شعار قسم مدونات

اليابان ما قبل النهضة الصناعية الأولى!

Kyoto, Japan - February 01 2024: Colorful panorama in Fushimi Inari-Taisha temple.Since ancient times in Japan ...
مثل طبيعتها الجغرافية المعزولة كانت اليابان تعيش حالة عزلة حضارية وكانت سياستها النأي بالنفس كذلك (شترستوك)

اليابان، بلاد الشمس المشرقة، واسمها باللفظ الياباني "Nihon / Nippon". للحالة اليابانية لدينا نحن العرب خاصة حالة من الألق، ربما لأنها تشكل شكلا من أشكال الأمل، كبلد تعرضت إلى دمار شامل وخسارة نكراء بعد الحرب العالمية الثانية.

إلا أنها وبعد سنين معدودة استطاعت تجاوز هذا كله، وبرزت كقوة اقتصادية منافسة بقوة لغريمتها الولايات المتحدة الأميركية. وربما لكونها نموذج شرقي قد يتلاقى مع نموذجنا الشرقي المحافظ بحال من الأحوال، أكثر من التجربة اليابانية مثلا.

فصول عديدة مثيرة بالحكاية اليابانية تجتذب المدقق ليسع وراءها ويعرف جذورها، وسأبدأ نظرتي من التاريخ الحديث نسبيا، تقريبا من بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر في جوار عام ١٨٦٠.

الإمبراطور في ذلك العصر يدعى مايجي، وهو اسم اختاره الإمبراطور كومي حين تقلد الحكم، ويعني المتنور كرمز للعصر الجديد. وصدر القرار بالتغيير فرضخت بعض الإقطاعيات طوعا وساهمت في صنع هذا التغيير وإنجاحه.

ولكن أولا دعونا نلقي نظرة جغرافية على تلك البلاد المنعزلة في أقصى الشرق. فاليابان جغرافيا عبارة عن أرخبيل بحري. أي مجموعة جزر وسط المحيط. تقابلها الصين من الناحية الجنوبية الغربية، فيفصلهما بحر اليابان، الذي يمتد شمالا ليفصلها عن روسيا والكوريتين، أما من جهة الشمال فيحد اليابان مضيق لابيروز، والذي يفصلها عن بحر أوخوتسك، وجزيرة سخالين التابعة لروسيا، ويحدها المحيط الهادئ من الجهتين الشرقية والجنوبية، لتقع قبالتها شواطئ الولايات المتحدة الأميركية شرقا.

وبالفعل، فمثل طبيعتها الجغرافية المعزولة، كانت اليابان تعيش حالة عزلة حضارية حتى عن المجتمعات الأخرى في ذلك الوقت، فكانت سياستها النأي بالنفس، وكانت مقسمة ومحكومة بنظام الاقطاعات، فحكمت اقطاعيا.

لكل قطاع عائلة تحكمه وينتهي الحكم العام إلى سلطة الإمبراطور الشكلية، والذي سبق وأن وزع البلاد على الإقطاعيين بنفسه في وقت سابق، وتمايز الشعب بطبقات يحق لبعضها ما لا يحق لغيره حتى في التعليم. وكانت طبقة الساموراي والتي تعمل لصالح الإقطاعيين إحدى أرقى الطبقات، ولو أنها لم تكن غنية اقتصاديا إلا أنها كانت سامية أخلاقيا وتعيش حياة الإيثار للآخرين على حساب مصالحاها الشخصية، فتحيا مدافعة عنهم.

بقيت اليابان كذلك حتى جاءت الحملات العسكرية الغربية، وأرادت أميركا البلد الناشئة بقوة وعنجهية فرض سيطرتها على سواحل اليابان، خاصة وأنها قبالة سواحل الصين وكوريا، وكذلك حال بعض الدول الأوربية، كهولندا.

وبدأت أميركا بالتهديد بفرض سيطرتها بالإكراه، وهنا استيقظ بعض حكام الإقطاعيات ومساعديهم من الساموراي وفضلوا وجوب توحيد اليابان تحت راية الإمبراطور، خاصة لما انبهروا بالتطور الحديث للأسلحة الأميركية والأوربية بينما لم تمتلك اليابان ذلك.

كان الإمبراطور في ذلك العصر يدعى مايجي، وهو اسم اختاره الإمبراطور كومي حين تقلد الحكم، ويعني المتنور كرمز للعصر الجديد. وصدر القرار بالتغيير (وهنا لابد من التنويه إلى دور البطانة الجيدة والداعمة بالتأكيد)، فرضخت بعض الإقطاعيات طوعا وساهمت في صنع هذا التغيير وإنجاحه.

هدف السيد كوباياشي مختلف عن المألوف لنا بطبيعة الحال، فكان له رؤيته، وحاول إقناعهم قائلا: لو أننا وزعنا المئة كيس أرز وأكلناها، فستنتهي ويجوع الناس من جديد، بينما لو بعناها وبنينا بثمنها مدرسة، فستتحول المئة كيس أرز إلى مئة ألف.

ولكن للتغيير معارضين دوما، ولا بد من ظهور المقاومة، وقد يدفع البعض الضريبة غالية، فشنت الحرب على بعض الإقطاعيات وخسر أهلها الكثير. إلا أن الهدف كان التغيير لليابان نحو الأفضل في النهاية، وتم إرسال الدعم والمعونات بعد فرض السيطرة، وأرسل مئة كيس أرز لأحد هذه المناطق وكان السيد كوباياشي مسؤولا عن أحد هذه الإقطاعيات واستلم المئة كيس أرز، ولكنه امتنع عن توزيعها على الشعب الجائع.

بالتأكيد نسمع عن حالات كهذه في عصرنا وبلداننا، إلا أن هدف السيد كوباياشي مختلف عن المألوف لنا بطبيعة الحال، فكان له رؤيته، وحاول إقناعهم قائلا: لو أننا وزعنا المئة كيس أرز وأكلناها، فستنتهي ويجوع الناس من جديد، بينما لو بعناها وبنينا بثمنها مدرسة، فستتحول المئة كيس أرز إلى مئة ألف.

وبالفعل وبالرغم من رفض بعض السكان إلا أنه تم بيع الأرز وإنشاء مدرسة كابو غوكان. فكانت حجرا في طريق نهضة غيرت مسار اليابان.

هي قصة تذكرنا بأن الطعام والشراب والملبس ليس كل شي، ولكن طرق وسبل التغيير تبدأ بعوامل أخرى عديده، أهمها العلم وربما الأمان أو أي عامل من عوامل التنمية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.