تحقيقات الجزيرة

الأطباق الطائرة وغزو العراق وحرب فيتنام وكورونا.. نماذج لأكاذيب استخدمها الأميركيون لتضليل شعبهم والعالم

سلط الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة الجزيرة الضوء على معركة الحقيقة والأكاذيب التي تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية لتبرير استخدام القوة في العالم، مثل ما حصل مع غزو العراق عام 2003.

ويظهر الفيلم الوثائقي -الذي يحمل عنوان "بين الحقيقة والوهم" كيف أن الحكومات الأميركية خدعت شعبها من خلال بث حقائق ووقائع ثبت لاحقا أنها مجرد أكاذيب وخداع للتضليل. ومن الأمثلة على ذلك موضوع الأطباق الطائرة، حيث قدمت في السابق مئات التقارير إلى سلاح الجو الأميركي عن وجود أجسام غريبة شوهدت في السماء، وبقيت هذه القضية دون تفسير قبل أن تنكشف الحقيقة.

ويوضح ريتشارد دوتي، من مكتب التحقيقات الخاصة في سلاح الجو الأميركي، أنه في سنوات الثمانينات كان لديهم برنامج طائرات مسيرة في قاعدة كورتلاند، وكان بالغ السرية. ويقول إن الناس شاهدت حينها الأجسام تطير حول القاعدة، معترفا بأنهم كانوا يسعون لخداع وتضليل الناس ليظنوا أن ما يرونه كان أجساما طائرة مجهولة.

ووفق دوتي، فقد استعانوا في عملية التضليل بالمنظمات الإخبارية وبوسائل الإعلام التي كانت تنشر التقارير الإخبارية حول الظاهرة. وكانت تلك العملية واسعه الانتشار ووصلت لرئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات المركزية والبيت الأبيض.

ويعترف بأن الأكاذيب حول الأجسام الطائرة أضرت بثقة الجمهور في حكومته، وقد شعر الأميركيون بأنهم خدعوا بعد ظهور الحقيقة.

ومن جهته، يؤكد أوليفر نورث من مجلس الأمن القومي الأميركي، أن العمليات السرية أو النشاطات الخاصة مجرد كذبة.

أكاذيب غزو العراق

ومن أبرز نماذج الخداع التي استخدمتها الإدارة الأميركية، كان غزو العراق وما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل التي اتخذت مبررا للغزو، وثبت لاحقا زيف الأدلة الأميركية.

وفي هذا السياق يعترف لورانس ويلكيرسون، وهو كبير الموظفين السابق لكولن باول (وزير الخارجية الأميركي بين عامي 2001 و2005) بأنه شارك في عملية خداع أمام مجلس الأمن الدولي يوم الخامس من فبراير/شباط 2003، ويقول إنه يشعر اليوم بندم شديد.

ونقل الفيلم الوثائقي تصريح لكولن باول في سبتمبر/أيلول 2011 عن أدلة غزو العراق جاء فيه: "تصوروا لما جاءوا وقالوا لي إنه ليست لدينا 4 مصادر مستقلة تثبت وجود عربة لإنتاج الأسلحة البيولوجية.. كان هناك شخص واحد ثبت أنه مخادع وهو يقبع في سجن ألماني ولم نتحدث معه مطلقا".

ويقول بأول إنه يشعر بالأسف لأن بعض المصادر كانت خاطئة، في إشارة إلى المصادر التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة في اتهام العراق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل.

وعن نماذج أخرى لأكاذيب ابتكرتها الولايات المتحدة لتبرير استخدام القوة في العالم، يتحدث كبير الموظفين السابق لكولن بأول عن الحرب التي خاضها في فيتنام، ويقر بأنه اكتشف لاحقا أن أبرز أسباب بقاء الأميركيين في هذا البلد كان إعادة انتخاب ليندون جونسون، رئيس الولايات المتحدة (1963ـ1969).

ويقول إن حكومة بلاده خذلته، ولديه شعور بعدم الوثوق بكثير مما تقوله حكومة الولايات المتحدة حول حالة الأمن القومي.

ويعتقد بيتر أوبورن، وهو مؤلف كتاب "الاعتداء على الحقيقة"، أن طبقة من المحافظين الجدد برزت في الولايات المتحدة من حطام حرب فيتنام، تعمل على صناعة حقائق جديدة وحكايات سياسية، وتتعامل بذكاء مع الصحافة لكنها تتلاعب بها.

في حالة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش كان كبير مستشاريه، وهو كارل روف، واحدا من أقوى وأبرز زمرة المحافظين الجدد، حسب بيتر.

وعما إذا كان السياسيون الأميركيون يكذبون هذه الأيام لخلق واقع زائف، يؤكد أوبورن أن الموضوع الأعمق ليس كون الكذب أكثر رواجا، بل إن تصديق الأشياء الزائفة بات أكثر وراجا.

ترامب والخداع

ويتحدث بيتر عن الرئيس السابق دونالد ترامب ويقول إنه وفريقه استخدموا خدعة شعبوية قديمة تقول: "النظام ضدكم ولكنني في خدمتكم"، مشيرا إلى أن ترامب تحدى الحكومة وراح يحط من قدرها باعتبارها دولة عميقة، وكان عدوه الأول هو الإعلام.

أما أستاذ الفلسفة في جامعة ورويك، قاسم قسام، فيرى أن الناس في الولايات المتحدة بدؤوا يتحدثون عن الحقائق البديلة والوقائع البديلة، وباتوا يعيشون في عصر ما بعد الحقيقة، واصفا ما يحدث بأنه في الواقع تسييس للحقيقة.

ويقول أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك، فان بافيل، إن ترامب استخدم مواقع التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المضللة على مستوى غير مسبوق من خلال خلق أعداء لا وجود لهم.

وتعرض الفيلم الوثائقي -الذي بث في (2022/11/4)- أيضا إلى تشكيك الأميركيين في الحقيقة التي كانت تقدمها لهم الحكومة حول كوفيد-19، وإلى الحقيقة التي ظلت غائبة في صراع الجمهوريين والديمقراطيين حول مدى نزاهة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها جو بايدن.