جذوره عباسية والقادرية أشهر طرقه.. تعرف على الغناء الصوفي في العراق

فرقة حلم هي من أوائل الفرق العراقية التي تخصصت في الغناء الصوفي الحديث
فرقة حلم من أوائل الفرق العراقية التي تخصصت في الغناء الصوفي الحديث (الجزيرة)

يعتقد كثير من المؤرخين أن العراق كان المهد الأول للتصوف الإسلامي، حيث يرقد الصوفية الأوائل كالحارث المحاسبي والجنيد البغدادي ومعروف الكرخي ورابعة العدوية وغيرهم، ومن تعاليمهم نبتت بذرة الطرق الصوفية، التي انتسبت لعدة شيوخ، كان في مقدمتهم دفين بغداد الشيخ عبد القادر الجيلاني.

ونشأت برفقة ذلك آداب وفنون، كان من بينها الإنشاد الصوفي، الذي تطوّر وأخذ أشكالاً عدّة، في مختلف البلدان، وبات جزءاً من تراثها الفني وفولكلورها الشعبي.

وقد اجتذب الإنشاد الصوفي خلال السنوات الأخيرة عدداَ من الشباب العراقي، وشارك بعضهم في مهرجانات خارج البلاد، مثل المنشد علي ماهر، الذي شارك في ملتقى الشارقة بدولة الإمارات، ومناسبات أخرى.

ويفضّل ماهر التمييز بين مصطلحي الإنشاد والغناء، على اعتبار أن مصطلح الإنشاد هو أكثر تعبيراً عن الفن الصوفي من الغناء، لأن الأخير "لا يحتوي على المعاني والروحانيات الصوفية". كما أن لكلا المصطلحين إطارا موسيقيا مختلفا تماماً عن الآخر، وتباين جذري بين نسق و"ثيمات" الإنشاد مع الغناء، على حد قوله.

ويقول ماهر إن الإنشاد الصوفي هو من أكثر أنواع الفنون تعبيراً عن طاقات الفنان الصوتية والموسيقية، ورغم تأثره كمنشد ببيئة الإنشاد المحلية في العراق بالدرجة الأولى؛ فإن تأثر كذلك ببعض الأصوات المهمة والمعروفة في العالم العربي، مثل سيد النقشبندي، وكامل يوسف البهتيمي، ومحمد عمران وغيرهم.

الفنان فهد عبد الرحمن: بدأنا في تأسيس أسلوب معاصر للموسيقى الصوفية في العراق
عبد الرحمن: بدأنا في تأسيس أسلوب معاصر للموسيقى الصوفية في العراق (الجزيرة)

"حلم" على الطريق

وقد برزت خلال السنوات الأخيرة فرق اختارت أن تتخصص في الغناء الصوفي، كان في مقدمتها فرقة "حلم"، التي تأسست عام 2012، وكانت في البداية تقدم ألواناً موسيقية عراقية ومصرية، قبل أن تتخصص في الغناء الصوفي.

لكن البداية "الصوفية" كانت مع قصيدة لرابعة العدوية، لحنها وغنّاها مؤسس الفرقة فهد عبد الرحمن بنفسه، ثم واصلت بعدها الفرقة في المسار نفسه، وكانت في بدايتها تستخدم الدفوف بشكل رئيسي، تأثراً بأجواء الذكر في الطريقة الكسنزانية.

ووفقاً لعبد الرحمن فإن الموسيقى الصوفية في العراق تكاد تكون محصورة في التكايا فقط، وليس كما هو الحال في تركيا وإيران والمغرب العربي، مضيفاً أنهم بدؤوا بدراسة هذه التجارب الموسيقية، وتأسيس أسلوب معاصر للموسيقى الصوفية في العراق.

لم تكتف "حلم" بذلك، بل خلطت بين المقامات العراقية والموسيقى الحديثة، ثم أدخل القائمون عليها الغيتار وبعض آلات الإيقاع الغربية في أعمالها، "حتى يكون هناك تمازج بين الموسيقى الشرقية والغربية، وكي تصل لجميع الناس".

غير أن الطريق لا يزال طويلا أمام تحقيق الحلم، فالموسيقى الصوفية في العراق لا تزال نخبوية، وجمهور حفلاتها محدود.

لكن ذلك لم يمنع أعضاءها من المضي في مسيرتهم، حتى تحولوا إلى أبطال لفيلم وثائقي حمل اسم "الفرقة"، أخرجه الباقر جعفر، وجسّد فيه أعضاء الفريق معاناتهم مع بعض التوجهات الدينية التي تحرّم عزف الموسيقى وإقامة حفلاتها.

وشارك الفيلم الذي أنتج عام 2017 في مهرجانات خارج العراق وفاز بعدة جوائز، من بينها جائزة "معهد العالم العربي" لأفضل فيلم وثائقي طويل من مهرجان السينما العربية بباريس، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل مخرج عمل أول في مهرجان "السينما للجميع" في مصر وغيرها.

جانب من حضور في إحدى حفلات الغناء الصوفي الذي يوصف بالنخبوي عراقياً
جانب من الحضور في إحدى حفلات الغناء الصوفي الذي يوصف بالنخبوي (الجزيرة)

جذور ضاربة في القدم

ويشير الباحث في تاريخ المقام العراقي حسين الياخندي إلى أن تاريخ التمدن في العراق قديم، ومع التمدن نشأت ألوان الطرب والغناء بأشكالها المختلفة، مضيفاً أن جذور الغناء الصوفي والعراقي بشكل عام تعود إلى عهد الدولة العباسية.

ولا تزال هناك أغان وقطع موسيقية عراقية تعود إلى ذلك الزمن، حين كان الحكام والسلاطين يحتفون بأصحاب الأصوات الجميلة، واستقدموا العديد منهم من مختلف الأقطار، حتى نشأ فن صوفي عراقي، تنوعت ألوانه بين الريف والحضر، والشمال والجنوب والغرب.

ويضيف للجزيرة نت أن الطرق الصوفية كثيرة في العراق، ولكلّ طريقته الخاصة في أداء الغناء، وأشهرها الطريقة القادرية التي تحتفظ إلى اليوم بـ "تهليلة" خاصة، تُقرأ وفق أنغام و"أشغال" معينة، لا يحيد عنها قارئها.

أما في العصر الحديث فيعدّ الملا عثمان الموصلي رائد الموسيقى الصوفية، ومؤسس فن المنقبة النبوية، الذي ترك آثاره على المديح النبوي في العراق وأقطار عربية أخرى.

وبحسب الياخندي فإن الغناء الصوفي هو الذي أثرى الغناء الحديث وليس العكس، فكثير من رواد المقام العراقي كانوا يقرؤون أبيات الشعر لأهل التصوف كابن الفارض والبرعي والجيلي.

وكذا الحال مع فنانين معاصرين كبار، كناظم الغزالي الذي استقى بعض أغانيه من أناشيد عثمان الموصلي، كما في "أم العيون السود"، و"فوق النخل"، وأصلها من المديح النبوي، كما يؤكد الباحث.

وحول تطويره؛ يشير الياخندي إلى أن الغناء الصوفي في العراق نضج بشكل كبير ومادته دسمة، ولا يحتاج إلى تطوير من حيث الكلمة أو اللحن، لكنه بحاجة لأن يُطرح بشكل جديد، من خلال التوثيق الموسيقي المصحوب بآلات حديثة وأصوات جميلة، كما يفعل الأتراك اليوم، بحسب تعبيره.

المصدر : الجزيرة