من عالم الأساطير إلى موائدنا.. كيف عرفنا طبق الأرز؟

الأرز هو الحاضر الدائم على موائد الطعام وخاصة في شهر رمضان بوصفات متعددة في مختلف الثقافات (بيكسلز)

في رمضان لا تكاد مائدة في العالم تخلو من الأرز، سواء كان الطبق الرئيسي أو الجانبي. يطهى الأرز في أكواخ صغيرة وكذلك في فنادق فاخرة، وبعيدا عن رمضان يمكن تناوله أكثر من مرة في اليوم الواحد، حيث يعد عنصرا أساسيا صحيا يوفر العديد من العناصر الغذائية.

فما حكاية طبق الأرز؟ كيف ظهر وسافر عبر العالم؟ وما أشهر الأطباق المصنوعة منه؟

حكايات وأساطير

هناك العديد من القصص حول أصول الأرز. وفي كتابه "قصة الأرز" (The Story of Rice)، يشير الكاتب الهندي راميش دوت شارما إلى عدد من الأساطير التي نسجت حول بداية اكتشاف الأرز.

تقول الأساطير اليابانية إن بجعة كانت تحلق في السماء أعطت حبات الأرز لإلهة الشمس "أماتريشو أومي كامي" التي زرعت الحبوب ونبتت وازدهرت، ثم قدمت إلهة الشمس ذلك الحصاد السماوي إلى حفيدها الأمير "نينجي"، وأمرته بأخذ تلك الحبوب إلى أرض الثماني جزر العظمى، في إشارة إلى اليابان.

وفي الفلبين نسجت حكاية أخرى حول فتاة صغيرة لعائلة من العبيد المملوكين لسيد قاس، كان اسمها "أغماي" وكانت تجلس حزينة بالقرب من جدول ماء، تبكي وهي تفكر في مصير عائلتها، وعندئذ فقط رأت حزمة ذهبية تتلألأ بالقرب من جدول الماء، التقطت "أغماي" الحزمة التي تحمل حبوبا ذهبية ودفنتها في الوحل بالقرب من الجدول.

نبتت الحبوب ونمت، وبعد بضع سنوات من الزراعة والحصاد كان هناك ما يكفي من الحبوب لملء كوخ أسرتها بالأرز، واستطاع والد "أغماي" دفع مبلغ كبير من المال لمالكه وأصبح رجلا حرا.

الأرز يعد الغذاء الأساسي لأكثر من نصف سكان العالم (بيكسابي)

وفي الصين يعد الأرز هبة الحيوانات، وتقول الأسطورة إن فيضانات كارثية وقعت ودمرت جميع النباتات ولم يكن هناك طعام متاح، ثم في أحد الأيام ركض كلب عبر الحقول إلى الناس وبذور الأرز تتدلى من ذيله، زرع الناس البذور ونما الأرز واختفى الجوع.

وبعيدا عن الأساطير، تأتي الحكاية الأقرب للواقع من الصين حيث تم زرع الأرز قبل نحو 7700 إلى 8 آلاف عام في مقاطعة تشجيانغ، بالقرب من نهر اليانغتسي الذي عثر على ضفافه على بقايا أثرية للأرز، وفقا لموقع "جيوغرافي" (Geography).

كيف وصل إلى موائدنا؟

بعد تدجين النبات في الصين، انتشرت زراعة الأرز وامتدت شرقا إلى كوريا واليابان وغربا إلى الهند، وزرع الأرز في شمال شرقي الهند وميانمار منذ نحو 4 آلاف عام، ووصل إلى جنوب الهند قبل قرابة 1400 عام.

وحسب الكاتب الهندي راميش دوت شارما، نقل التجار البحريون والمحاربون والمسافرون الأرز إلى أنحاء العالم كافة، ووصل الأرز الآسيوي إلى أفريقيا مع البحارة الجاويين واستقر على شواطئها الشرقية، حيث بدأت زراعته في مدغشقر.

ووصل الأرز إلى أوروبا في القرن الـ11 على يد التجار العرب الذين نقلوه من الهند إلى إيران ثم مصر، ومنها إلى إسبانيا وصقلية، ثم انتقل من إسبانيا إلى البرتغال، وفي وقت لاحق وصل إلى إيطاليا ومن هناك إلى بلغاريا ويوغوسلافيا ورومانيا، واستوردت روسيا الأرز أول مرة من إيران في أوائل القرن الـ18 الميلادي.

وفي عام 1685 رست سفينة قادمة من أفريقيا في مدينة تشارلستون في ولاية كارولينا الجنوبية لإصلاح عطل أصابها، وعند المغادرة ترك القبطان كيسا عرفت الولايات المتحدة الأميركية بسببه زراعة الأرز.

أنواع مختلفة

يعد الأرز الغذاء الأساسي لأكثر من نصف سكان العالم، ويعتبر جزءا حيويا من التغذية في معظم أنحاء آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي، حيث يوفر أكثر من خمس السعرات الحرارية التي يستهلكها البشر في جميع أنحاء العالم.

وحسب "المنتدى الاقتصادي العالمي" (Weforum)، فإن 10 دول فقط مسؤولة عن 85% من إنتاج الأرز في العالم، واحدة منها خارج آسيا هي البرازيل، و2 منها هما الصين والهند تنتجان معا أكثر من نصف الإنتاج العالمي.

وفي العالم أكثر من 40 ألف نوع من الأرز، وفقا لموقع "ذا فوركيد سبون" (Theforkedspoon). وعلى الرغم من ذلك العدد الهائل فإن أكثر أنواع الأرز شيوعا هو الأرز الآسيوي (Oryza sativa) الذي يحتوي على نوعين فرعيين رئيسين "إنديكا" و"جابونيكا". ويختلفان أساسا في الطول والالتصاق: "إنديكا" طويل الحبة وغير لزج بينما "الجابونيكا" قصير الحبيبات ولزج، ويعرف أيضا باسم دبق.

وتشمل أنواع أرز "إنديكا" أرز البسمتي وأرز الياسمين، بينما تشمل أنواع أرز "الجابونيكا" الأرز الإيطالي أربوريو وأرز كالروز.

ويعد الأرز مصدرا غنيا بالكربوهيدرات التي يمكن أن تبقي الجسم نشيطا، والأرز البني، وهو من الحبوب الكاملة، على وجه الخصوص يمثل مصدرا ممتازا للعديد من العناصر الغذائية، مثل الألياف والمنغنيز والسيلينيوم والمغنيسيوم وفيتامين ب. لكن حتى الأرز الأبيض يحتوي على مغذيات، وهو مصدر جيد لحمض الفوليك.

الأرز يوفر أكثر من خمس السعرات الحرارية التي يستهلكها البشر في جميع أنحاء العالم (بيكسابي)

في رمضان

في المطبخ يتميز الأرز بقدرته على امتصاص أي نكهات يقدم بها، لذا فهو الحاضر الدائم على موائد الطعام وخاصة في شهر رمضان بوصفات متعددة في مختلف الثقافات.

وفي دول الخليج العربي، يحتل الأرز مساحة رئيسة على مائدة رمضان، بجانب اللحوم بأنواعها المختلفة. ومن أشهر أكلات الخليج وتحديدا السعودية طبق "الكبسة" المصنوع من الأرز المبهّر واللحوم والمكسرات، الذي انتشر في العديد من الدول مع إضافات وتغييرات تتفق مع ثقافة الأكل في كل دولة.

وفي اليمن يعد "المندي اليمني" الطبق الرئيس في أغلب إفطارات شهر رمضان، ويتكون من الأرز الملون مع اللحوم.

أما على مائدة رمضان العراقية فيكون "القوزي العراقي" حاضرا بقوة، وهو طبق غني بالأرز والتوابل واللحم، ويقدم غالبا في المناسبات، ويستخدم فيه لحم الغنم أو لحم البقر، إضافة إلى صلصة جانبية تحضر من الطحين، والزبدة، ومرق اللحم، والقرفة، والفلفل الأسود، والملح، ويزين الطبق بالمكسرات المقلية كالصنوبر، واللوز، والكاجو.

وفي بلاد الشام تعتمد بعض وصفات الطعام على الأرز كطبق رئيسي على مائدة رمضان، مثل "المقلوبة" التي تتكون من الأرز المبهر بتوابل المقلوبة والباذنجان المقلي والبطاطس، واللحم. ويمكن أن يحضر الأرز كطبق جانبي على مائدة رمضان بجانب أطباق الخضار واللحوم.

أما في مصر فلا تخلو مائدة رمضان من طبق الأرز، ويقدم الأرز مع كل أنواع الأطعمة بجانب اللحوم والخضراوات، والشوربة والعدس، ويستخدم في صنع أنواع المحاشي المختلفة، ويصنع منه طبق أساسي في رمضان وهو "الأرز المعمر" الذي يتكون من الأرز المغلي في اللبن والقشطة تضاف إليه قطع من اللحم أو البط أو الحمام.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية