تحقيقات الجزيرة

المواجهة المؤجلة.. هل تعلن الصين حربا على تايوان؟ وهل ستدافع عنها واشنطن؟

تعيش تايوان حالة من التأهب الدائم تحسبا لأي غزو صيني محتمل، وتصاعدت مخاوفها في ظل التوترات الحاصلة في المنطقة مؤخرا. فهل ستستخدم بكين القوة العسكرية لضم الجزيرة؟ وماذا سيكون موقف واشنطن؟

وسلط الفيلم الوثائقي "المواجهة المؤجلة" الذي بثته الجزيرة الجمعة الضوء على التوترات المتزايدة في مضيق تايوان، التي أصبحت في أسوأ حالاتها منذ 40 عاما؛ إذ تشهد المنطقة عددا قياسيا من تحليق الطائرات العسكرية الصينية في المنطقة الجوية القريبة من تايوان.

وخلال هذا العام، اخترقت أكثر من 700 طائرة عسكرية صينية المنطقة الجوية العازلة في تايوان، وهو ما يقرب من ضعف الرقم عام 2020.

وبينما ترى تايوان نفسها دولة ذات سيادة، تعدها الصين مقاطعة انفصلت عنها خلال الحرب الأهلية عام 1949. غير أن العلاقات بين الطرفين لم تكن دائما متوترة، إذ كانت هناك فترات مد وجزر اعتمادا على من يكون في السلطة، ولكن الأمور تغيرت بين الطرفين بعد فوز سيدة مناهضة للصين هي "تساي إنغ ون" في الانتخابات الرئاسية عام 2016.

تصاعد التوتر بين بكين وتايبيه

وفي مقابل إعلان مناهضتها الصين، تمكنت تساي -التي انتخبت لفترة ثانية بعد فوز ساحق في يناير/كانون الثاني 2020- من تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب ثم الحالي جو بايدن، وكانت تنفق كثيرا على صفقات الدفاع مع الأميركيين.

فقد وافقت إدارة بايدن على أولى صفقات مبيعات الأسلحة لتايوان مقابل 750 مليون دولار أميركي، بينما اقترحت إدارة ترامب ما يزيد على 17 مليار دولار بين عامي 2017 و2021، واتفقوا أيضا على طائرات من نوع "إف-16" إلى تايوان التي تحاول زيادة إنفاقها الدفاعي.

وعلى الجانب الصيني، فمنذ وصوله إلى السلطة عام 2013، دعا الرئيس شي جين بينغ مرار إلى إعادة توحيد تايوان مع الصين، وفي القمة الافتراضية التي جمعته في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 مع الرئيس الأميركي، حذر "شي" من أن كل من يلعب بالنار سيحترق بها؛ مما يعني أن من يريد استغلال ورقة تايوان سيواجه معارضة الصين القوية وحتى المواجهة العسكرية.

ويقول درو ثومسون (زميل وباحث في مدرسة لي كوان الجديدة للسياسة العامة) إن استخدام القوة أسوأ خيار أمام الرئيس الصيني، الذي أكد أنه يفضل أن تتوحد الصين سلميا مع تايوان، لكن المشكلة في غياب توجه سياسي داخل تايوان بشأن هذه الوحدة.

من جهته، أكد العميد السابق في كلية الدراسات الدولية في جامعة بكين جيا كينفو أن الصين تمتلك القوة اللازمة للسيطرة على تايوان، ولكن استخدام القوة هو الملاذ الأخير لأن له عواقب وخيمة، ومنها سيكون على الصين أن تحدد كيفية التعامل مع تايوان المدمرة.

ويؤكد محللون سياسيون وخبراء عسكريون من أميركا والصين وتايوان -تحدثوا للفيلم الوثائقي الذي بثته قناة الجزيرة- أن هناك أسبابا قد تحمل الصين على شن الحرب على تايوان؛ فجيشها آخذ في التوسع السريع في عهد الرئيس الحالي، ونمت ميزانية الجيش الصيني من 70 مليار دولار عام 2010 إلى 250 مليار دولار في الوقت الراهن.

وتمتلك الصين قدرات عسكرية قوية، فلديها أكبر قوة بحرية وجوية وتكنولوجيا متطورة، وقدرتها النووية آخذة في النمو، وذكرت تقارير أنها أطلقت في أغسطس/آب الماضي صاروخا أسرع من الصوت قادرا على حمل رؤوس نووية.

إستراتيجية الغموض

ولكن في حال تعرضت تايوان لغزو صيني، هل ستدافع واشنطن عنها؟ مع العلم أن المخاوف تتزايد منذ سنوات من احتمال غزو الصين لتايوان، وأحد المخاوف هو أن تكون تايوان غير قادرة على الصمود.

وبحسب النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأميركي، فإن الصين هي التنين الهائل وتايوان هي الفأر أمامها، مؤكدا أن مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان متواضعة للغاية مقارنة بما يفعله الجيش الصيني.

يذكر أن واشنطن أقامت عام 1979 علاقات دبلوماسية رسمية مع بكين، وقطعت العلاقات مع تايوان، لكن في العام نفسه أقرت واشنطن قانون العلاقات مع الجزيرة الذي يضمن تقديم الدعم لها.

وتقول أوريانا سكايلر ماسترو (زميلة في جامعة ستانفورد ومعهد أميركان إنتربرايز) إن هناك غموضا إستراتيجيا في موقف واشنطن بشأن تايوان سمح لها بإدارة علاقتها مع بكين وتايبيه في الوقت نفسه.

وقد تخلى الرئيس بايدن عن سياسة الغموض تلك في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما أعلن أن الولايات المتحدة ستأتي لمساعدة تايوان، وأنها ستدافع عنها إن لزم الأمر، وردت بكين بانفعال على هذا الموقف. وكما دعت إدارة بايدن ممثلة تايوان لدى واشنطن لحفل تنصيب بايدن رئيسا، وهو ما لم يحدث منذ 40 عاما.

وتخشى الصين -من جهتها- من وجود قوات أميركية في تايوان، ومن إمكانية أن تكون الأخيرة قادرة على إيجاد سبل لجعل دول أخرى تقبل مطالبتها بأن تكون دولة مستقلة ومنفصلة عن الصين، كما أنها قلقة من الاستفزازات الأميركية في تايوان وفي أماكن أخرى.