جوانب العالم ترتبط ببعضها أكثر مما نظن.. ما يحدث في الأمازون يؤثر في الهيمالايا

مناخ كوكب الأرض هو مناخ للجميع، حينما تشعر أي قيادة سياسية أنها منفصلة عن مشكلاته فإنها بالتأكيد مخطئة، لأن ما يؤكده العلماء أن الكوارث المناخية في النهاية ستضرب الكل.

Domino effect shot on black background
"تأثير الدومينو" هو اصطلاح يستخدم عادة في عالم السياسة والاقتصاد، وتم استيراده إلى مجال العلوم البيئية (شترستوك)

أشار فريق بحثي دولي بقيادة علماء من جامعة "بكين نورمال" (Beijing Normal University) الصينية إلى أن الارتباط بين مناطق قد تبدو للوهلة الأولى منقطعة تماما عن بعضها بعضا على كوكب الأرض أقوى مما يمكن أن نظن، بشكل يجب أن يدفعنا لإعادة النظر في قضايا التغير المناخي.

وبحسب دراسة نشرها هذا الفريق في دورية "نيتشر كلايمت تشينج" (Nature Climate Change)، حلل باحثون التغيرات في درجة حرارة الهواء بالقرب من سطح الأرض في بيانات شبكة تضم أكثر من 65 ألف نقطة على الكرة الأرضية خلال 40 عاما مضت.

Amazon river in Brazil
ما يحدث في غابات الأمازون في قارة أميركا الجنوبية يؤثر في هضبة التبت في آسيا (شترستوك)

من التبت إلى الأمازون

بعد فحص مطوّل، تبيّن أن هناك نمطا واضحا للعلاقة بين منطقتين على سطح الأرض كانت المسافة بينهما حوالي 20 ألف كيلومتر، أي تقريبا نصف محيط الكرة الأرضية، وهما غابات الأمازون في قارة أميركا الجنوبية، وهضبة التبت التي تحتوي على جبال الهيمالايا في قارة آسيا.

ووفق الدراسة الجديدة، تبين أن ما يحدث في الأمازون من تغيرات مناخية يكون له أثر مباشر فيما يحدث بالتبت.

بعد ذلك، استخدم الباحثون محاكاة حاسوبية للمناخ لمعرفة كيف يمكن للاحترار العالمي أن يؤثر على تلك الروابط بعيدة المدى حتى نهاية القرن الحالي، ليجدوا أن تطور تطرف الظواهر المناخية بالأمازون يرتبط مباشرة بتطور الظواهر المناخية في التبت.

ووجدت الدراسة أن هذا الترابط يحدث بأشكال عدة، فمثلا عندما يصبح الطقس أكثر دفئا في الأمازون يحدث ذلك أيضا في التبت بالمعدل نفسه، لكن عندما يزداد معدل هطول الأمطار في الأمازون يقل تساقط الثلوج في التبت.

Panorama of meadow in Kullu valley in Himalaya mountains in spring. Himachal Pradesh, India
عندما يزداد معدل هطول الأمطار في الأمازون يقل تساقط الثلوج في التبت (شترستوك)

تأثير الدومينو

العالم أكثر ترابطًا مما نظن نحن البشر، يشرح تلك الفكرة ما يسمى بـ"تأثير الدومينو"، وهو اصطلاح يستخدم عادة في عالم السياسة والاقتصاد، لكن مؤخرا تم استيراده لنطاق العلوم البيئية.

وتقول فرضية تأثير الدومينو التالي: حينما تضع عددا ضخما من قطع الدومينو بجوار بعضها بعضا في ترتيب وشكل مميز، ثم تدفع القطعة الأولى، ستبدأ سلسلة الاصطدامات بين قطع الدومينو وتستمر حتّى تقع آخر قطعة على الأرض.

الفكرة نفسها يمكن أن نشهدها بوضوح في النظام البيئي والمناخي في كوكب الأرض؛ إذا تأثر طرف تأثرت كل الأطراف الأخرى.

دعنا في هذه النقطة نفترض سيناريو تخيليا يتعلق بانقراض أحد أنواع النحل التي تنقل حبوب اللقاح من زهرة برية إلى أخرى.

لو قررنا تتبع السيناريو، سنجد أن هذا يعني أن هذه الزهرة بالتبعية قد تنقرض، لكن مع انقراضها سوف تظهر مشكلة لأنواع أخرى من الحشرات كانت تتغذى على إنتاج هذه الزهرة من الفواكه، وهو ما قد يتسبب بدوره في مشكلة لنوع آخر من الحيوانات التي كانت تعتمد على تلك الحشرة لتخليصها من فطر سام يلتصق بجلوده، وهكذا دواليك.

ومع بعض التأمل في حركات قطع الدومينو الساقطة واحدة تلو الأخرى، يمكن لك أن تخمن أن الأمر سوف يطال حياتنا نحن البشر في مرحلة ما، لأننا في النهاية لسنا منفصلين عن هذه البيئة، بل جزء منها.

himalaya, panoramic view of himalayas mountain, Mount Everest with beautiful sky and Khumbu Glacier - way to ...
يؤدي ذوبان الجليد في إحدى مناطق العالم إلى حدوث تغيرات في مستوى سطح البحر ودرجة الحرارة (شترستوك)

المناخ للجميع

تجري حجة "تأثير الدومينو" كذلك على المناخ، فإذا تعرض سكان أفريقيا جنوبي الصحراء إلى موجات شديدة الحرارة في الصيف، فإن ذلك لا يعني أن الأوروبيين أو سكان أميركا الشمالية في أمان، لأن الحادث في أفريقيا سيؤثر عليهم، عاجلا أم آجلا.

وكانت دراسة قد صدرت قبل عام في دورية "إيرث سيستم داينامكس" وجدت أن تأثير الدومينو المناخي قد يكون كارثيا، إذ يمكن أن يؤدي ذوبان الجليد في القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند إلى حدوث تغيرات في مستوى سطح البحر ودرجة الحرارة، مما يؤدي إلى تغييرات سريعة في أنظمة المناخ الأخرى، كأن يتسبب في تغيرات في حركة تيارات المحيط الأطلنطي، فيتسبب ذلك بالتبعية في موجات قاسية البرودة في أوروبا.

وبحسب بيان صحفي رسمي أصدره معهد بوتسدام لبحوث التأثيرات المناخية المشارك في الدراسة الجديدة يوم 26 يناير/كانون الثاني الماضي، فإن حدوث أي حالة تطرف مناخي في أي منطقة من العالم يمثل خطرا يجب أن يؤخذ على محمل الجد بالنسبة لبقية العالم، لأن عواقبه ستكون وخيمة بالنسبة للجميع.

وفي النهاية، فإن مناخ كوكب الأرض هو مناخ للجميع، حينما تشعر أي قيادة سياسية أنها منفصلة عن مشكلاته فإنها بالتأكيد مخطئة، لأن ما يؤكده العلماء في هذا النطاق أن الكوارث المناخية في النهاية ستضرب الكل.

المصدر : لايف ساينس + مواقع إلكترونية