على عكس المتوقع والشائع.. اللحوم المزروعة معمليا تزيد الانبعاثات ولا تحقق الإنتاجية المرجوة

تعتمد زراعة اللحوم على استغلال الخلايا الجذعية التي تتحول إلى لحوم صالحة للاستهلاك الآدمي (شترستوك)
زراعة اللحوم تعتمد على استغلال الخلايا الجذعية التي تتحول إلى لحوم صالحة للاستهلاك الآدمي (شترستوك)

في محاولة للتكيف مع التغيرات المناخية وتوفير كميات أكبر من اللحوم تسد حاجة التعداد السكاني المتزايد عالميا، يحاول الباحثون إنتاج وزراعة اللحوم معمليا من دون الاعتماد على عمليات الإنتاج الحيواني المتعارف عليها.

لكن دراسة جديدة -لم تنشر رسميا بعد- أجراها باحثون في جامعة "كاليفورنيا ديفيز" (UC Davis) الأميركية أشارت إلى أن الاعتماد على تقنيات إنتاج اللحوم المزروعة في المختبر الحالية قد يؤدي إلى زيادة انبعاثات غازات الدفيئة بنحو 25 ضعفا مقارنة بوسائل إنتاج اللحوم التقليدية، الأمر الذي يخالف تماما الهدف من زراعة تلك اللحوم.

مزيد من الإنتاج بوسائل جديدة

مع الزيادة السكانية المضطردة، زاد إنتاج اللحوم عالميا من قرابة 71 مليون طن سنويا عام 1961 إلى نحو 337 مليون طن عام 2022، وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" (FAO) زيادة الطلب على اللحوم إلى الضعف بحلول عام 2050.

إنتاج اللحوم يصدر ما بين 9.6 و432 كيلو جراما من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلو جرام من اللحوم (شترستوك)
بعض الآراء تقول إن إنتاج اللحوم من مسببات زيادة انبعاث الغازات الدفيئة (شترستوك)

وأثارت هذه التنبؤات القلق بشأن التأثير السلبي لعمليات الإنتاج الحيواني التقليدي في البيئة، فهي تعد من مسببات زيادة انبعاث الغازات الدفيئة، وقد تؤدي إلى الحد من التنوع الحيوي بسبب الرعي الجائر، وقد تكون أيضا أحد أسباب إزالة الغابات بهدف استغلال الأرض.

وأشارت الدراسة إلى أن الانبعاثات الناتجة عن إنتاج اللحوم بالطرق التقليدية تتراوح بين 9.6 و432 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوغرام من اللحوم المنتجة.

ومن أجل مواجهة الاحتياج الزائد لإنتاج اللحوم والحد من التغيرات المناخية الناتجة من انبعاث الغازات الدفيئة، اتجه الباحثون حول العالم إلى محاولة إنتاج اللحوم معمليا، وتعتمد زراعة هذه اللحوم على استغلال الخلايا الجذعية التي يمكن تحويلها عبر مجموعة من العمليات الحيوية إلى أي نوع من أنواع الخلايا، ومن ثم تحويلها إلى لحوم صالحة للاستهلاك الآدمي تقدم الفائدة الغذائية نفسها التي تقدمها اللحوم الحيوانية التقليدية.

وحتى وقت نشر نتائج هذا البحث، لم يتم تطوير الوسائل المناسبة لإنتاج هذا النوع من اللحوم على نطاق واسع، ولم تُقَدَم بعد في الأسواق، رغم وصول استثمارات إنتاجها إلى نحو 2 مليار دولار.

زراعة اللحوم بالطريقة الحالية يؤثر سلبا في البيئة ويزيد تكلفة الإنتاج (شترستوك)
اللحوم المزروعة ليست حلا مقنعا بديلا عن إنتاج اللحوم التقليدية (شترستوك)

اللحوم المزروعة تزيد التلوث وتستهلك الطاقة

خلال عملية إنتاج اللحوم المزروعة، يستخدم التقنيون "وسائط النمو عالية الدقة والنقاء"، وتعني المكونات التي تساعد على تحول الخلايا الجذعية إلى لحوم وتسهم في نموها، وتعد هذه العملية شديدة الشبه بوسائل إنتاج الأدوية التي تستدعي الاعتماد على مكونات نقية ذات طابع خاص.

وفي البيان الصادر عن الجامعة، يقول المؤلف الرئيس للدراسة ديريك ريزنر إن "حاجة الشركات إلى تنقية وسائط النمو كما هي الحال في صناعة الأدوية تستدعي مزيدا من الموارد، وهو ما يعني زيادة حدة الاحتباس الحراري، لذا فاستمرار تلك الشركات في زراعة اللحوم على نفس المنوال سيؤثر على البيئة سلبا، بل سيزيد تكلفة إنتاج هذه اللحوم مقارنة بالوسائل التقليدية".

ويعلق إدوارد سبانج، أحد المؤلفين المشاركين بالدراسة، على عدم إمكانية الاعتماد على إنتاج اللحوم المزروعة بالكامل بهدف خدمة البيئة قائلا إن "اللحوم المزروعة ليست حلا سحريا بديلا عن إنتاج اللحوم التقليدي، ورغم إمكانية الحد من الآثار البيئية لاستزراع اللحوم مستقبلا، فإن الأمر يتطلب تطورا كبيرا في تقنيات هذا الاستزراع لزيادة كفاءته، وتقليص تكلفة تجهيز وسائط نمو الخلايا".

قد تساعد دراسات تطوير اللحوم المزروعة معمليا على إنتاج أدوية منخفض الأسعار (شترستوك)
دراسات تطوير اللحوم المزروعة معمليا قد تساعد على إنتاج أدوية منخفضة الأسعار (شترستوك)

تحسين نتائج استزراع اللحوم

يسعى القائمون على إنتاج اللحوم المزروعة إلى الاعتماد على المكونات المستمدة من الأغذية الأرخص والأقل استهلاكا للطاقة مقارنة بالتقنيات الحالية الشبيهة بعمليات صناعة الأدوية.

وفي حال التوصل إلى كيفية تحقيق ذلك الأمر، فقد يتقلص الاحتباس الحراري الناتج عن استزراع اللحوم إلى نحو 80%، وهو ما يزيد عما يسببه الإنتاج الحيواني التقليدي بنحو 26%.

إضافة إلى ما سبق، أكد الباحثون أن استزراع اللحوم بمختلف التقنيات أقل كفاءة من آليات الإنتاج الحيواني التقليدية، وهو ما يعني أفضلية البحث عن وسائل لتطوير هذه الوسائل التقليدية لتصبح صديقة للبيئة، الأمر الذي يسهم في الحد من الانبعاثات بسرعة أكبر مقارنة بتطوير آليات استزراع اللحوم.

وينهي ريزنر تعليقاته موضحا أنه يخشى من التوسع في إنتاج هذا النوع من اللحوم، مما قد يسبب مزيدا من الضرر بالبيئة، ومع ذلك "فقد تساعدنا دراسات تطوير اللحوم المزروعة معمليا في ابتكار أساليب جديدة لإنتاج أدوية منخفضة الأسعار".

المصدر : مواقع إلكترونية