الفشل.. هل يكون فرصة ثمينة لإعادة النظر في قدرات طفلك؟

كيف تستدرجين طفلك الكتوم ليحكي عن يومه الدراسي؟
الطفل الذي يعتاد على ثقافة تحمل المسؤولية والتعلم من الأخطاء والفشل وطريقة النجاح، يتطور دماغه بسرعة (شترستوك)

يخشى معظم الأطفال الفشل، في حين يرغب الآباء والمعلمون في أن ينجح أطفالهم. لكن ثمة حقيقة لا يدركها غالبية الناس، وهي أن الفشل أمر جيد وخطوة حاسمة على طريق التعلم.

فرغم أن الفشل يزعزع نفسية الطفل، فإن الخبراء يؤكدون أنه يترافق مع نمو دماغي متسارع ونضج في التفكير سرعان ما يعيد الاتزان النفسي إليه، إذ يعمل على تجديد طريقة تحدي الإخفاق بالإصرار والمثابرة وتكرار المحاولة للخروج من المستنقع الذي يجد الطفل نفسه فيه.

تقول الاستشارية التربوية والأسرية الدكتورة أمل بورشك: "لا أحب كلمة فشل بوقعها الاجتماعي على النفس، وأعتبرها إخفاقا أو تجربة ذات نتائج محبطة. لكنها، في المقابل، فرصة ثمينة لإعادة النظر في القدرات والطرق التي استخدمت في تحقيق الأهداف، بهدف تحويلها إلى طاقة إيجابية للانطلاق مجددا بطريقة مختلفة".

تقبّل الفشل

عندما يفشل الطفل في تحقيق هدف ما، ترى بورشك أن على الأهل تقبّل الفشل والابتعاد عن المثالية، "فالطفل إنسان، ومن الطبيعي أن يمر بمثل هذه الأمور. لذلك، علينا البحث عن طرق تحوّل الغضب المتولد داخل الطفل إلى طاقة تفجر فيه قوة التحدي، مع تعزيز الثقة بالنفس حتى لا يخجل من ضعفه، والاستعانة بمن يثق بهم حتى يعبر الطفل عن الشعور المتعاظم داخله، وتركه يبكي ويتحدث بحرية وتفريغ ما ينتابه من غضب، والعمل على رفع معنوياته من خلال كتابة قائمة بإنجازات الطفل وصفاته التي تمده بالقوة".

وتضيف بورشك، في حديثها للجزيرة نت: "للأسف، لا يدرك المربون أهمية الفشل في حياة الطفل ببعديه العلمي والتربوي، بل يعملون على مقارنته بالآخرين، مما يؤثر عليه سلبا.

وتشير إلى بعض الأساليب التي يمكن للأهل اتباعها بهدف تحويل الفشل إلى "ركيزة يصعد منها الطفل نحو النجاح". ويكون ذلك من خلال عدم لومه، وتحويل هذه الحالة إلى تجربة تحفز الدماغ على التفكير بإعادة تنظيم البيئة المحيطة بالطفل، واستثمار الوقت، وفتح باب التساؤل، والابتعاد عن الهزيمة النفسية، فالجد والمثابرة والقفز فوق الإحباط هو الطريق الذي يوصل إلى النجاح، وفق تعبيرها.

كيف تستدرجين طفلك الكتوم ليحكي عن يومه الدراسي؟
عندما يدرك الأطفال أن الفشل مجرد نقطة انطلاق على طريق النجاح يصبح شيئا يتم تقديره بدلا من الخوف منه (شترستوك)

تعلّم تقدير الذات

يرى الاستشاري في الطب النفسي للأطفال الدكتور أمجد جميعان أن التعلم من الفشل أمر مهم جدا، كما التعلم من العبر والدروس. وقبل أن نعلم الطفل هذه الممارسات، يجب أن تكون حاضرة داخل البيت.

ويشرح قائلا: "إذا وصلنا إلى هذه المرحلة مع الطفل، فإنه سيتميّز بطريقة تفكيره، والأهم من ذلك أن يتقبّل الآخرين وآراءهم".

ويشدّد جميعان، في حديثه للجزيرة نت، على أهمية ممارسة الآباء سلوك "التعلم من الفشل" أمام أبنائهم، فالتقدير الحقيقي للذات وتعلم تقدير الذات وتطويرها يبدأ من الأسرة، وهنا يأتي دور الوالدين والمربّين في تنمية هذه السلوكيات التي ترسخ المسؤولية في نفس الطفل، والتعلم من الأخطاء، وأن الفشل طريق النجاح وتحقيق الأهداف.

تطور دماغ الطفل وابتكاراته

يوضح الاستشاري جميعان أن الطفل الذي يعتاد على ثقافة تحمل المسؤولية والتعلم من الأخطاء والفشل وطريقة النجاح، يتطور دماغه بسرعة وتتطور ابتكاراته بشكل أسرع، فتصبح حياته أسهل وثقته بنفسه أكبر، ولديه كفاءة في تحقيق الإنجازات وقدرة على تحقيق الذات بالصورة الحقيقية وليست الوهمية.

ويضيف: "للأسف الشديد، في كثير من المجتمعات يسعى الأفراد نحو النجاح والأهداف غير الحقيقية، التي لا تتضمن إنجازات فعلية بل وهمية، وبالتالي ليس هناك تقدير حقيقي للذات".

ويستطرد: "لدينا ثقافة منتشرة في العالم العربي، وهي أنه عندما يخطئ الطفل يُوبَّخ أو يُضرَب، مما يدفعه إلى عدم الاعتراف بأخطائه أو فشله عندما يخطئ في المرات المقبلة. وبالتالي، يصبح الفشل لديه مشكلة قد لا يستطيع تجاوزها".

هنا يأتي دور الأهل إذ عليهم أن يشاركوا الطفل في البحث عن أسباب فشله أو إخفاقه والوقوف عليها، والتأكيد له أنها ليست نهاية العالم، بل يستطيع أن يحوّل الأمر إلى انطلاقة جديدة، وفق جميعان الذي يوصي الآباء بأن يلعبوا دور الرقيب والتوجيه حتى يتعلم الطفل من أخطائه ويخوض تجارب الحياة.

"لن أنجح مهما فعلت".. كيف تواجهين أفكار طفلك المستسلمة؟
على الآباء أن يشاركوا الطفل في البحث عن أسباب فشله أو إخفاقه والوقوف عليها (شترستوك)

الفشل.. محطة للتعلم

تقول راشيل سميون، الخبيرة في المرونة العقلية: "فكّر في أكبر خطأ ارتكبته في حياتك، إذ من المحتمل أنه جعلك أكثر شجاعة وقوة، وعلّمك الحكمة أكثر من أي نجاح أحرزته. وبدل أن نترك أطفالنا يخشون الفشل، علينا تعليم الطفل أن الفشل شيء عظيم وفرصة للتعلم والتطور".

وعليه، فإن الفشل عنصر ضروري للنجاح وليس العكس، إذ تنمو أدمغتنا وتتطور بطرق مهمة كلما حدث فشل. وعندما يدرك الأطفال هذا المفهوم يمكن أن تحدث أشياء مذهلة لهم، بحسب ما نشر موقع بيغ لايف جورنال Biglifejournal.

ويقترح الموقع بعض الطرق لتعليم الأطفال كيفية الاستفادة من الفشل، أهمها:

  • ركّز على عقلية النمو: وهذا من شأنه أن يطوّر عقلية الطفل ويجعلها أكثر نضجاً، مما يغير رد فعله تجاه الفشل. فقد كشفت دراسة حديثة نشرتها مجلة Developmental Cognitive Science، أنه بعد ارتكاب خطأ، يُظهر الأطفال الذين لديهم عقليات نمو متطورة استجابة دماغية أكبر من أولئك الذين لديهم عقليات ثابتة، كما كانوا أكثر عرضة لتحسين أدائهم نتيجة لذلك.
  • دع الفشل يحدث: يستفيد الأطفال من تجربة الفشل. ومع ذلك، يصعب على البالغين قبوله. في الواقع، كثير من الآباء يساوون بين التربية الجيدة ومنع أطفالهم من المعاناة.
  • احتفل بالفشل: الفشل معلم ممتاز، فلماذا لا نحتفل في كل مرة يحدث ذلك واعتبار الأمر فرصة جديدة قد وصلت للتو؟ فعندما يدرك الأطفال أن الفشل مجرد نقطة انطلاق على طريق النجاح، يصبح شيئا يتم تقديره بدلا من الخوف منه.
  • شرح علم الدماغ: يخاف الأطفال عادة من الفشل، لكن ماذا لو عرفوا أن الأخطاء نمّت عقولهم؟ لحسن الحظ، هناك الكثير من البحوث التي تثبت ذلك. ويمكن مناقشة بعض المخاوف لدى الطفل بأن كل خطأ يرتكبه ينتج عنه إطلاق إشارات كهربائية تساعده على التعلم.
  • الفشل له قيمة: الفشل لا مفر منه، لذا بدلا من حماية الطفل منه، استخدمه لمساعدته على النمو، من خلال سؤاله "ماذا تعلمت من ذلك؟"، أو "ماذا ستفعل بشكل مختلف في المرة المقبلة؟". وهذا من شأنه أن يعلمه أنه يمكنه أن يجعل من الفشل فرصة لينطلق في الحياة مجددا.
المصدر : الجزيرة