أول لاعب كرة قدم هندي يلعب لناد أوروبي.. أسطورة محمد سالم "حافي القدمين"

Mohammed Salim (footballer) المصدر: نادي سلتيك
اللاعب الهندي محمد سالم (1904-1980) أظهر أن هندي حافي القدمين (كما يظهر في الصورة) يمكن أن ينافس في الكرة البريطانية (نادي سلتيك)

رغم أنها تضم ​​ثاني أكبر عدد من السكان في العالم، فقد عرفت الهند عددا صغيرا فحسب من لاعبي كرة القدم الذين يسافرون إلى أوروبا للعب في دوري احترافي لأسباب عديدة، بينها ظروف المعيشة في الهند البريطانية المتواضعة.

31 لاعبا هنديا فقط في تاريخ اللعبة بأكمله احترف لناد كبير في أوروبا، ومعظمهم كان مقتصرا على المستويات الدنيا من اللعب.

في عام 1999، أصبح بايتشونغ بوتيا أول لاعب هندي يوقع عقدا مع ناد أوروبي محترف عندما انضم إلى نادي بوري (Bury) في الدرجة الثانية الإنجليزية.

كان يُنظر إلى بوتيا على أنه إنجاز كبير للهند ومصدر فخر كبير في جميع أنحاء البلاد، لكن اللاعب الهندي، الذي تم الترحيب به على أنه "هدية الله لكرة القدم الهندية"، لعب فقط 46 مباراة في شمال غرب إنجلترا قبل أن يعود إلى وطنه (اعتزل اللعب دوليا في 2011)

رغم أن بوتيا كان أول من وقع عقد احتراف، فإنه لم يكن في الواقع أول هندي يلعب لناد أوروبي، بحسب القصة الصحفية التي كتبها للجزيرة الإنجليزية سام بيلغر.

سبقه إلى هذا الإنجاز الأسطورة الهندي محمد سالم، الذي حقق هذا الإنجاز قبل 86 عاما عندما لعب مرتين في أسكتلندا مع أحد أكبر الأندية في أوروبا، سلتيك، لتصبح قصته مغرية لكل لاعب كرة ناشئ.

صنع سالم التاريخ دون أن يرتدي زوجا من أحذية كرة القدم كما جرت العادة، وبدلا من ذلك، كان يلعب حافي القدمين مع ضمادات ملفوفة حول قدميه فحسب.

ليس هذا فقط، فقد كان لتألقه الرياضي في زمن تفوق الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، تأثير كبير على مجتمعه بعد أن حقق إنجازا تجاوز الملاعب لتحدي الاستعمار البريطاني في ساحات اللعب.

"حافي القدمين"

ولد سالم عام 1904 كلكتا، في شمال شرق الهند. بدأ حياته المهنية كصيدلي، لكن هذا لم يفقده شغفه الحقيقي، فقد تحول سريعا إلى كرة القدم.

في عام 1926، عندما كان يبلغ من العمر 22 عاما، انضم إلى نادي شيتارانجان (Chittaranjan) لكرة القدم قبل أن يذهب لنادي محمدان الرياضي (Mohammedan SC)، والاتحاد الرياضي، ونادي غرب البنغال (ولاية هندية)، ونادي آريان (Aryan FC).

عند عودته إلى نادي محمدان الرياضي في عام 1934، احتفى بأكبر نجاحاته آنذاك، حيث ساعدهم على الفوز بأول دوريات كرة القدم في كلكتا.

وجاء هذا الفوز، في وقت كانت فيه الهند تكافح من أجل الاستقلال عن الحكم الاستعماري البريطاني، ولم يفز بدوري كلكتا إلا الفرق البريطانية، التي غالبا ما تكونت من فرق الجيش البريطاني الرياضية، بما في ذلك مشاة دورهام وفوج ستافوردشاير الشمالي.

كان الفوز بلقب البطولة بالنسبة لفريق محمدان في عام 1934 لحظة رمزية كبيرة، إذ كان أول فريق من الهند يفوز بمثل هذه البطولة.

وكان نادي محمدان -الذي تأسس في السنوات الأولى لحركة استقلال الهند- رمزا للهوية الإسلامية التقدمية والمنفتحة في البلاد، وعاش أحداث الفترة المضطربة من التمرد والنضال الذي انتهى بالتقسيم (الهند وباكستان)، وكان يحظى بدعم كبير من قبل السكان في إقليم البنغال الغربية وكلكتا.

وقالت بوريا ماجومدار للمجلة الدولية لتاريخ الرياضة "كثير من الهنود اعتبروا كرة القدم مجالا للرد على استهزاء البريطانيين بهم.." عبر تحقيق انتصار في ذلك المجال، وأضافت "الهنود كانوا يلعبون حافي الأقدام، ورغم ذلك، فقد هزموا الإنجليز الذين يرتدون أحذية، وهو ما كان يُنظر إليه على أنه دليل على أن الهنود ليسوا أدنى من البريطانيين".

للاستخدام الداخلي فقط - Mohammed Salim (footballer) المصدر: نادي سلتيك
جيمي مكمينمي مساعد مدير فريق سلتيك يلف أقدام سالم بعناية بالضمادات (نادي سلتيك)

تغيير الفرق

بعد فوزه بلقبه الثالث مع محمدان في عام 1936، تم اختيار سالم لتمثيل فريق الهند للعب مباراتين استعراضيتين ضد الفريق الأولمبي الصيني الذي زار الهند قبل دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ذلك العام التي عقدت في برلين.

أشاد خصوم سالم الصينيون بأدائه في المباراة الأولى، لكن قبل المباراة الثانية اختفى في ظروف غامضة، مما دفع الاتحاد الهندي لكرة القدم إلى نشر إعلانات صحفية يطلب فيها معلومات عن مكان وجوده.

كان سالم في طريقه بالفعل إلى غلاسكو لتجربة فرصته مع البطل حامل اللقب الأسكتلندي سلتيك.

يُعتقد أن هاشم شقيق سالم، وهو صاحب متجر في سكوتستون غربي غلاسكو، كان يقضي إجازة في كلكتا في ذلك الوقت، وبعد رؤية أداء شقيقه ضد الصينيين، أقنع سالم بركوب باخرة بريطانية والعودة معه إلى أسكتلندا.

تحدث هاشم إلى المدير الأسطوري لسلتيك ويلي مالي، الذي كان مسؤولا عن فريق النادي لمدة 43 عاما مذهلة من 1897 إلى 1940 وفاز بـ 30 لقبا كبيرا.

قال هاشم لمالي "جاء لاعب عظيم من الهند عن طريق السفن.. هل يمكنك من فضلك إجراء تجربة له؟ ولكن هناك مشكلة بسيطة، سالم يلعب حافي القدمين".

مع اقتراب نهاية مسيرته الطويلة في الإدارة، أصبح مالي معجبا بالفكرة وقرر تجربة سالم.

كان على الاتحاد الأسكتلندي لكرة القدم أن يمنح موافقته على اللعب في مباراة تنافسية بدون حذاء، قبل المباراة، قام جيمي مكمينمي مساعد مدير فريق سلتيك بلف أقدام سالم بعناية في الضمادات، والتي اشتهرت في الصور التي التقطت له.

Mohammedan SC
نادي محمدان الهندي تأسس عام 1891 في كلكتا يعد أحد أقدم أندية كرة القدم في قارة آسيا (الجزيرة)

أكثر من مجرد فضول

في 28 أغسطس/آب 1936، لعب سالم مع نادي سلتيك ضد نادي غالستون (Galston F.C) في مباراة تحالف الدوري أمام 7 آلاف مشجع. على الرغم من كونه اللاعب الوحيد على أرض الملعب بدون حذاء، إلا أن سالم اجتذب الجماهير بمهاراته وحيله في الجناح الأيمن وساهم بـ3 تمريرات حاسمة في الفوز المريح 7-1.

كتب لاعب سيلتيك السابق أليك بينيت في صحيفة ذا ريكورد البريطانية العريقة (The Record) "كان سالم بلا شك نجم الجمهور في مباراة سلتيك بارك الليلة الماضية"، وتابع "أجرؤ على القول إن معظم الحشد جاؤوا بدافع الفضول أكثر من أي شيء آخر. ألم يكن شيئا فريدا أن ترى رجلا ملونا بقميص سلتيك، وما هو أكثر من ذلك، شخص قام بكل ذلك وهو حافي القدمين؟".

في صحيفة ديلي إكسبريس البريطانية، نُشر عنوان رئيسي، "البهلوان الهندي.. أسلوب جديد"، فوق تقرير عن مباراة مليء بمدح بعيون واسعة لسالم "10 أصابع متلألئة لسالم، لاعب نادي سلتيك من الهند، الذي سحر الجمهور الليلة الماضية. إنه يوازن الكرة على إصبع قدمه الكبير، ويسمح لها بالجري على الميزان إلى إصبع قدمه الصغير، ثم يقوم بتدويرها، ويقفز على قدم واحدة حول المدافع، ثم يسدد الكرة إلى لاعب الوسط الذي يتعين عليه فقط إرسالها إلى المرمى ".

RB Leipzig v Celtic FC: Group F - UEFA Champions League
يضم سجل نادي سلتيك الإسكتلندي العريق اسم اللاعب الهندي محمد سالم في صفوف لاعبيه (غيتي)

قبل مباراة سالم التالية، كانت صحيفة "ذا إيفنينغ تايمز" (The Evening Times) مهتمة بموهبته، وعرضت صورة له وأخبرت قراءها أنه "يستحق المشاهدة".

بعد أسبوعين من ظهوره الأول، اجتذب سالم حشدا من 5 آلاف شخص لمشاهدة مباراة فريق سيلتيك الاحتياطي ضد هاميلتون أكاديميكالز (Hamilton Academical F.C.)، والتي سجل فيها من ركلة جزاء ناجحة لفريقه الذي حقق الفوز 5-1.

وكتبت صحيفة "ذا ريكورد" في تغطيتها للمباراة "قام الهندي حافي القدمين بتسديد الكرة بقوة إلى يسار حارس المرمى الذي، رغم تمكنه من إيصال يده إليها، لم يكن قادرا تماما على منعها من الوصول إلى الشباك".

وتابعت الصحيفة "هتافات مدوية استقبلت هدف الهندي، لكن سالم لم يظهر أي علامة على مشاعره. كان من الواضح أن عامل الجذب الرئيسي في المباراة كان هو سالم".

"أعط الكرة لسالم" كان شعار الجماهير، لكن لاعبي سلتيك بحكمة لم يفرطوا في إرهاق اللاعب الهندي، الذي يمرر كرة رائعة، لكنه بعيد كل البعد عن أن يكون اللاعب الكامل".

كانت لجنة سلتيك سعيدة بالحشود المتزايدة والإيرادات التي كان سالم يحققها في الألعاب الاحتياطية وعرض عليه منحه 5% من أرباح البوابة.

وأكثر من ذلك أراد مدير الفريق مالي تطويره كلاعب والتعاقد معه لموسم 1936-1937.

العودة وإرث العائلة

ومع ذلك، شعر سالم بالحنين إلى الوطن، وبعد هاتين المباراتين، قرر العودة إلى كلكتا واستئناف اللعب في نادي المحمدان الرياضي، حيث فاز بلقبين آخرين في عامي 1937 و1938.

بقيت التجربة العابرة حاضرة معه، وفي عام 1949، أرسل إلى صحيفة "إيفينينغ تايمز" (Evening Times) لتأمين نسخة من كتاب المدير الأسكتلندي مالي "قصة سلتيك" (The Story of Celtic) والذي تم ذكره فيه.

لا يُعرف سوى القليل عن السنوات الأخيرة لسالم قبل وفاته في عام 1980 عن عمر يناهز 76 عاما، ولكن في مقابلة في عام 2002، قام ابنه راشد بالتواصل مع سلتيك عندما كان والده مريضا ويحتاج إلى رعاية طبية.

وقال راشد "لم يكن لدي أي نية لطلب المال. كانت مجرد حيلة لمعرفة ما إذا كان محمد سالم لا يزال حيا في ذاكرتهم. لدهشتي تلقيت رسالة من النادي. كان بالداخل وصل بنكي بقيمة 100 جنيه إسترليني. لقد سررت، ليس لأنني تلقيت المال ولكن لأن والدي لا يزال يحتل مكان الصدارة في سلتيك. لم أصرف الوصل البنكي وسأحتفظ بها حتى أموت".

"أريد فقط أن يوضع اسم والدي كأول لاعب كرة قدم هندي يلعب في الخارج. هذا هو الشيء الوحيد الذي أريده ولا شيء آخر".

المصدر : الجزيرة