"بقايا امرأة" المحطم للقلوب.. رهان نتفليكس الناجح على ذوق الجمهور

صناع فيلم "بقايا امرأة" حولوا الدراما اللاذعة للقصة إلى قالب تغلب عليه الشاعرية (مواقع التواصل)

عرض فيلم "بقايا امرأة" (Pieces of a Woman) لأول مرة في مهرجان فينيسيا السينمائي، حيث فازت بطلته فانيسا كيربي بجائزة، وذلك قبل عرضه سينمائيا بصورة محدودة في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، ثم على منصة نتفليكس في نهاية الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني الجاري.

وانضم الفيلم سريعا إلى قائمة الأعلى مشاهدة على الرغم من كونه لا ينتمي إلى أحد الأنواع السينمائية الرائجة التي تجتذب المشاهدات عادة مثل أفلام الحركة أو الرعب، وحقق معدل 77% على موقع "الطماطم الفاسدة" (Rotten Tomatoes)، و7.1 من 10 على موقع "آي إم دي بي" (imdb) الخاص بتقييمات الجمهور.

قصة بسيطة

تدور أحداث فيلم "بقايا امرأة" في إطار بسيط للغاية حول عائلة صغيرة من زوج وزوجة في انتظار مولودتهما الأولى، ويختاران الولادة الطبيعية في المنزل، ولكن خلال الولادة تحدث بضعة تعقيدات في حالة الجنين الصحية، مما يؤدي إلى وفاة الصغيرة بعد مجيئها إلى العالم بلحظات قصيرة، لتدخل الأم في حالة من الفوضى النفسية التي تؤثر على كل من حولها.

السؤال الأهم بعد معرفة هذه القصة هو: كيف استطاع المخرج كورنيل موندروتشو والكاتبة كاتا ويبر نسج هذه الأحداث البسيطة الأقرب إلى الكليشيه المكرر في فيلم يستحوذ على كل هذا الإعجاب حول العالم لدرجة العرض في واحد من أهم المهرجانات العالمية، ويقوم بإنتاجه المخرج مارتن سكورسيزي بنفسه؟

حوّل صناع الفيلم الدراما اللاذعة للقصة إلى قالب تغلب عليه الشاعرية، فحتى مشاهد الولادة الصعبة تم تخفيف حدتها وتقديمها بشكل يوضح عمق العلاقة بين الزوجين، وكذلك بين الأم وجنينها، وكم الاستعدادات التي تم القيام بها في انتظار المولودة، وذلك مع استخدام الانتقالات الزمنية الموضحة بالتاريخ على الشاشة لتصل إلى المشاهد التغيرات في المشاعر التي تتقلب بينها الأم في رحلة اكتئاب ما بعد الولادة، والبحث عن مهدئ لآلام الفقد بين العمل والعائلة والاحتفالات الصاخبة، والانتقام من القابلة التي يرى كثيرون أنها قد تكون السبب في موت المولودة.

وتركزت القصة بالتبعية حول الأم ورحلتها الداخلية، فيما كانت الشخصيات الأخرى معاونة فقط على إظهار التطور خلال هذه الرحلة، ما بين الجدة التي قامت بأداء دورها الممثلة الشهيرة إلين بورستين، أو الأب المكلوم "شيا لابوف"، ولكن العبء الأكبر كان على الممثلة الرئيسية فانيسا كيربي.

بين الرمزية والمباشرة

جمع فيلم "بقايا امرأة" بين نقيضين، هما استخدام الرموز بصورة واسعة لتعزيز قصة الفيلم، وفي الوقت ذاته المباشرة الشديدة في الثلث الأخير منه، فنجد رموزا متكررة مثل بذور التفاح، فهذه البذور ترمز إلى الخصوبة والولادة والأمومة، خاصة أن فاكهة التفاح كذلك تحمل الكثير من الدلالات، فالتفاحة بشكلها الدائري تشبه الرحم الأنثوي.

لكن تكرار استخدام الرمز في أي نص -سواء كان سينمائيا أو غيره- يضعفه ويجعله واضحا أكثر من اللازم، ويتخطى دوره كمفتاح إضافي يستخدمه المشاهد في فهم العمل إلى محاولة تلقين الأخير أفكار المخرج بالإلحاح، خاصة أن فكرة الخصوبة والأمومة هي لب الفيلم الأساسي، وبالتالي لا تحتاج إلى استخدام رمز متكرر لتتضح، وربما كان الرمز احتفظ بقدسيته لو لم يتم استخدامه في مشهد النهاية بهذا الشكل الفج.

وبشكل متضاد تماما لهذا الاستخدام للرموز اتجه الثلث الأخير من الفيلم إلى المباشرة الشديدة عبر استخدام الحوار، ونجد هذا في الحوار بين البطلة وأمها، أي جدة الطفلة الفقيدة، ثم المونولوج الطويل للأم في المحكمة التي شرحت خلاله كل ما هو واضح منذ البداية، وبالتالي استخدم مخرج الفيلم المجاز وضده في نفس العمل، وهذا يدل إما على عدم وثوقه في قدرة المشاهد على استيعاب فكرة الفيلم البسيطة في الأساس، أو خلل في قدرته على استخدام أدواته السينمائية، فاضطر إلى استخدامها بصورة متكررة ومتضاربة.

لكن يحسب لمخرج الفيلم أنه لم يخف من ترك فراغات بلا حوار لأوقات طويلة، ليترك المشاهد يتقبل دفقات المشاعر المتقلبة للبطلة دون أن يوجه مشاعره بالكلمات، وربما لو اختصر استخدام الأخيرة أكثر في الثلث الأخير من العمل لحافظ على هذا الإيقاع المتلائم مع فكرة تبدو مكررة لكن تناولها هو المختلف.

وفي النهاية، فإن فيلم "بقايا امرأة" تجربة خارجة عن المألوف بالنسبة لنتفليكس استطاعت إثبات مدى تنوع المنصة وأذواق مشاهديها الذين يتقبلون أفلاما من أنواع شتى، ومع استمرار وضع الإغلاق وقلة عدد الأفلام المعروضة في دور العرض السينمائية فإن نتفليكس وغيرها من المنصات أصبحت هي المنفذ الوحيد للأعمال السينمائية، سواء التجارية أو الفنية.

المصدر : الجزيرة