دراسة حديثة: مستوى الانبعاثات يدفع الكوكب إلى حد الـ1.5 درجة مئوية في غضون 9 سنوات

يمكن للأرض أن تنتج حوالي 380 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الهواء قبل أن تصل درجة حرارتها إلى 1.5 درجة مئوية؛ وهو ما يعادل 9 إلى 10 سنوات من الانبعاثات الكربونية.

ارتفاع ملحوظ لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء بنسبة 1% لهذا العام مقارنة بالعام الماضي (شترستوك)

أعلن عدد من الباحثين وفقا للبيان المنشور على موقع "فيز دوت أورغ" (Phys.org) أن استهلاك العالم للفحم والنفط والغاز الطبيعي قد أدى إلى ارتفاع ملحوظ لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء بنسبة 1% لهذا العام مقارنة بالعام الماضي، وهو أحد أخطر الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

وتعد هذه التطورات محبطة بالنسبة للاتجاه العام للحد من التغيرات المناخية، ولكن وفقا للخبراء والباحثين المهتمين برصد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فإن هذه الزيادة حدثت بالتزامن مع تطور غريب وغير متوقع؛ فقد رصد الباحثون انخفاضا في تلوث الغلاف الجوي بثاني أكسيد الكربون في الصين بنسبة 0.9% مقارنة بالعام 2021، بينما على صعيد آخر تم رصد ارتفاع يقدر بحوالي 1.5% في الولايات المتحدة الأميركية.

من المتوقع أن تزداد الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري عالميا وأن تصل إلى 37.5 مليار طن (شترستوك)

بلوغ حد الـ1.5 درجة مئوية في 9 سنوات فقط

ووفق ما نشر على موقع "نيتشر" (Nature)؛ أعلن عدد من العلماء في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري على هامش مؤتمر المناخ "كوب 27" (COP27) الذي أقيم في شرم الشيخ بمصر، أنه من المتوقع أن تزداد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الوقود الأحفوري عالميا وتصل إلى رقم قياسي جديد يبلغ 37.5 مليار طن.

جاء ذلك في دراسة نشرت في دورية "إيرث سيستم ساينس داتا" (Earth System Science Data) وأجراها فريق "مشروع الكربون العالمي" (The Global Carbon Project).

ويتسبب هذا الوضع في زيادة درجة حرارة كوكب الأرض في غضون 9 سنوات فقط إلى 1.5 درجة مئوية فوق درجات حرارة ما قبل الثورة الصناعية، في حال استمر إنتاج ثاني أكسيد الكربون من الأنشطة البشرية على المسار نفسه.

وكانت اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 قد وضعت هذا الحد باعتباره الحد الأقصى لدرجة حرارة الأرض في محاولة لتجنب أكثر العواقب خطورة على الكوكب.

وعلق الباحث الرئيسي بيير فريدلينجشتاين -وهو أستاذ النمذجة الرياضية لأنظمة المناخ في جامعة إكستر، ومدير البحوث في المركز الوطني لبحوث المناخ في فرنسا- على نتائج الدراسة قائلا "إن التناقض في بيانات الانبعاثات بين زيادة أو انخفاض في حالتي الولايات المتحدة أو الصين يمكن إرجاعه إلى جائحة كورونا وربما يمكن ربطه قليلا أيضا بأزمة الطاقة على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.

وأضاف في حوار لوكالة "أسوشيتد برس" (Associated Press) أن هذين العاملين يجعلان بيانات هذا العام فوضوية ويصعب تحديد سير منحنى الانبعاثات وفقا لها"، لذلك يمكن إرجاع انخفاض الانبعاثات في الصين -على غير المتوقع- بشكل خاص إلى الحجر والإغلاق خلال عام 2022 لمحاولة السيطرة على كوفيد-19 المتجدد.

نسبة كبيرة من القفزة في مستوى الانبعاثات يعود إلى الغازات الناتجة عن وسائل النقل (شترستوك)

عالم لم يختبره البشر من قبل

ويُرجع فريدلينجشتاين النسبة الكبيرة في القفزة المسجلة في مستوى الانبعاثات إلى الغازات الدفيئة التي تتسبب فيها وسائل النقل مثل السيارات والسفر الجوي مع تضاؤل القيود المفروضة على سفر الأشخاص خلال الجائحة.

وفي حين أن مستوى التلوث العالمي من الكربون في ازدياد، إلا أنه لا يرتفع بالمعدل الذي كان عليه منذ 10 أو 15 عاما، ومع ذلك اعتبر الباحثون مثل هذه الاستنتاجات محبطة بشكل عام لأنها تدفع كوكب الأرض إلى بلوغ الحد المعتمد عالميا ثم تجاوزه للحد من الاحتباس الحراري الذي تم تحديده في قمة باريس 2015.

ويقول مايكل أوبنهايمر الباحث في علوم المناخ بجامعة برينستون والذي لم يشارك في الدراسة "هذا يعني أنه من الأفضل لنا أن نستعد بشكل جيد لما سيحدث عند تجاوز الحد والدخول إلى عالم لم يختبره البشر من قبل".

وتوضح كورين لو كيري الباحثة في علوم المناخ في جامعة "إيست أنجليا نورويتش" بالمملكة المتحدة وهي من أعضاء مشروع الكربون العالمي القائم بالدراسة؛ أنه جنبا إلى جنب مع التقارير العلمية الأخرى يمكن للأرض أن تنتج حوالي 380 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الهواء قبل أن تصل درجة حرارتها إلى 1.5 درجة مئوية؛ وهو ما يعادل 9 إلى 10 سنوات من الانبعاثات الكربونية، مما يعني أنه من المحتمل أن تصل درجة حرارة الكوكب إلى هذا الحد بحلول عام 2031 أو 2032.

لا يزال العالم يعتمد على الوقود الأحفوري لإنتاج حوالي 80% من طاقته (شترستوك)

دعوة للتدخل السريع

ويدعو ريتشارد نيويل، الذي يقود مؤسسة "ريسورسيز فور ذا فيوتشر" (Resources for the Future)، للتدخل السريع لتدارك هذا الوضع، ويقول "رغم القلق الذي أثارته الأرقام الأخيرة، فإنها لم تكن مفاجئة في مؤتمر "كوب 27″، حيث لا يزال العالم يعتمد على الوقود الأحفوري لإنتاج حوالي 80% من طاقته، وبحسبة بسيطة يظهر لنا أن انبعاثات الغازات الدفيئة ستستمر في الازدياد طالما لدينا اقتصاد متنام يعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري".

ويشير تحليل مشروع الكربون العالمي إلى أن تحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاقية باريس سيتطلب انخفاضا في انبعاثات الكربون بنحو 1.4 مليار طن، أو ما يناهز 4% سنويا، مع انخفاض الانبعاثات في منتصف القرن تقريبا.

وهذا يشبه تخفيضات الانبعاثات التي شهدناها في عام 2020، عندما فرضت الحكومات الإغلاق في جميع أنحاء العالم في مواجهة جائحة كورونا، مما يسلط الضوء على حجم الإجراءات المتضافرة اللازمة لمعالجة تغير المناخ.

ومع تحول نظام الطاقة إلى أنظمة طاقة نظيفة وصديقة للبيئة كل عام، يظل هناك أمل بخفض الانبعاثات؛ حيث إن سياسات المناخ التي تنفذها الحكومات تساهم في بلوغ الهدف إلى حد جيد، غير أن الوضع الحالي يحتاج إلى العمل بوتيرة أسرع بكثير.

المصدر : أسوشيتد برس + فيز دوت أورغ + مواقع إلكترونية