موهبة وخيال ودقة.. أدوات شاب مغربي يتقن فن صناعة المنمنمات

‎⁨عز الدين الحسني شاب مغربي يبدع مصغرات لإنتاج موضوع متكامل (الجزيرة)

قليل من بودرة البُن ومسحوق سكر أبيض قد يُعِدّ بهما أيّ شخص فنجان قهوة، يشربها على عجل، لكنّ روحا مبدعة وأيادي بارعة وحدها قد تحولها على مهل إلى تراب وثلج وتصنع منها مجسّما يحاكي الواقع.

لم يلج معاهدَ للتكوين، ولا استديوهات للتصوير، علّم نفسه بنفسه، وطوّع ما توفر لديه من مادة خام بحسه وحدسه. إنه عز الدين الحسني (35 سنة) من مواليد حي شعبي بمدينة سلا القريبة من العاصمة المغربية الرباط، يشق خطاه بتفان في مجال فن المصغرات أو المنمنمات.

سر إبداع الفنان عز الدين الحسني يكمن في التفاصيل الدقيقة (الجزيرة)

طفولة مؤجلة

تحمل عز الدين المسؤولية صغيرا، واضطر إلى مغادرة الدراسة والعمل في سن مبكرة، ويروي -للجزيرة نت- من ورشته الصغيرة بحي "القرية" في ضواحي العاصمة، عن طفولته وكيف حمل الرمل والآجر مقابل دريهمات لسد الرمق، قبل أن ينتقل إلى العمل بتجارة الأثواب التي أصبحت مهنته فيما بعد.

ويقول عز الدين -للجزيرة نت- بعفوية " كنت أعمل وعيني تراقب الصغار يلعبون، خبّأت طفولتي بداخلي، وكأني أؤجلها".

يأخذك الحديث مع عز الدين إلى عوالم ممتلئة بالخيال والإبداع، فقد كان عز الدين يتوق إلى امتلاك لعب كغيره من الأطفال آنذاك، لكن قلة ذات اليد جعلته يبحث في المهملات عن لعب أو قطع لعب ويعيد تركيبها للعب بها، وحين كان يحصل على قطعة لعبة كاملة يحتفظ بها. ويذكر عز الدين كيف انبطح على بطنه وهو يحمل لعبة آلة تصوير بلاستيكية ليصور أول سيارة لعب حقيقية حصل عليها.

وببسمة لا تفارق محياه، وتواضع الفنانين العصاميين يقول عز الدين "لم أكن أعرف أنني سأصير ما أنا عليه اليوم، وسأنبطح لأصور السيارة نفسها بآلة تصوير حقيقية ضمن موضوع مصور، إذ قادني شغفي الطفولي إلى تطوير هواية تصوير ما كنت أجمع في البداية".

كل المواد قابلة للاستعمال في ورشة عز الدين لإنتاج المصغرات (الجزيرة)

من تصوير المصغرات إلى صناعتها

حين امتلك عز الدين هاتفا ذكيا بدأ يصور الأشياء من حوله من زوايا مختلفة، وبعد أن تمكن من اقتناء آلة للتصوير الفوتوغرافي، بدأ يُنطِق ممتلكاته من القطع الصغيرة، يشكّلها في موضوع متكامل، في شكل قصة خيالية، أو تشخيص يحاكي الواقع.

بدأ عز الدين يصنع خلفيات لموضوعاته، من خامات متوفرة، ودفعه تعذّر توفر المواد والقطع اللازمة لإكمال القصة أو الموضوع إلى صناعة مصغرات تكميلية، يقول "لم أكن أعرف بفن المصغرات وتصويره، وحين تقاطعت معه هواياتي، أصبح الإنترنت معلمي بعد الواقع والحياة".

ويصنع عز الدين اليوم مجسمات متكاملة بأحجام صغيرة تحاكي الواقع تماما، فإذا رأيت صور موضوعاته لا تكاد تصدق أنها تحمل في كف اليد. إذ إنه يأخذ المقاييس متناسبة مع شخصية أساسية (مجسم صغير لرجل آلي) اتخذها مقياسا لأعماله، كما يفعل مهندسو الديكور والعمران، غير أنه خرّيج الملاحظة والصبر والإصرار، يستلهم من الحياة والواقع والتجريب.

وكل المواد قابلة للاستعمال في ورشة عز الدين حيث تختلط ملونات الغذاء ببقايا نجارة الخشب وفُتات حبال، وإسفنج ملون، ووبر صوف، و ورق ألومنيوم، وأسلاك، وكل ما يمكن استعماله يستعمل، حتى آلة فرم الثوم من المطبخ قد تصلح لفرم بلاستيك أو فرو أو صوف.

يخاطب عز الدين جمهوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت صُوره تعرف انتشارا، وبدأ اسمه يشق الطريق لمرجع في فن يتطور باحتشام في المغرب.

بخامات بسيطة يحاكي الواقع ويوثق ثقافة أصيلة (الجزيرة)

ما هو فنّ المصغّرات؟

يصنف فن صناعة المصغّرات ضمن الحرف اليدوية التي تعتمد على الدقة وتغوص في التفاصيل، ويقوم على صناعة مجسمات تكون في حجم كف اليد أو أصغر، تحاكي الواقع، أو تخلق واقعا خياليا.

أنواع من هذه الفنون المصغرة تستخدم في تصاميم العمارة لتصغير المبنى من أجل التوضيح. وانتشر استعمال هذه الفنون في اليابان، في شكل صور و تماثيل وأشكال مصغرة.

وتطور فن صناعة المصغرات من رسم المصغرات قديما الذي كان يحاكي الأشخاص والرموز والأشياء قبل ظهور التصوير، ويعد من الفنون القديمة التي أعيد إحياؤها بطريقة معاصرة، إذ صنعت الحضارات القديمة مصغرات اكتشفها علماء الآثار، وكانت تعطي صورة دقيقة عن الحياة اليومية، منها ما رسم على العاج في الصين مثلا أو نحت على الصلصال في بيرو أو الخشب في فرنسا. وأبدع فنانو المصغرات المعاصرون في محاكاة الواقع بسلّم قياس يحمل في راحة اليد، قد يصبح تأريخا للواقع الحديث في المستقبل.

وتعكس مصغرات عز الدين العمق الثقافي المغربي، إذ تجد ضمن إبداعاته عادات المغاربة في العيد مثلا، أو توصيف الحمام أو الفرن، ويعمل على توثيق نمط العيش في سلا أيام طفولته، وقد يجمع مختبرا طبيا، أو غرفة معيشة كاملة في علبة خشبية تستطيع حملها معك أينما رحلت.

 

 

المصدر : الجزيرة