موازين

أحدثت شروخا بين جماهير وأشعلت حروبا بين دول.. لماذا انتشرت ظاهرة التعصب الرياضي في الملاعب العربية؟

انتشرت ظاهرة التعصب الرياضي وتحولت الملاعب من ساحات للمنافسة المحكومة بقواعد اللعبة إلى ما يشبه ميادين القتال أحيانا، ووقعت خصومات وحتى حروب بين دول بسبب لعبة كرة القدم.. فما أسباب الظاهرة؟

ووفقا للناقد الرياضي المصري علاء صادق، فإن ظاهرة التعصب في الملاعب الرياضية تسببت في كثير من الكوارث وأشعلت حروبا بين دول، كما حصل في نهاية عام 1969 بين السلفادور والهندوراس في ما عرف حينها "بحرب كرة القدم" أو حرب "المئة ساعة".

ونشبت الحرب بين السلفادور والهندوراس بسبب مباراة التأهل لنهائيات كأس العالم التي أقيمت في المكسيك، وذلك في ظل خلافات بين السياسيين في كلا البلدين.

ووصف علاء صادق الحرب بين السلفادور والهندوراس بأنها سياسية بامتياز، وكانت كرة القدم الضحية في تلك الحرب، قائلا إن السياسيين يستخدمون الرياضة على نحو كبير جدا، خاصة كرة القدم. ومثال على ذلك أن الزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني بنى جزءا كبيرا من شعبيته على تنظيم إيطاليا كأس العالم عام 1934.

وأشار الناقد الرياضي إلى قدم ظاهرة التعصب والشغب في عالم الرياضة، وقال إن وسائل الإعلام في العالم -خاصة في العالم الثالث- تعد أحد العناصر التي تزيد التعصب؛ لأنها تبحث عن المشاهدة والتشويق والإثارة، ورأى أن الشحن الإعلامي يفجر التعصب.

كما أكد أن وسائل التواصل الاجتماعي بات لها دور كبير في زيادة التعصب الرياضي بسبب تأثيرها الضخم، خاصة على الناس الذين يسقطون أسرى لهذه الوسائل نتيجة ما يعانونه من فراغ.

ورغم أن ظاهرة التعصب الرياضي موجودة في أوروبا وأميركا، ووصلت عصابات "الهوليغنز" لمرحلة من الانحراف والدموية، فإن في العالم العربي شحنا يكاد يكون مقصودا ومنظما لزيادة التعصب، وذلك وفق ضيف حلقة (2022/11/9) من برنامج "موازين"، الذي ربط بين ظاهرة التعصب وضعف الإعلاميين، قائلا إن نسبة الإعلاميين الأكفاء في القنوات العربية أقل بكثير من غير الأكفاء.

الألتراس.. شماعة التعصب

وحول زيادة نشاط الألتراس بعد الربيع العربي، نوّه الناقد الرياضي المصري إلى أن الألتراس مجموعة يريد البعض استخدامها شماعة لتبرير الشغب والتعصب، وقال إنه شاهد بعينه أن مجموعات الألتراس في مصر كانت خالية من التعصب والشغب 100%، مشيرا إلى أن الحكومة هي التي تخشى من الألتراس كخشيتها من كل تجمع، ولذلك استهدفتهم.

وعن ربط التعصب ببيئات اجتماعية بعينها أومستويات طبقية معينة، أوضح أستاذ علم الاجتماع في جامعة تونس محمد الجويلي أن التعصب في كرة القدم ضروري لأنها لعبة تنافسية، وهو يرتبط بشكل أساسي بالشباب الأكثر هشاشة اجتماعية، خاصة على المستويين التعليمي والتربوي، بالإضافة إلى وجود متعصبين من قدامى لعبة كرة القدم.

ولا يمكن وضع جمهور كرة القدم في سلة واحدة، حسب الأستاذ التونسي، فهناك من يذهب لمشاهدة المباريات من أجل الترفيه والتسلية، ويوجد غالبا هذا النوع من الجمهور في الدوريات الأوروبية الكبرى، أما في المنطقة العربية فالمسألة مرتبطة بأزمة الهوية، أي أن الشخص يتعصب في انتمائه للنادي أو الفريق. 

ومن جهة أخرى، ربط الأستاذ التونسي عدم تقبل الجماهير العربية الهزيمة في المباريات الرياضية بمسألة الديمقراطية، فعندما تكون الديمقراطية متجذرة في المجتمع، فإن ذلك ينعكس على تقبل الهزيمة في كرة القدم، مشيرا إلى أن العرب لا يقبلون الهزيمة داخل الملاعب الرياضية ويعدونها إهانة لأنهم لا يؤمنون بالقيم الديمقراطية.

وعن ظاهرة العنصرية داخل الملاعب في الدول الغربية خاصة، أشار الجويلي إلى أن جمهور فريق ليفربول الإنجليزي مثلا هو الذي بات يدافع عن ثقافة ودين اللاعب المصري محمد صلاح، وهو رأي وافقه فيه علاء صادق أيضا.

أما عن مسألة الصراعات الطبقية أو الدينية أو العرقية في الملاعب، فتحدث علاء صادق مرة أخرى عن دور الإعلام في عملية شحن الجمهور، وأعطى مثالا على ذلك بإسبانيا التي قال إن مباريات فريقي ريال مدريد وبرشلونة كانت تمر مرور الكرام، ولكن عندما جاء حكم الجنرال فرانسيسكو فرانكو أصبح الإعلام في كتالونيا يتهم فرانكو بدعم ريال مدريد، وازدادت الأمور سخونة بعد اندلاع الحرب الأهلية الداخلية في الثلاثينيات والأربعينيات وقيام فرانكو بتدمير ملعب برشلونة.

وبشأن طرق معالجة ظاهرة التعصب في الملاعب العربية، قال الناقد الرياضي المصري إن فكرة منع الجماهير من المباريات مدى الحياة كما يحدث في الدوري الإنجليزي عقوبة يستحيل تطبيقها في الدول العربية، بسبب الفوضى التي تشهدها الملاعب العربية. ففي أوروبا أو أميركا يخصص لكل متفرج مكانه، وهناك كاميرات توثّق تصرفات الجمهور في الملاعب، في حين أن الملاعب العربية تفتقد إلى هذه التقنية، ولذلك عندما يخطئ متفرج يتلقى جميع الجمهور العقاب.