ساعدا الإنسان الأول في توفير الغذاء والتغلب على الأعداء.. متى استُخدم القوس والسهم أول مرة؟

يعتقد العلماء أن هذا التمدد البشري على كامل وجه البسيطة لم يكن ممكنا بدون التطور التقني الذي حصل ببطء نتيجة التراكم المعرفي لدى الإنسان القديم على مدى طويل.

ساعد ابتكار القوس والسهم الإنسان في توفير غذائه والتغلب على أعدائه (غيتي)

رغم أنهما لم يعودا مستخدمين منذ قرون، يعتقد العلماء أن القوس والسهم لعبا دورا مهما في تاريخ البشرية، ومن الممكن أن يكون لهذا السلاح دور حاسم في تطور حياة الإنسان قبل عشرات الآلاف من السنين.

ولكن، أين ظهر هذا السلاح قديما؟ وكيف كان له دور حاسم في مواجهة إنسان تلك الحقبة البشرية للمخاطر والانتشار في جميع أنحاء البسيطة؟

هجرات قديمة وأدوات حاسمة

وتقول بعض الدراسات أن حياة الإنسان بدأت منذ حوالي 200 ألف عام في أفريقيا قبل أن ينتشر في باقي المناطق من العالم في موجات متتالية من الهجرة امتدت على عشرات الآلاف من السنين.

ظهر الإنسان منذ حوالي 200 ألف عام في أفريقيا قبل أن ينتشر في العالم (شترستوك)

ووفق تقرير لموقع "بيغ ثينك" (BIG THINK)، فقد أنشأ الإنسان القديم أولى المستعمرات خارج أفريقيا في آسيا قبل حوالي 70 ألف سنة مضت، واستقر أوائل البشر في إندونيسيا وبابوا غينيا الجديدة وأستراليا قبل 45 ألف عام، لكنهم لم يستوطنوا أوروبا إلا منذ حوالي 40 ألف عام، في حين كان عبورهم من آسيا إلى شمال القارة الأميركية متأخرا نسبيا قبل 15 ألف عام.

ويعتقد العلماء أن هذا التمدد البشري على كامل وجه البسيطة لم يكن ممكنا بدون التطور التقني الذي حصل ببطء نتيجة التراكم المعرفي لدى الإنسان الأول على مدى طويل. وأدى هذا التطور إلى استخدام الأدوات المختلفة، مثل الرماح والفؤوس الحجرية التي تساعده على الحصول على غذائه ومطاردة الفرائس والدفاع عن نفسه للحفاظ على وجوده.

وقد كان لأحد هذه الابتكارات القديمة (القوس والسهم) دور استثنائي في تمكن البشر من الاستقرار في مواطن جديدة ومواجهة المخاطر التي تهددهم، إذ مكن الصيادين الأوائل من قتل فرائسهم من مسافة بعيدة مما يسّر لهم الحصول على غذاء أكثر وفرة بدون تعريض أنفسهم للخطر.

موقع "بيناكل بونت" في جنوب أفريقيا حيث عثر على أقدم الأدلة على استخدام القوس والسهم (جامعة ولاية أريزونا)
موقع "بيناكل بوينت" في جنوب أفريقيا حيث عثر على أقدم الأدلة على استخدام القوس والسهم (جامعة ولاية أريزونا)

أقدم الأدلة على استخدام القوس والسهم

تعود أقدم الأدلة التي عُثر عليها حول استخدام الإنسان الأول للقوس والسهم إلى حوالي 71 ألف عام مضت في أفريقيا. وقد اكتشف العلماء هذه الأدلة قبل سنوات، وفق بيان نشره موقع جامعة ولاية أريزونا (Arizona State University)، في موقع للحفريات يسمى "بيناكل بوينت" في جنوب أفريقيا، ووجود شفرات حجرية حادة شبيهة بأطراف السهام الموجودة في الأسهم الحديثة، لا يتجاوز طولها سنتيمترين تعود إلى هذا التاريخ.

ويعتقد الباحثون، أن هذه الشفرات صقلها الإنسان بشكل دقيق مستخدما عملية معقدة تسمى "المعالجة الحرارية". حيث سخّن المواد الحجرية الخام فوق النار لتسهيل التعامل معها قبل تقطيع الصخور إلى شفرات. ويشير هذا إلى أن الإنسان القديم اضطر إلى اتباع عملية طويلة ومتعددة الخطوات لصنع الشفرات تضمنت جمع الحجارة، وتجميع الوقود للنار، وتسخين الصخور وتقطيعها بعناية إلى شفرات دقيقة.

وأظهرت الأدلة التي عثر عليها كذلك، أن عملية تصنيع السهام استمرت لأكثر من 10 آلاف سنة في الموقع ذاته، مما يشير إلى أن هذا التقدم التقني الذي ظهر في وقت مبكر في جنوب أفريقيا، تم توارثه على مدى عشرات الأجيال، وإلى أن التراث الثقافي البشري بدأ في وقت مبكر وتراكم ببطء.

عينة من الأدوات الحجرية الصغيرة المدببة عثر عليها في جنوب فرنسا واستخدمت في صنع السهام (ساينس أدفانسز)
عينة من الأدوات الحجرية الصغيرة المدببة عثر عليها في جنوب فرنسا واستخدمت في صنع السهام (ساينس أدفانسز)

سهام من عظام في سريلانكا ومن صخور في فرنسا

أما خارج أفريقيا، فقد أظهرت دراسة نشرت قبل سنتين، أن البشر الأوائل الذين عاشوا في جزيرة سريلانكا قبل 48 ألف عام صنعوا أدوات من عظام الحيوانات يرجح العلماء أنها رؤوس سهام استخدمت لاصطياد القرود والسناجب داخل الغابات الكثيفة، حيث تصبح الرماح المقذوفة يدويا عديمة الفائدة.

لكن دراسة جديدة نشرت في فبراير/شباط الماضي، في دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) العلمية، أظهرت أن الإنسان القديم استخدم القوس والسهم في أوروبا قبل حوالي 54 ألف سنة.

وعثر الباحثون داخل "كهف ماندران" (Grotte Mandrin) جنوب فرنسا على مجموعة من الأدوات الحجرية الصغيرة المدببة، كشف فحص أكثر من ألف قطعة أن نسبة كبيرة منها استخدمت في صناعة سهام يتم رميها بالقوس.

ويشير الباحثون إلى أن الحقبة التي تعود إليها هذه الأدوات تسبق تاريخ الاستيطان النهائي لقارة أوروبا بأكثر من 10 آلاف عام، مما يدل على أن هجرة الإنسان القديم إلى أوروبا كانت في شكل موجات متتالية في أحقاب مختلفة.

كما يشيرون أيضا إلى أن استخدام القوس والسهم في هذه الفترة المبكرة قد يكون لعب دورا حاسما في التفوق على ألمجموعات البشرية التي كانت منتشرة في القارة والقضاء عليه نهائيا قبل حوالي 40 ألف عام.

ويرى بعض الباحثين أن تقنية استخدام القوس والسهم كانت لها أهمية خاصة في انتشار الجنس البشري، وأن اختراعها حدث في أوقات مختلفة وفي أجزاء مختلفة من العالم.

فهذه الأداة يمكن إطلاقها بسرعة ودقة أكبر من الرماح المقذوفة يدويا وتستخدم في جميع البيئات، المفتوحة أو المغلقة، وهي فعالة لجميع أحجام الفرائس.

المصدر : مواقع إلكترونية