عشتَ طفولة غير محبّبة.. كيف تؤثر عليك كشخص بالغ؟

2- غياب حب ودعم الأهل في الطفولة ستؤثر سلبا على إمكانيته في التعبير عن مشاعره بالطريقة المثلى- (بيكسلز)
غياب الحب ودعم الأهل في الطفولة يؤثران سلبا على إمكانية الطفل في التعبير عن مشاعره بالطريقة المثلى (بيكسلز)

تعتبر تربية الأطفال واحدة من أكثر المسؤوليات صعوبة، رغم أنها تعد الأكثر متعة للوالدين، فحبهما غير المشروط لأطفالهم يعزز ثقة هؤلاء الأطفال بأنفسهم ويساعدهم على النجاح والازدهار في المستقبل؟

وأطفالك لن يبقوا أطفالا للأبد.. لن تتخيل مدى السرعة التي تمر بها الأيام. يكبر الأبناء ويتركوننا بسرعة خيالية حتى دون أن ندرك، لذلك يمكننا الحرص على الاستمتاع بهذه اللحظات قبل أن يكبروا وتصبح لديهم حياتهم الخاصة.

فإذا كانت طفولة أبنائنا غير سعيدة، ولم تتم تلبية حاجاتهم العاطفية من جانب القائمين على رعايتهم، سواء بالإهمال أو الرفض أو إساءة المعاملة، سيكون لها تأثير عميق وطويل الأمد في جميع مجالات الحياة.

فلماذا يحتاج الطفل أن يسمع من والديه كلمات تؤكد له أنه محبوب، وما التأثيرات التي تنعكس على حياة الفرد كشخص بالغ عندما تكون لديه طفولة غير محبّبة؟

محبوب من دون قيد أو شرط

لا شيء يؤدي إلى الفرح مثل التواصل مع أفراد أسرتك، وتنمية العلاقات وتقوية الروابط معهم، فقضاء الوقت مع الأشخاص الذين تحبهم من أسهل طرق تنمية السعادة.

وفي هذا الصدد تؤكد المتخصصة في علم نفس الأطفال الدكتورة أسماء طوقان أن الطفولة لها تأثير على مرحلة البلوغ، لذلك فإن الندوب الناجمة عن شعور الطفل بأنه غير محبوب، ستؤثر على كل مجال من مجالات حياته تقريبا.

وتقول إنه عندما لا تُلبى حاجات الطفل العاطفية في مرحلة الطفولة، يتشكّل نموه وشخصيته وفق ذلك. فمثلاً، الخوف الدائم من الهجر، وأنماط التعلق غير الصحية في مرحلة البلوغ، قد يكونان نتيجة لعدم شعور الشخص بالأمان أو الثقة وبأنه محبوب من دون قيد أو شرط في مرحلة الطفولة.

3-عبده ننصح الأهل بمتابعة المهارات والطرق الصحيحة في تكوين العلاقات عندما يكون الأبناء في مرحلة الطفولة- (بيكسلز)
الخوف في مرحلة البلوغ، قد يكون نتيجة عدم الشعور بالأمان وبأنه محبوب من دون قيد أو شرط في مرحلة الطفولة (بيكسلز)

وتضيف: "يحصل الطفل على مساعدة والديه ليتعرف على مشاعره والتعبير عنها في بيئة آمنة. لذلك، فإن غياب حب الأهل ودعمهم في هذه المرحلة سيؤثر سلبا على إمكانية الطفل في التعبير عن مشاعره بالطريقة المثلى".

وإذا لم يحصل الشخص على الحب والمودة كطفل -وفق طوقان- فإنه يكبر وهو يشعر بالفراغ الدائم الذي يسعى دائما إلى ملئه، مع عدم وجود وقت للتركيز على أحلامه أو أهدافه أو حياته.

وعندما يصبح الطفل بالغا -وفق المتخصصة طوقان- فإما أنه سيغلق مشاعره تماما، أو سيعبر عنها بطريقة مبالغ فيها وغير منضبطة.

فكيف يمكن لمن فاته أن يعيش طفولة محببة أن يعوضها بطريقة إيجابية؟ هذا ما عليه فعله حسب المتخصصة طوقان:

  • البدء باتخاذ خطوات إيجابية لتبني سلوكيات صحية، تجاه ذاته.
  • تعويض "الطفل الداخلي" في الشخص نفسه عبر التعاطف الذاتي، لتعويض ما افتقده من الحب والحنان في طفولته.
  • تنمية الانضباط الذاتي ومعرفة كيفية وضع حدود صحية تساعد في تجاوز الألم الذي عانى منه في طفولته.
  • إيجاد إحساس داخلي قوي بالذات لملء الفراغ والعيش حياة سعيدة ومرضية.
  • التحدث إلى معالج نفسي، ليساعدك على العلاج والتخلص من معاناتك.
-اختصاصية الطب النفسي للأطفال الدكتورة أسماء طوقان- (الجزيرة)
الدكتورة طوقان: غياب حب الأهل ودعمهم يؤثران سلبا على إمكانية الطفل في التعبير عن مشاعره بالطريقة المثلى (الجزيرة)

الأحكام غير الصحيحة

تبني المشاركة العاطفية للآباء والأمهات مع أطفالهم روابط قوية، كما أن التواصل مع الأشخاص الذين يحبوننا وسيلة قوية لتغذية السعادة، يساعدنا ذلك على تقدير ما لدينا وما تلقيناه من حب خاصة في مرحلة الطفولة.

وفي هذا السياق، يقول خبير التربية والعلاقات الأسرية الدكتور يزن عبده: "يشعر بعض الأشخاص، سواء في فترة الطفولة أو في مرحلة البلوغ والشباب، أنهم أشخاص غير مرغوب فيهم. وهذا الشعور يؤثر بشكل كبير على منظومة علاقاتهم الاجتماعية، فيشعر بالخوف والتردد وخيبات الأمل".

ويضيف أن من واجه مشكلات اجتماعية في طفولته؛ قد يقوم بإسقاط مبالغ فيه لهذه المشكلات على حياته عندما يصبح شابا، حيث يتخوف من أي ردة فعل اجتماعية تجاهه، ويفسّرها على أنه غير مقبول اجتماعيا.

ويتابع يزن عبده: "نجد أن نسبة ممن عانى من التقبل الاجتماعي في صغره قد يعاني من فشل حقيقي في الوصول إلى التقبل ممن حوله أثناء شبابه. ذلك أن المهارات الاجتماعية قد أصابها الضرر أثناء الطفولة، وأصبح مؤمنا بأنه غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية سويّة مع من حوله، فينتكس كلما حاول أن يتقدم خطوة".

1-خبير التربية الوالدية والعلاقات الأسرية الدكتور يزن عبده- (الجزيرة)
الدكتور عبده: ننصح الأهل بمتابعة الطرق الصحيحة في تكوين العلاقات عندما يكون الأبناء في مرحلة الطفولة (الجزيرة)

ويوضح أنه لا بد من استشارة أخصائيين في علم السلوك، لكي يساعد الأهل أطفالهم البالغين خطوة بخطوة على تكوين علاقات اجتماعية آمنة وجاذبة، ويزودونهم بالمهارات والطرق الصحيحة في تكوين تلك العلاقات، ويعينونهم على مواجهة الانتكاسات سواء الحقيقية أو الوهمية التي قد يعانون منها ممن حولهم، أو من توقعاتهم حول قدراتهم الشخصية.

تكوين العلاقات في الطفولة

ينصح عبده الأهل، عموما، بمتابعة المهارات والطرق الصحيحة في تكوين العلاقات عندما يكون الأبناء في مرحلة الطفولة، كما ينصهم بتقييم قدرة أبنائهم على تكوين صداقات آمنة، خصوصا في حال كانت هناك فروقات بينهم وبين أصدقائهم، مثل أن يكون الطفل صغير الحجم أو كبير الحجم، أو ممن يضعون نظارات طبية، أو غير متقدم دراسيا… وهذه الفروقات قد تكون من أهم الأسباب لأن يرفض الأطفال زملاءهم.

ويختم بالقول: "هنا لا بد من متابعة متزنة من الأهل لمثل هذه الحالات. ننصح الأصدقاء المقربين من شاب أو من فتاة يشعر أو تشعر بالفشل في تكوين صداقات، بأن يقدموا الدعم النفسي من خلال ذكر إيجابيات أصدقائهم من هذا النوع، ومدحهم عند كل تقدم ينجزونه في هذا المجال".

1-الندوب الناتجة عن شعور الطفل بأنه غير محبوب ستؤثر على كل مجال من مجالات حياته- (بيكسلز)
الندوب الناتجة عن شعور الطفل بأنه غير محبوب ستؤثر على كل مجال من مجالات حياته (بيكسلز)

نصائح للشفاء في مرحلة البلوغ

يجب البحث عن الفرص اليومية لتجربة الشفاء من جروح الطفولة. وفيما يلي بعض الطرق التي يمكنك من خلالها التعافي من الشعور بعدم الحب كطفل، ومنها:

  • تعلم المحفزات الخاصة بك.
  • الانخراط في دعم الطفل بداخلك.
  • ممارسة الرعاية الذاتية وحب الذات.
  • استخدام ماضيك لمعرفة ما تفعله وما لا تريده في الحياة.
  • كتابة اليوميات أو قراءة كتب التنمية الذاتية (البشرية) التفاعلية.
  • إعادة صياغة المعتقدات الداخلية بشكل إيجابي (مثل: "أنا ابنة غير محبوبة" إلى "أنا أستحق الحب كشخص بالغ").
  • بناء المجتمع ضمن مجموعات الدعم مع الأشخاص الذين يشاركون تجارب مماثلة.
  • التحلي بالصبر واللطف مع نفسك خلال عملية الشفاء.

وتقول نانسي بالوما كولينز، متخصصة في إصلاح العلاقات الزوجية والأسرية في ولاية كاليفورنيا، إن "التحقق من صحة طفلنا الداخلي والألم الذي عانينا منه عندما كنا أطفالاً لا يقتصر على الشفاء وحسب، بل يساعد أيضا في التمكين. ثق في العملية وتقبّل أن الشفاء مستمر".

من جهتها، ترى المتخصصة في "علم النفس العيادي" كارلا ماري مانلي، أن العلاج الفردي طريقة مثالية للبدء، لكن العلاج الجماعي عن طريق طبيب ماهر رائع أيضا، حيث يستفيد المشاركون من الطاقة الرابطة لتجارب الآخرين.

وتقول: "تذكر أن القيام بالعمل قد يكون صعبا، لكن النتيجة تستحق العناء. وعلى الرغم من أن الرحلة قد تبدو طويلة وحتى مستحيلة، فإنك تستحق الشفاء من الداخل إلى الخارج حتى تتمكن من عيش حياتك بشكل أفضل".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية