المعادلة الصعبة.. ما حققه حاتم علي في الدراما العربية

المخرج السوري الراحل حاتم علي
تأثيرات علي على الدراما السورية والعربية كانت واضحة فهو مخرج متطور ونابغ (مواقع التواصل)

بدأ السوري حاتم علي مسيرته الإخراجية منتصف التسعينيات تقريبا بعد أن نضج كممثل في الدراما السورية التي صنعت "نجوميته". فقد بدأ التمثيل منتصف الثمانينات تقريبا، وظل يمثل حتى اللحظات الأخيرة من عمره، ورغم انهماكه في عمله مخرجا فإنه لم ينس يوما تألقه كممثل.

محطات فارقة

تأثيرات علي على الدراما السورية والمصرية خاصة والعربية بشكل عام كانت واضحة، فهو مخرج متطور ونابغ استطاع منذ دخوله عالم الإخراج أن يحفر مكانة واضحة وسط أقرانه، وأن يكون صوتا مختلفا في توقيت كان الاختلاف نقمة أكثر منه نعمة.

البداية في بلده الأم، وقد أثبت نفسه ممثلا بدأ على استحياء عن طريق السهرات التلفزيونية التي جعلته قريبا من قلوب المشاهدين أعقبها بتعاون ناجح لمواسم المسلسل السوري الشهير "مرايا" مع النجم ياسر العظمة، فأخرج موسمين من المسلسل الشهير والذي يحمل نبرة تهكمية وناقدة للمجتمع.

لم يكتف صاحبنا بهذا القدر ولكنه استمر في النبرة الناقدة للمجتمع، فقام بإخراج مسلسل "عائلتي وأنا" لدريد لحام ومسلسل "الفصول الأربعة" بجزئيه من تأليف زوجته دلع الرحبي وبطولة خالد تاجا وهالة شوكت وجمال سليمان.

كان الطريق ممهدا لعلي عقب هذه المسلسلات أن يدخل مرحلته الثانية في الإخراج حيث بدأها بمسلسل "الزير سالم" ومسلسل "صلاح الدين الأيوبي" وظهر عقب ظهور الجزء الأول للمسلسل المصري "نسر الشرق" الذي تناول حياة صلاح الدين الأيوبي للمخرج المصري المخضرم حسام الدين مصطفى، ولكن بالمقارنة فقد أثبت علي أن نسخته من "صلاح الدين" كانت الأفضل في أغلب عناصرها الدرامية.

 

درة الأعمال

عام 2004 وعقب عرض مسلسل "ربيع قرطبة" تظهر درة أعمال علي تلك المرحلة وهو مسلسل "التغريبة الفلسطينية" الذي شهد تكاملا في أغلب عناصره، خاصة مع القضية التي يناقشها المسلسل وهي النكبة وآثارها على أسرة فلسطينية فقيرة تُكافح مِن أجل البقاء في ظل الانتداب البريطاني ثمّ خلال الثورة الفلسطينية الكبرى. وفي خِيم اللجوء بعد النكبة، حيث تُلخص الأحداث التي مرت بها هذه الأسرة حقبةً تاريخية هامة في حياة الفلسطينيين امتدت ما بين ثلاثينيات وستينيات القرن العشرين مروراً بالعديد من الأحداث الهامة، حتى نكسة يونيو/حزيران 1967.

لم يكتف علي بصناعة هذا المسلسل الذي مس الأوجاع العربية، ولكنه أكمل مشواره في المسلسلات التاريخية عن طريق "ملوك الطوائف" الذي ناقش التناحرات العربية عن طريق سرد لفترة ملوك الطوائف بعد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس، ونشوء الدويلات الصغيرة المتناحرة بمدن الأندلس العربية، كما يحكي عن ظهور ونشأة "المرابطين" في المغرب، وسيطرتهم في النهاية على دويلات ملوك الطوائف صيانة لها من الوقوع في يد قشتالة التي تحالف معها الكثيرون من ملوك الطوائف.

وهكذا كان الطريق ممهدا لعلي لتقوم إحدى شركات الإنتاج الكبرى بالاستعانة به ليقوم بإخراج مسلسل "الملك فاروق" الذي كان طفرة إنتاجية وإخراجية وقتها، فعلى عكس مسلسلات السير الذاتية، استعرض شكل الحياة في مصر من خلال حياة آخر ملوك مصر. وقد نجا المسلسل من جزئية الإغراق في الذاتية على حساب الصورة الكلية، كما هو متعارف عليه في مسلسلات السير الذاتية وبخاصة مسلسلات مثل "الأيام" و"أم كلثوم". وكان المسلسل متكاملا في أغلب عناصره من إخراج وصورة وتمثيل، ليكون درجة جديدة في سلم صعود هذا المخرج.

مسلسل عمر

يختتم علي مرحلة المسلسلات التاريخية بـ "عمر" وهو الأضخم من حيث الإنتاج بتكلفة وصلت 200 مليون ريال سعودي وهو ما يعادل 53 مليون دولار وقتها، حيث تشاركت شبكة قنوات "إم بي سي" (mbc) في إنتاجه بالاشتراك مع مؤسسة قطر للإعلام، وهو الإنتاج الأضخم دراميا وقتها.

وتميز المسلسل بعدد من العناصر مثل المعارك الضخمة والتي أظهرت كامل قدرات علي في السيطرة على طواقم العمل، واستمرارا للصورة الجديدة التي يقدمها في أعماله الدرامية السابقة. وشهد "عمر" الكثير من الجدل حيث طالب الكثيرون بمنع عرضه لتجسيده عددا من شخصيات الصحابة.

استمر علي بعد ذلك في تقديم مسلسلات كثيرة آخرها كان "أهو دا اللي صار" عام 2019 والذي حظي بنجاح ملحوظ نظرا لاختلافه وتفرده، وكان يحضر لتصوير مسلسله الجديد "سفر برلك" في مصر، وهو المشروع الأضخم إنتاجياً في العالم العربي بحسب تصريحات الشركة المنتجة.

وكان علي ينوي تحويل رواية "موزاييك دمشق" للكاتب السوري فواز حداد إلى فيلم روائي طويل، ومثلها رواية "زمن الخيول البيضاء" للشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله، إضافة إلى تقديم نسخة سينمائية جديدة من عمله "الزير سالم" بطولة النجم جمال سليمان، إلا أن الموت اختاره ليرحل عن عالمنا يوم 29 ديسمبر/كانون الأول عن عمر ناهز 58 عاما بأحد الفنادق بالقاهرة.

المصدر : الجزيرة