موازين

بعد اتهام السلفية بتفريخ العنف والتطرف.. هل تطرح الصوفية نفسها بديلا للحركات الإسلامية؟

لم يتوقف الجدل حول دور التصوف في العالم الإسلامي على مدى عقود، لكن سخونته زادت مع ثورات الربيع العربي بسبب محاولات بعض الأنظمة العربية إعادة التوظيف السياسي للتصوف في مواجهة الإسلام السياسي.

ويعرّف الأستاذ بكلية الحقوق في جامعة "قاصدي مرباح" عبد المنعم القاسمي التصوف بأنه مفهوم إنساني عالمي وُجد مع وجود الإنسان على سطح الأرض، وبدأ مع رحلة النفس البشرية للبحث عن الحقيقة والكمال والمطلق، مشيرا إلى أن التصوف الإسلامي وُجد في القرن الثالث للهجرة بعد ظهور التيارات الفكرية والثقافية، وقبل ظاهرة التصوف كانت هناك ظاهرة الزهد الإسلامي.

والتصوف -في نظر الأستاذ الجزائري- مفهوم شامل واسع وجد عند الديانات والحضارات السابقة قبل مجيء الإسلام.

وبالنسبة للمستشار الأكاديمي لمعهد السياسة والمجتمع في الأردن محمد أبو رمان، فقد سادت جذور الثقافة الصوفية في العالم العربي قرونا طويلة، وكانت جزءا رئيسيا من البنية الثقافة والمجتمعية، وفي بعض المجتمعات يعد التصوف ثقافة عميقة ومتجذرة، مثل دول المغرب العربي ومصر وسوريا والعرق ودول إسلامية أخرى.

ويرجع أبو رمان النظرة السلبية للتصوف إلى انتشار السلفية في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث تسيّدت الثقافة السلفية المشهد العام، وكان هناك موقف مضاد للتصوف من خلال محاولة تقزيمه في بعض التوجهات والسلوكيات، مبينا أن الانتماء للطريقة الصوفية ليس كالانتماء للحزب السياسي أو لجماعية معينة، وأن الظاهرة الصوفية ظاهرة هلامية وليست ظاهرة حركية منضبطة بأطر سياسية واضحة.

الصراع بين الصوفية والسلفية

ويوضح عبد المنعم القاسمي أن من الضروري التمييز بين التصوف بوصفه ظاهرة إنسانية روحية تبحث عن الكمال والمطلق، وعن تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، وبين ظاهرة الطرق الصوفية التي ظهرت في القرون الوسطى بعد سقوط الأندلس، وبعد أن كثرت هجمات العدو على بلاد المسلمين. كما يرفض ما يذهب إليه بعض الباحثين من أن الطرق الصوفية سبب تخلف المسلمين وتراجعهم، بل هو نتيجة أسباب اقتصادية واجتماعية بعد سقوط الأندلس، كما يقول.

ولا يرى الأستاذ الجامعي وجود فرق بين الطرق الصوفية في المشرق والمغرب العربيين، لأن معظم هذه الطرق لها هدف ومنطلق واحد، والخلاف في الأساليب.

وعن الصراع بين الصوفية والسلفية، يقول الباحث الأكاديمي في التصوف الإسلامي عزيز الكبيطي الإدريسي في مداخلته ضمن حلقة (2022/10/26) من برنامج "موازين"؛ إنه صراع حول المرجعية الدينية ومن الأحق بتمثيل أهل السنة والجماعة، إذ ترى السلفية أنها أهل لهذا التمثيل، بوصفها تستمد مرجعيتها من الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، في حين يعتقد الصوفيون أن منهج السلف الصالح لم يكن موحدا، لذلك فلهم المرجعية لأنهم يستندون إلى الكتاب والسنة وعلى فهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

أما عن نظرة الصوفية لبقية الحركات السلامية، فيركز عبد المنعم القاسمي على حالة بلاده الجزائر، ويقول إن الطرق الصوفية كانت مسيطرة على جميع مناحي الحياة قبل دخول الاحتلال الفرنسي، وقادت بعد ذلك في معظمها المقاومة والجهاد ضد هذا المحتل، ولكن منذ السبعينيات ظهرت تيارات إسلامية غريبة عن المجتمع الجزائري، نتيجة حسابات وأجندات معينة، وأدى ظهور هذه التيارات إلى مشاكل وفوضى واضطرابات وحرب أهلية في الجزائر.

توظيف الصوفية عقب هجمات 11 سبتمبر

من جهته، يوضح أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية وصفي عاشور أبو زيد في مداخلته أن العلاقة القائمة بين الصوفية والتيارات الإسلامية الأخرى علاقة في مجملها سلبية في ظل غياب الحرية، مشيرا إلى أن الصوفية هي التزكية، وهي مهمة نبوية، وأن كل المصلحين كانوا يتميزون بجانب التزكية والتصوف.

في حين يرى الباحث الأكاديمي في التصوف الإسلامي -في رده على سؤال بشأن علاقة الصوفية بالأنظمة العربية خلال الفترة الأخيرة- أن علاقة الصوفية بالحركات الإسلامية الأخرى وبالأنظمة العربية ارتبطت بجملة من الظروف والسياقات، منوّها إلى محاولات الأنظمة العربية بعد الربيع العربي لإعادة التوظيف السياسي للتصوف في مواجهة الإسلام السياسي، بالإضافة إلى أن بعض الدراسات الغربية سعت بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة إلى توظيف التصوف في العالم العربي في مواجهة التيارات الراديكالية التي عدّت جذورها سلفية.

كما يشير الضيف الأردني إلى نظريات غربية ظهرت عقب أحداث 2001 تحمّل السلفية ما حدث في الولايات المتحدة، ووصلت لخلاصات مفادها أن دعم الحركات السلفية خلال الفترة السابقة انعكس سلبا على الولايات المتحدة، ولذلك ركزوا على البحث في التصوف وكيفية دعم الطرق الصوفية بوصفها تمثل "الإسلام التقليدي" مقابل "الإسلام السياسي"، دون إغفال -كما يقول المتحدث- ظهور تيار أكاديمي واسع في الغرب درس التصوف بصورة موضوعية ونسبة كبيرة من أصحاب هذا التيار أسلموا وأصبحوا متصوفين.

وحول إمكانية أن تطرح الصوفية نفسها بديلا للحركات الإسلامية، يرى الأستاذ الجزائري أن التصوف أكبر من أن يكون بديلا عن الحركات الإسلامية، مبينا أن لجوء الصوفية للانعزال عن السياسية مرده إلى الظروف التي وجدت فيها التيارات والطرق الصوفية التي منعتها من العمل والتطور أكثر.