطن المشاهد من خلالها أن فلسطين ما تزال تحرك الوجدان العربي وتشغل راهنه السينمائي، حتى بالنسبة للجيل الجديد داخل السينما الأردنية كما تطالعنا مشاهد فيلم "نكسة روح" الفائز بعدة جوائز عربية.

عن حيثيات الفيلم الفنية والجمالية وموقع فلسطين في وجدان السينما الأردنية، كان للجزيرة نت هذا الحوار الخاص مع المخرج سائد عاروري.

البدايات

سائد عاروري، أولا، ما الدوافع الوجدانية التي جعلتك تطرق باب الإخراج السينمائي، ثم ما الذي حققته حتى الآن على مستوى الصناعة الفنية؟

العديد من الدوافع جعلتني أبدأ في مجال الإخراج السينمائي، أولا هو الحلم الصغير الذي كان يكبر يوما بعد يوم منذ الطفولة، فكنت أعشق مشاهدة الأفلام وتحديدا المصرية في بداية عصر الستالايت منتصف التسعينيات من القرن الماضي، ورغم أني أحمل شهادة بكالوريوس حاسوب لم أكن بعيدا عن الإخراج بشكل عام منذ بداياتي الفنية عام 2004 بل كنت أتعلم وأعمل في العديد من المشاريع الوثائقية وغيرها.

مارست المونتاج حتى أتمكن من فهم أسرار صناعة الفيلم في الغرفة الجميلة التي تجعل من اللقطات المصورة أعجوبة تحكيها للناس. ثانيا اللغة البصرية السينمائية لها تأثير رهيب على المشاهد كأنه السحر، فالأفلام السينمائية تستطيع أن تضع بين أيديهم قصة إنسانية خيالية وواقعية وجعلهم يشاهدون ويعيشون معها وكأنهم هم الشخصيات فيها.

أما على مستوى الصناعة الفنية السينمائية عملت كمخرج لفيلمين روائيين قصيرين وأيضا أنتجت 4 أفلام قصيرة روائية ووثائقية، وفي الوقت الحالي أعمل على إنتاج فيلمين روائيين قصيرين.

جوائز سينمائية

فيلمك القصير "نكسة روح" فاز قبل أيام قليلة بـ5 جوائز سينمائية.. ما الذي يُمكن أن تقوله للقارئ العربي عن هذا التتويج، وأمام عدد الجوائز التي فاز بها الفيلم؟

صحيح، فيلم "نكسة روح" تم إنتاجه في عام 2017، وأثناء دراستي بكالوريوس صناعة الفيلم في الكلية الأسترالية للإعلام، وما زال إلى اليوم يعرض في العديد من المهرجانات حول العالم، وقد شارك في 48 مهرجانا وحصد 24 جائزة في الإخراج والتصوير والتمثيل والديكور والموسيقى، هذا التتويج للفيلم القصير مهم جدا على كافة الصعد، فالمهرجانات العالمية تعطي تقييما فنيا وموضوعيا للفيلم بحيث يكون مقياسا لمدى نجاحه.

بعد خوضي لهذه التجربة وكيفية نجاحها على مستوى العالم خارج العالم العربي بشكل أكبر، أعطاني ذلك -كمواطن عربي- وضوحا أكثر بأهمية الأفلام السينمائية والتي تهتم بقضايانا الأساسية في حياتنا مما يحتم مسؤولية علينا بأن نطور من مهاراتنا في أساليب العرض والمشاهد والبحث عن آليات لتطوير فكرة صناعة الفيلم على كافة المستويات.

الذاكرة الفلسطينية

يحكي الفيلم قصة امرأة عجوز فقدت حبيبها في زمن الحرب دفاعا عن فلسطين وأرضها، لكنه لم يعد يوما إلى البيت.. إلى أي حد في نظرك كمخرج سينمائي واعد، ما تزال فلسطين تشغل مخيلة السينمائي العربي مقارنة بسنوات خلت؟

أعتقد أن فلسطين هي دائما حاضرة في وجدان العديد من صناع الأفلام بالوطن العربي، وفي الماضي كان للعديد من التجارب السينمائية الأثر الكبير لها، لكن في وقتنا الحاضر تطور لدى العديد من المخرجين العرب الكثير من المهارات الكتابية والإخراجية وحتى البصرية وفي السنوات الأخيرة العديد من الأفلام تم إنتاجها من أجل فلسطين.

في العالم العربي هناك الكثير من القصص والقضايا المختلفة والتي يحمل همها المخرجون، كل حسب بلده، لكن فلسطين هي محور جميع القضايا، وربما هي الأكثر إجماعا بين الجميع، وتجد من يتعاطف معها من أقصى البلدان حول العالم، فمهم جدا أن نفهم قضية فلسطين ونعرف كيف نرويها سينمائيا.

فيلم "نكسة روح" شارك في 48 مهرجانا وحصد 24 جائزة في الإخراج والتصوير والتمثيل والديكور والموسيقى (الجزيرة)

ماذا عن المنجز السينمائي الأردني الجديد، كيف تنظر إلى طبيعة أفلامه التي تناولت سيرة فلسطين؟

في الأردن، بدأت صناعة السينما تأخذ مجرى مختلفا متناميا تدريجيا منذ عام 2008 مع وجود الهيئة الملكية للأفلام مما ساعد على تطوير هذه الصناعة وبشكل ملحوظ حتى وصلت لمرحلة تمويل الفيلم وتطوير النصوص والعمل مع مؤسسات ومنظمات إقليمية وعالمية لتطوير الكوادر الفنية الأردنية، هذا الأمر خلق لدى الأردنيين المزيد من الوعي لأهمية السينما، ولدينا العديد من تجارب الزملاء في قصص تحكي عن فلسطين، وهذه الأفلام لاقت القبول عالميا، وبرأيي هذا مؤشر مهم على التطور الذي وصل إليه الأردن.

السينما والسياسة

كيف استطعت الابتعاد عن الهواجس السياسية التي عادة ما يشتغل عليها بعض المخرجين لإعطاء قيمة أكبر لأفلامهم من خلال ما تطرحه من آراء وقضايا وإشكالات؟

حرصت كل الحرص على الخروج قليلا عن البعد السياسي للفيلم بشكله المباشر ولو أنه مطروح بطريقة مختلفة من خلال الحوار بين الشخصيات وخصوصا مشهد ساعي البريد بشكل غير مباشر. الحوار بين عائلة بسيطة في ذلك الزمن لم تكن تعنيها السياسة بقدر ما تعنيها الحياة البسيطة التي كانوا عليها والارتباط المباشر بينهم وبين أرضهم ومنازلهم ومزارعهم، وكذلك كان الهدف لدي أن أضع المشاهد في مكان حقيقي للقصة.

هذا المكان البسيط هو المنزل الخاص بالمواطن الفلسطيني والعربي، وهو المكان الذي يحتويه ولذلك كان من الضروري أن يكون مناسبا للأجواء الواقعية.

برأيي الصورة البصرية السينمائية هي لغة العصر، وتطور الأدوات والتكنولوجيا الحديثة سهّل علينا الوصول إلى صورة فائقة الوضوح وبالتالي هذا يضيف إلى الفيلم ويعطيه قيمة كبيرة فقد حرصنا على ذلك حتى من خلال الإضاءة والتي تعطيك الشعور أنك تعيش في بيت حقيقي وليس خياليا.

كواليس فيلم "نكسة روح" (الجزيرة)

موسيقى تصويرية

يتميز الفيلم بجماليّات التصوير، وإن كانت الموسيقى التصويرية صاخبة وكأنها تستدرج المشاهد وتدغدغ جسده للتفاعل مع الفيلم.. كيف تأتَّى لك التفكير في التعامل مع الموسيقى التصويرية وفق هذا الشكل الجمالي الذي اعتمدت عليه في إبراز معالم الفيلم جماليا؟

الموسيقى هي عنصر مهم في الفيلم، وربما أقول هي لغة سمعية خاصة، تضع المشاهد في واقع الحدث الذي أريد إيصاله له، وحتى أتمكن من ذلك بعدت نوعا ما عن الروح العربية المباشرة، كذلك أردت أن يكون فيها جانب من العالمية فما يحدث في الفيلم من أحداث لو أسقطناها على أي بلد أو مدينة يحدث فيها حرب أو تهجير لأهلها سنجد أن أحداث فيلم "نكسة روح" هي تحكي القصة نفسها مع فارق الملابس، لذلك اختيار اسم "كوكب" وهو اسم لجدة زميلتنا في الفيلم لورا حدادين، كان اختيارا موفقا لأنه يصلنا إلى فكرة العالمية في السينما، وكان للموسيقى أيضا طابع مختلف عن الطابع الشرقي، نعم هي مهمة لجعل المشاهد يستمتع باللحظة ويتخيل نفسه هناك.

عن السينما الأردنية الجديدة

كيف ترى وتقيّم التجربة السينمائية الأردنية الجديدة، وما العوائق التي تقف أمام المخرج الأردني لاجتراح أفق سينمائي جديد؟

تجربة فيلم "نكسة روح" مهمة بالنسبة لي، وأحدثت نقلة نوعية مختلفة تماما في مسيرتي الفنية والمهنية، فعندما وجدت تأثير هذا الفن وإعجاب الناس به من أشخاص يبعدون عنا آلاف الكيلومترات تنامى لدي الأمل في المستقبل بشكل أكبر، وعلى الصعيد الشخصي أعطتني العديد من المهارات والتطلعات المستقبلية لصناعة أفلام مختلفة وأهمها الفيلم الطويل.

وأعتقد أن الفرص متاحة أكثر في هذا الوقت من عدة جوانب تقنية بالرغم أن أكثر ما يشغل بال أي صانع فيلم هو التمويل المالي الحقيقي الذي يخدم القصة ويجعلها حقيقة أمام المشاهد، وهذا الأمر ربما يعاني منه الكثير من المخرجين على مستوى العالم والعالم العربي بشكل خاص، وهنا في الأردن بدأنا بالنهوض أكثر من السابق والعديد من زملائي أخرجوا أفلاما طويلة لاقت القبول والعديد من الجوائز عالميا، وهذا مما يشجعني لخوض المزيد من التجارب كمخرج في المستقبل القريب.

المصدر : الجزيرة