فتش عن الميكروبيوم.. أمراض مثل السرطان والسكري والسمنة قد تكون قابلة للانتقال بين البشر

هذه الورقة البحثية مهمة للغاية، لأنها تجيب عن أهم الأسئلة البحثية في مجال الميكروبيوم، ولأنها تضع حجر الأساس لدراسة كيف يمكن أن يسهم في المرض انتشار الميكروبات التي لا يُعتقد أنها مسببات الأمراض.

microbes
التحليل أكد التشابه القوي بين الميكروبيوم الخاص بالأمهات وذلك الخاص بأطفالهن (شترستوك)

يقول الكاتب الأميركي المعروف ديل كارنجي "نحن نتأثر بشكل بالغ بالأشخاص الذين نخالطهم"، ويقصد كارنجي بذلك التأثير على المستوى الفكري والأخلاقي، وبينما تؤثر علاقاتنا الاجتماعية على أفكارنا واهتماماتنا وحتى سلوكنا، يؤكد العلم أن هذا التأثير يمتد أيضا ليشمل صحتنا واستعدادنا لبعض الأمراض، حيث يتشكل الميكروبيوم الخاص بنا من خلال اتصالنا بأفراد عائلتنا وأصدقائنا وكل من نخالطهم.

متى وكيف يتشكل الميكروبيوم؟

الميكروبيوم (Microbiome) هو مجموعة من الميكروبات، مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات وجيناتها، التي تعيش بشكل طبيعي على أجسامنا وداخلنا، منها المفيد ومنها الممرض.

أجرى فريق من الباحثين من "جامعة ترينتو" (University of Trento) الإيطالية دراسة شملت الآلاف من جميع أنحاء العالم لدراسة الميكروبيوم الخاص بكل مجموعة. وبعد أخذ عينات من فم وأمعاء المشاركين وتحليلها، استنتجوا أن الأمراض المرتبطة بخلل الميكروبيوم، مثل السرطان وداء السكري والسمنة، قد تكون قابلة للانتقال بين البشر عن طريق الاختلاط المباشر، كاختلاط أفراد العائلة ورفقاء السكن والأصدقاء وحتى الجيران. ونشر الفريق نتائج الدراسة في دورية "نيتشر" (Nature) يوم 18 يناير/كانون الثاني الماضي.

microbes
الميكروبيوم هو مجموعة من الميكروبات التي تعيش بشكل طبيعي على أجسامنا وداخلنا منها المفيد والممرض (شترستوك)

تعد هذه الدراسة أشمل الدراسات حتى الآن في مجال الميكروبيوم، إذ تتناول الإجابة بشكل واضح ومستفيض عن سؤالين مهمين للغاية، لماذا تنتقل الميكروبات إلى الأمعاء والفم ومتى يحدث هذا الانتقال.

وحسب تصريح كاثرين زيو، الباحثة في علوم الميكروبيوم بجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة، لموقع نيتشر فإن "الميكروبات الجديدة تستمر في إعادة تشكيل الميكروبيوم لدينا طوال حياتنا".

أول مجموعة ميكروبية

ركزت معظم الدراسات السابقة -التي تناولت آلية تشكيل البشر للميكروبيوم الخاص بهم- على أول اتصال لهم بالميكروبات من خلال الأم، فهذا الاتصال هو السبيل لاكتساب أول مجموعة ميكروبية.

ولدراسة كيف ولماذا تتغير أول مجموعة ميكروبية يكتسبها الشخص على مدى حياته، قام الفريق البحثي بتحليل الحمض النووي لما يقرب من 10 آلاف عينة من البراز واللعاب، ابتداء بأشخاص يعيشون في القرى الريفية في إيطاليا والأرجنتين ومدن في الصين، وصولا إلى عدد من السكان في أوروبا وأميركا الشمالية. ثم درس الباحثون التشابه في سلالات الميكروبات التي وجدت في فم وأمعاء أفراد الأسرة والشركاء وزملاء المنزل وغيرهم.

وأكد التحليل التشابه القوي بين الميكروبيوم الخاص بالأمهات وذلك الخاص بأطفالهن، تحديدا في وقت مبكر من أعمارهم. وأظهرت الدراسة أن الرضع، خلال السنة الأولى من أعمارهم، يحملون نصف السلالات الميكروبية المعوية التي تحملها أمهاتهم. ولوحظ انخفاض مدى هذا التشابه مع تقدم الأطفال في العمر، لكنه لم يختف تماما.

بعد سن الرابعة، شارك الأطفال أعدادا مماثلة من سلالات الميكروبات مع آبائهم كما هي الحال مع أمهاتهم. وفي حالة التوائم الذين ابتعدوا عن بعضهم بعضا، وُجد أنهم يحملون عددا أقل من الميكروبات المعوية المتشابهة كلما زادت فترة افتراقهم.

الذين يعيشون معا

وقد لوحظ أيضا التشابه بين أفراد الأسر في عديد من المجموعات الريفية، حيث يميل الأشخاص من أسر منفصلة في القرية نفسها إلى حمل السلالات الميكروبية المعوية نفسها أكثر من الأشخاص من قرى مختلفة.

microbes
الأفراد الذين عاشوا معا لفترات طويلة يميلون إلى امتلاك سلالات الميكروبات نفسها في أفواههم وأمعائهم (شترستوك)

واستنتج الفريق من تحليل بيانات جميع العينات المدروسة أن الأفراد الذين عاشوا معا -بغض النظر عن علاقتهم- يميلون إلى امتلاك سلالات الميكروبات نفسها في أفواههم وأمعائهم، وكلما طالت مدة حياتهم معا، زادت نسب التشابه، إلا أن الأزواج كانوا أكثر شريحة تميل إلى مشاركة نوع السلالات نفسها إلى حد أكبر من الأطفال والآباء.

وحسب هيلاري براون، عالمة الأحياء الدقيقة في معهد ويلكوم سانجر في هينكستون بالمملكة المتحدة، "ستكون هذه الورقة البحثية مهمة للغاية"، لأنها تجيب عن أهم الأسئلة البحثية في مجال الميكروبيوم، ولأنها تضع حجر الأساس لدراسة كيف يمكن أن يسهم في المرض انتشار الميكروبات التي لا يُعتقد أنها مسببات الأمراض.

والقيام بذلك سوف يتطلب دراسة علاقة ميكروبات معينة -وانتشارها- بصحة البشر في دراسات طويلة الأمد وهو المسار الذي تتجه إليه أبحاث الميكروبيوم الآن. وتختم براون بقولها إنه "من المبشر أننا سنكون قادرين على توفير إجابة لبعض هذه الأسئلة مستقبلا".

المصدر : مواقع إلكترونية