تحقيقات الجزيرة

عمليات اختلاس تجاوزت مليار دولار تورطت فيها شخصيات نافذة.. فضيحة انهيار "بنك كابل"

يسلط الفيلم الوثائقي -الذي بثته قناة الجزيرة- الضوء على أضخم عملية اختلاس مصرفي شهدتها أفغانستان وأدت إلى انهيار بنك كابل الخاص، ويكشف أيضا عن الشخصيات الأفغانية المتورطة في ما عرفت “بفضيحة بنك كابل”.

فقد تأسس بنك كابل -الذي كان في قلب الفضيحة الاقتصادية عام 2004- من قبل رجل أعمال أفغاني يدعى شريخان فرنود الذي اشتهر في عالم البوكر، وكان شق طريقه في عالم المال والاقتصاد منذ أن كان طالبا في موسكو في الثمانينيات عندما أسس نظاما لتحويل الأموال من وإلى أفغانستان بمبالغ رمزية. وبعد أن أسس وشارك في عدة وكالات للصرافة وتحويل الأموال في بلاد مختلفة، عاد إلى كابل ليتولى تأسيس إدارة أكبر بنك خاص في تاريخ أفغانستان.

وحسب دارغو كيوس رئيس لجنة التحقيق (اللجنة المستقلة لمراقبة وتقييم مكافحة الفساد)، فقد هرب فرنود من روسيا الاتحادية لأن السلطات كانت تلاحقه بسبب الأنشطة البنكية غير المشروعة وغسل الأموال وعصابات الجريمة المنظمة، وهي المعلومات التي لم تكن قد وصلت حينها إلى السلطات الأفغانية.

ويتتبع الفيلم الوثائقي دور شيرخان فرنود وشريكه خليل فيروزي -الذي أوكلت إليه مهمة المدير التنفيذي لبنك كابل- في إدارة عمليات الاختلاس التي تجاوزت مليار دولار، إذ تمكن بنك كابل من التوسع والانتشار داخل أفغانستان، وفتح فروعا له في معظم الولايات.

وسعى الرجلان إلى استقطاب مساهمين جدد، حتى بلغ عددهم 16 مساهما، وكان بينهم بعض النخب السياسية في كابل ممن يحظون بنفوذ وسلطة كبيرين، ومن أبرزهم حسين فهيم، شقيق نائب الرئيس السابق مشير فهيم، ومحمود كرزاي شقيق الرئيس السابق حامد كرزاي؛ مما منح البنك حصانة سياسية كبيرة.

ويظهر الفيلم أن بنك كابل تمكن من تأمين عقود سنوية لدفع رواتب الموظفين المدنيين ورواتب الشرطة والجيش والممولة دوليا، كما تمكن عبر الإعلانات الجذابة من استقطاب مليون عميل للبنك.

انفجار القضية 

غير أن انتشار بنك كابل ونجاحه في جلب أموال المواطنين الأفغان لم يدم طويلا؛ فقد أرسلت الاستخبارات الأفغانية ومديرية الأمن الوطني في أكتوبر/تشرين الأول 2009 تقريرا حوله للبنك المركزي والمكتب الأعلى للرقابة المختص في مكافحة الفساد في أفغانستان، لتنفجر قضية البنك في فبراير/شباط 2010 بعد نشر تحقيق في صحيفة "واشنطن بوست" كشف فيه كاتب المقال عن أملاك شيرخان فرنود وبعض مساهمي بنك كابل في سوق العقارات بدبي، واستثمارات أخرى.

وكانت الحكومة الأفغانية -حسب شهادة محافظ البنك المركزي الأفغاني عبد القدير فطرات (2007ـ2011)- حصلت على معظم المعلومات بخصوص استثمارات بنك كابل عبر مقال "واشنطن بوست" وعبر السفارة الأميركية.

كما أن أجهزة الاستخبارات الأميركية انتبهت مبكرا لعملية تهريب الأموال عبر مطار كابل. وتكشف وثيقة مسربة في أكتوبر/تشرين الأول 2009 عن أن سفير الولايات المتحدة أرسل للإدارة الأميركية بعض التفاصيل عن تهريب أموال بعملات مختلفة عبر مطار كابل وعبر شركة "باميل" للطيران المملوكة لرئيس بنك كابل وللأفغان من ذوي النفوذ.

وعن طرق تهريب الأموال، يكشف كيوس عن أن الأموال المسروقة من بنك كابل كانت كبيرة جدا، وأن حقائب كبيرة استخدمت لتهريبها إلى خارج أفغانستان، كما كانوا يقومون بحشو الأموال في علب الطعام. كما كانوا يحولون الأوراق النقدية المختلسة داخل أطباق العشاء الخاصة بالركاب، كما قالت القاضية إيفا جولي، عضو لجنة التحقيق في اللجنة المستقلة لمراقبة وتقييم مكافحة الفساد.

بداية الانهيار

ويستند الفيلم الوثائقي إلى تقرير صادر عن "معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن"، يكشف عن أن رئيس بنك كابل حينها بدأ يفقد السيطرة على البنك في صيف 2010 بسبب غيابه عن كابل، إذ احتدم الصراع بينه وبين فيروزي الذي كان يخطط للسيطرة على البنك.

وإثر الصراع بين الرجلين لجأ شريخان للأميركيين وفضح لهم مخطط الاختلاس، وأخبرهم بأغلب الأنشطة غير القانونية للبنك، والعقارات، والقروض بلا سندات التي منحت للمساهمين بالملايين من أموال ودائع المواطنين الأفغان، ليقوم إثرها محافظ البنك المركزي في أغسطس/آب 2010 بفصل فرنود وفيروزي وفتح تحقيق في القضية التي أثارت قلق وغضب الأفغان الذين أودعوا أموالهم في البنك.

وأدت التحقيقات في انهيار بنك كابل إلى كشف حجم الاختلاس الذي بلغ ما يقارب 900 مليون دولار أميركي، وكشف عن أسماء المساهمين في البنك والنسب المئوية لحصصهم ومبالغ القروض التي حصلوا عليها بشكل شخصي أو لتمويل استثماراتهم. غير أنه لم يتم استدعاء النخبة السياسية من المساهمين للمثول أمام المحكمة، مما عزز الشعور بالإفلات من العقاب.

ويشير الفيلم الوثائقي إلى أن المحكمة الخاصة في أفغانستان أصدرت في مارس/آذار 2013 حكما بحبس فرنود وفيروزي 5 سنوات مع إدانتهما بتهمة خيانة الأمانة وأمر بسداد الأموال المسروقة. 

وفتح ملف القضية مجددا في عهد الرئيس أشرف غني، بتجديد الحكم على الاثنين بالحبس 10 سنوات بتهمة الاختلال وغسل الأموال وإلزامهما بسداد الديون والغرامات المترتبة عليهما وتجميد أصول من نهبوا بنك كابل من المساهمين الآخرين.

غير أنه بعد عام من صدور الحكم ظهر فيروزي رفقة مسؤولين حكوميين على التلفاز لوضع حجر الأساس لبناء مشروع المدينة الذكية للوحدات السكينة، بعد إجراء تسوية بينه وبين الحكومة، مما أثار غضب الأفغانيين ليتدخل الرئيس ويأمر بإعادة فيروزي إلى السجن وإلغاء المشروع.

وفي أغسطس/آب 2018، توفي شيرخان فرنود في سجن باغرام عن 57 عاما جراء جلطة قلبية، وأفرج عن شريكه فيروزي عام 2019.