خوف بلا شياطين.. تجربة "الحارث" في ميزان أفلام الرعب

فيلم الحارث- مصر - مواقع التواصل
فيلم "الحارث" بطولة أحمد الفيشاوي وياسمين رئيس (مواقع التواصل)

بدأ قبل أيام عرض فيلم "الحارث" على منصة "شاهد"، ليصبح ثاني الأفلام المصرية التي تعرض حصريًا على المنصة قبل طرحها في دور العرض، الفيلم الأول كان "صاحب المقام" الذي عرض بالتزامن مع عيد الأضحى الماضي.

فيلم "الحارث" من تأليف محمد عبد الخالق، وسيناريو وحوار محمد إسماعيل أمين، وإخراج محمد نادر، وينتمي لنوعية الرعب والتشويق.

ماضٍ غير مخيف

رغم أن الجمهور المصري والعربي يشاهد الكثير من أفلام الرعب الأميركية، وأحيانا الآسيوية، حتى إن بعض القنوات التلفزيونية تخصص يومًا لعرض أفلام الرعب، فإننا لا نجد الكثير من أفلام الرعب المصرية.

لا يتجاوز الأمر فيلمًا أو اثنين كل بضع سنوات، وما يبقى منها في الذاكرة قليل جدًا. النماذج الأشهر من الأفلام القديمة هي "سفير جهنم" إخراج يوسف وهبي (1945)، و"الإنس والجن" إخراج محمد راضي (1985)، و"التعويذة" إخراج محمد شبل (1987).

يحتوي التراث العربي على الكثير من القصص المخيفة والمتأصلة في الثقافة العربية، لكننا للأسف لم نشاهد استغلالا جيدًا لهذا التراث في السينما. في السنوات الأخيرة بدا أن هناك نية لإعادة تقديم نوع الرعب بتكلفة إنتاج جيدة، إذ يعتمد هذا النوع عادة على الكثير من الخدع والمؤثرات البصرية.

هكذا شاهدنا في السينما "الفيل الأزرق" بجزءيه من إخراج مروان حامد، ولا سيما الجزء الثاني الذي جاءت فيه جرعة الرعب أكبر وأكثر تأثيرًا في بناء الفيلم، وعلى شاشة التلفاز شاهدنا مسلسل "كفر دلهاب" إخراج أحمد نادر جلال.

لكن كلا العمليْن، وإن قدم مشاهد رعب جيدة على مستوى التنفيذ، جاء ضعيفًا وغير مقنع على مستوى السيناريو تحديدًا. ينتمي فيلم "الحارث" للأعمال متوسطة التكلفة، لكنه في الوقت نفسه يضم مجموعة كبيرة من الممثلين الذين حققوا الكثير من النجاحات، فهل تجاوز أخطاء الأعمال السابقة في السيناريو، أم تفوق فقط في المشاهد المرعبة، أم أخفق في كليهما معًا؟

رعب أم تشويق؟

تبدأ أحداث الفيلم في واحة سيوة عام 1982، إذ نعرف أن هناك ليلة يطلقون عليها ليلة الحارث، في إشارة للشيطان، وفي هذه الليلة يختار الشيطان إحدى بنات القرية ليتزوجها وتحمل منه. ننتقل لاحقًا إلى عام 2018 لنتابع الصحفي يوسف (أحمد الفيشاوي) الذي يعاني من بعض المشاكل مع زوجته فريدة (ياسمين رئيس)، ويبدو أن لعنة ما أصابتهما بعد أن أمضيا شهر العسل في واحة سيوة.

أسس الفيلم لفكرته بشكل جيد ومشاهد مشوقة في البداية، دون الاعتماد على مشاهد الرعب التقليدية المعروفة بـ"الخضات" (Jump Scares)، بل اعتمد بشكل أكبر على التشويق. لكن للأسف لم يستمر هذا طويلًا، إذ بعد انتهاء الفصل الأول الذي نتعرف فيه على اللعنة وأبعادها، نقضي فصلا طويلا عبارة عن مشاهد شبه مكررة للشجار بين يوسف وفريدة، إذ تشكو هي من أنها ترى أشياء مخيفة في البيت، بينما يؤكد لها هو أنها تحتاج إلى زيارة طبيب نفسي، حوالي نصف الساعة أمضيناها في هذه الدائرة دون حدوث تطور في الأحداث.

الأزمة الأخرى هي أنه بينما أضاع الفيلم وقتا طويلا دون إضافة جديدة، فإننا وجدنا بعض المعلومات المهمة تظهر بشكل مفاجئ ودون تأسيس كافٍ، بينما كانت الكثير من تفاصيل الشخصيات غير مفهومة وليست ذات تأثير.

على سبيل المثال لم نفهم سبب أن تكون مهنة شريف هي الصحافة، فزوجته تشكو طول الوقت من غيابه الدائم، بينما مهنة صحفي أو حتى رئيس تحرير صفحة الاقتصاد في جريدة لا تستوجب هذا الغياب المبالغ فيه الذي حاول الفيلم إقناعنا بأنه طبيعي.

يأتي الفصل الثالث ليقدم الكشف وسر اللعنة، لكنه للأسف لا يقدم تفسيرًا مقنعًا وتبقى الكثير من الأسئلة عالقة كما هي، هذا إذا تغاضينا عن النهاية غير المقنعة على الإطلاق للتغلب على الشيطان كما هو مفترض.

هكذا نجد أن الفيلم لم يقدم شيئا جديدًا، فلا هو نجح في صناعة مشاهد مرعبة قوية التنفيذ مثل التي شاهدناها في "الفيل الأزرق 2" على سبيل المثال، ولا هو نجح في تعويض نقص الرعب بصناعة قصة وأحداث شيقة ومثيرة للمشاهد.

العرض قبل السينما

يُعرض هذا الفيلم على منصة شاهد قبل عرضه في دور العرض، وهذا هو الفيلم الثاني الذي يخوض هذه التجربة، وإن كان مُنتج فيلم "صاحب المقام" قد صرح لاحقًا بأن الفيلم لن يُعرض في دور العرض وسيكتفي بعرضه على المنصة ثم قنوات التلفزيون.

من التفاعل الذي جاء حتى الآن على الفيلمين، يمكن القول إن نسبة المشاهدة لهذه الأفلام كبيرة. وبناء على تصريح المنتج أحمد السبكي، فإن نسبة مشاهدة "صاحب المقام" على منصة شاهد تجاوزت 20 مليون مشاهد، وهو رقم يتفوق بالتأكيد على أكبر عدد تذاكر حققه أي فيلم مصري في السنوات الأخيرة داخل مصر.

فيلما "الحارث" و"صاحب المقام" ليسا من الأفلام الجماهيرية تمامًا، حتى وإن انتمى الثاني إلى نوع الرعب، فإن بطليه ليسا من النجوم ذوي الجماهيرية الكاسحة حتى ينجحا في تسويق الفيلم وحدهما، وبالتالي فإن العرض على المنصة مباشرة هو حل أفضل بالنسبة للعملين، وحقق لهما نسب مشاهدة بالتأكيد لم تكن ستتحقق في دور العرض، حتى لو كانا قد عرضا في ظروف عادية بعيدًا عن أزمة كورونا.

يبدو حتى الآن أن منصة شاهد تعرف كيف تقتنص الأعمال المختلفة حتى تعرضها على شاشتها، ولكن هل يشجع هذا المزيد من المنتجين لصناعة أفلام مختلفة للعرض على المنصات مباشرة دون دور العرض؟ ربما نشاهد هذا قريبًا مع استمرار إغلاق دور العرض ولو جزئيًا نتيجة جائحة كورونا.

المصدر : الجزيرة