باحث مصري يشارك في تطوير خلايا شمسية تحافظ على كفاءتها في درجات الحرارة المتطرفة

طور الباحثون خلايا البيروفسكايت من خلال إضافة مواد معينة عالية القطبية تتخلل سطح البيروفسكايت، مما يزيد من ثباته في الظروف المتغيرة ويمكن الخلايا من العمل في بيئات مختلفة سواء كانت باردة أو حارة

الباحث محمود الدماصي ممسكا بإحدى الخلايا الشمسية التي صنعها في المختبر من مادة البيروفسكايت (الجزيرة)

البيروفسكايت نوع من المواد التي تصنف ضمن أشباه الموصلات، وأثارت اهتمام العلماء في السنوات الأخيرة مع وعود بتطوير خلايا شمسية عالية الكفاءة ومنخفضة التكلفة، ومع ذلك فإنها مادة حساسة للغاية لاختلافات درجات الحرارة، الأمر الذي يقف عائقا أمام استخدامها في الهواء الطلق.

ومؤخرا، نجح فريق يضم باحثا مصريا في تطوير خلايا شمسية أكثر ثباتا وقادرة على الحفاظ على كفاءتها وثباتها الكيميائي والفيزيائي في درجات الحرارة المتطرفة، من 60 درجة تحت الصفر إلى 80 درجة مئوية، وتعمل بكفاءة عالية تصل إلى 24.6%.

نُشرت الدراسة في دورية "ساينس" (Science) في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بمشاركة الباحث المصري محمود الدماصي، باحث الدكتوراه في معهد هيلمهولتز برلين للطاقة والمواد بألمانيا، والذي تتركز أبحاثه حول خلايا البيروفسكايت الشمسية الصديقة للبيئة.

محمود الدماصي مع جهاز مبخر حراري يستخدم في ترسيب بعض طبقات الخلايا الشمسية (الجزيرة)

الطاقة النظيفة وكنز شمسنا المشرقة

تخرج محمود الدماصي من كلية العلوم، بجامعة الزقازيق عام 2011 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وعيّن باحثا مساعدا في معهد بحوث البترول، ثم حصل على درجة الماجستير في مجال الإضافات البترولية، وهي مواد كيميائية يتم إضافتها أثناء الإنتاج لتحسين خواص زيت البترول.

وخلال دراسته لدرجة الماجستير اكتسب الدماصي خبرة تتجاوز 5 سنوات في مجال البترول، في صحراء مصر الغربية، والتي ألهمته للتوجه إلى دراسة الطاقة الشمسية للاستفادة من ذلك المورد المتجدد، خاصة في ظل الاتجاه العالمي نحو الطاقة النظيفة من أجل الحد من آثار تغير المناخ على كوكبنا.

يقول الدماصي "وجودي في الصحراء للتنقيب عن المواد البترولية غير المتوفرة بكثرة جعلني أدرك أن شمس الصحراء الحارقة من الممكن أن توفر لنا موردا مستمرا للطاقة يمكن استغلالها بوجود الإمكانات المناسبة لتكفي حاجتنا من الطاقة الكهربية، بل حتى إنه يمكن توريدها لدول أخرى في مقدمتها أوروبا".

يمكن لطاقة الرياح والطاقة الشمسية أن تساعد في تقليل اعتماد قطاع الطاقة على الغاز الطبيعي (غيتي)

أنواع الخلايا الشمسية

يوجد العديد من أنواع الخلايا الشمسية، أكثرها شهرة والمستخدمة تجاريا حاليا هي الخلايا المصنوعة من السيليكون (مادة غير عضوية) والتي تتراوح كفاءتها تجاريا بين 18% و22%، وفي المعمل تصل كفاءتها إلى 26%، ويمكن أن تستمر من 20 إلى 25 عامًا.

وهناك نوع آخر يتمتع بسهولة ومرونة في الإنتاج، وهو الخلايا الشمسية العضوية، والتي تتكون من مواد عضوية يسهل تصنيعها في حالات مختلفة، ليست صلبة فقط، ويمكن طباعتها بالطابعات ثلاثية الأبعاد، الأمر الذي يتيح استخدامها في المباني من الخارج، ولكن مشكلتها أن كفاءتها ضعيفة ولا تتعدى 11%، وغير ثابتة لمدة طويلة.

أما الخلايا الشمسية المصنوعة من البيروفسكايت فتتكون من بلورات من مزيج بين المواد العضوية وغير العضوية، يقول الدماصي إن البيروفسكايت "مادة واعدة جدا، ولها خواص كهروضوئية متميزة، إذ تمتص الضوء بقوة عالية جدا، ويمكن التحكم في نوع الأشعة التي تمتصها، على عكس مادة السيليكون، كما تتميز البيروفسكايت ببساطة تركيبها وسهولة تحضيرها، وتحقق كفاءة عالية تصل إلى 25.7%، أي أنها تستطيع تحويل 25.7% من الطاقة الضوئية الساقطة عليها إلى تيار كهربائي".

وبينما تستخلص مادة السيليكون من الرمال، وتصنع على شكل بلورات عملاقة يفقد معظمها أثناء عملية تصنيع الخلايا الشمسية، يتم تصنيع مادة البيروفسكايت في صورة محاليل تستخدم كلها دون فاقد يذكر، كما يسهل تصنيعها في صور مختلفة وطباعتها في أشكال متنوعة.

البيروفسكايت مادة مرنة يمكن التحكم في العناصر التي تتكون منها لتحسين خواصها الكهروضوئية (مواقع إلكترونية)

الصعوبات التي تواجه خلايا البيروفسكايت

لم تجد الخلايا الشمسية المصنعة من البيروفسكايت طريقها إلى الأسواق التجارية حتى الآن، ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين أوضحهما الدماصي في حواره مع الجزيرة نت، إذ يقول إن "الثبات يقف عائقا أمام الخلايا الشمسية المصنوعة من البيروفسكايت، فأقصى مدة ثبات حققتها هذه الخلايا لا تتجاوز 10 سنوات في ظروف التشغيل الطبيعية، ومن ثم فهي لا تستطيع منافسة خلايا السيليكون بشكل كبير في وضعها الحالي، ولكن بالنظر لتكلفتها المنخفضة، تقترح بعض الدراسات أن وصولها لمدة ثبات تبلغ 12 إلى 15 عاما بكفاءة من 20% إلى 22% قد يجعلها تنافس السيليكون تجاريا".

ويضيف أن السبب الآخر هو أن بعض الخلايا الشمسية المعتمدة على البيروفسكايت تحتوي على عنصر الرصاص الثقيل السام، والذي قد يتسرب للبيئة إذا لم يتم التخلص من هذه الخلايا بشكل آمن، الأمر الذي لا يتوافق مع اتجاه العالم للطاقة النظيفة وتجنب المواد التي تضر البيئة.

وأشار "الدماصي" إلى وجود نوع آخر من خلايا البيروفسكايت يحقق كفاءة 14% فقط، ولكنه خال من الرصاص ويعتمد على عنصر القصدير غير الثابت كيميائيا، والذي يتأكسد ويتحول إلى مركب لا يذوب في الماء، ومن ثم فهو خامل بيئيا وأكثر أمانا، وهو النوع الذي استخدمه الدماصي وفريقه في دراستهم.

طوّر الدماصي وفريقه ذلك النوع ليصل إلى درجة كفاءة 24.6%، ولكن الإنجاز الأهم يكمن في الثبات الحراري العالي لمادة البيروفسكايت في الخلايا التي طوروها من خلال إضافة مواد معينة عالية القطبية تتخلل سطح مادة البيروفسكايت، مما يزيد من ثباتها في الظروف المتغيرة ويمكنها من العمل في بيئات مختلفة سواء كانت باردة أو حارة، الأمر الذي يشجع المستثمرين على تبني تلك التكنولوجيا الجديدة وإنتاجها على نطاق صناعي.

الخلايا الشمسية الحرارية تقنية حديثة لا تزال تحتاج إلى التطوير لتقليل الفاقد منها (شترستوك)
يمكن تصدير الطاقة الشمسية مباشرة كطاقة كهربية أو تحويلها إلى طاقة هيدروجين (شترستوك)

تصدير الطاقة الشمسية

يخطط الدماصي للاستمرار في تطوير خلايا بيروفسكايت شمسية مبنية على القصدير، لأنها آمنة بيئيا، وشدد على أهمية الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية، موضحا أن موقع مصر وشبكات الربط الكهربي بينها وبين الدول المجاورة مثل السعودية والسودان والدول الأوروبية يتيح لها أن تصدر الطاقة المتوفرة لديها بسهولة.

يقول الدماصي "يمكن تصدير الطاقة الشمسية في صورتين، الأولى تصديرها مباشرة في صورة طاقة كهربائية، إذ يمكن إنتاج الطاقة الشمسية ونقلها بشكل لحظي للدول القريبة مثل اليونان، أما الصورة الأخرى فتكون من خلال تحويلها إلى هيدروجين بتحليل المياه إلى هيدروجين وأكسجين، ثم تخزين الهيدروجين في أنابيب أو من خلال تحويله لصورة سائلة تتيح نقله وتصديره لأي مكان، ويمكن استخدامه فيما بعد من خلال خلايا الوقود التي تعرض هذا الهيدروجين إلى أكسجين مكونة جزيئات مياه مرة أخرى مصحوبة بطاقة، وهو ما يعرف بتقنية "الهيدروجين الأخضر".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية