قتلتهم إسرائيل بعملية سريعة ووحشية.. من هم مقاومو "كتيبة أريحا" ولماذا اغتالهم الاحتلال؟

مكان اغتيال الشبان المقاومين- مواقع التواصل
موقع اغتيال الشبان الفلسطينيين الخمسة بمخيم عقبة جبر (مواقع التواصل)

نابلس- على وقع مجزرة لم تشهدها من قبل، أفاقت أريحا الفلسطينية وسط الضفة الغربية على جريمة اغتيال الاحتلال الإسرائيلي 5 شبان فلسطينيين، وإصابة اثنين بجروح خطيرة، وذلك بعد اقتحامها مخيم عقبة جبر جنوب المدينة فجر اليوم الاثنين.

وبُعيد الرابعة فجرا حاصرت قوات من جيش الاحتلال ووحداته الخاصة لا سيما "لبؤات الأغوار" مبنى من القرميد (كرفان) تحصَّن فيه المقاومون الذي يتهمهم الاحتلال بالوقوف خلف عملية إطلاق النار على مطعم للمستوطنين عند مفترق ألموغ بين أريحا والبحر الميت قبل 10 أيام.

وتشير المعطيات إلى أن معلومة وصلت لقوات الاحتلال حول مكان وجود المقاومين في المبنى بجانب إحدى الفلل السكنية عند أطراف المخيم، فقام عناصر هذه القوات بتطويق المنزل وأطلقوا النار بكثافة، ولما تنبه أحد المقاومين اشتبك معهم، فأصاب وفق ادعاء الاحتلال البزة العسكرية لأحد الجنود.

وما أن وقعت المجزرة حتى بدأت المعلومات تتناقل حول الشبان المستهدفين، وظل التكتم الإسرائيلي متصدرا للمشهد لنحو 3 ساعات حول طبيعة العملية والأشخاص المستهدفين، ليذيع بعد ذلك أنها "الخلية التابعة لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس" وأن الشهداء هم الشقيقان رأفت وإبراهيم وائل عويضات (21 و27 عاما) وابن عمهما أدهم مجدي عويضات (22 عاما) ومالك عوني لافي (22 عاما) وثائر عويضات (28 عاما).

اشتباكات بين مقاومين فلسطينيين وقوات الاحتلال في أريحا قبل أيام (رويترز)
اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في أريحا قبل أيام (رويترز)

من هؤلاء المقاومون؟

وبشكل علني، أكد جيش الاحتلال أن المقاومين مالك ورأفت عويضات هما من يقفا خلف "عملية ألموغ" وعزَّز ذلك بصورة لهما التقطتها إحدى كاميرات الشارع العامة، وأنهم جميعا من أشقاء وأقارب من نفس العائلة والمخيم وقد شكلوا "خلية مقاومة" لتعرف لاحقا باسم "كتيبة مخيم عقبة جبر" استعدادا لتنفيذ عمليات فدائية أخرى.

ولعائلة متواضعة ولد إبراهيم ورأفت من بين 6 أشقاء (4 منهم من الذكور وفتاتان) داخل مخيم عقبة جبر، ويعمل والدهما في التجارة الخاصة بين المركبات والمواشي.

وفي مدارس الوكالة تلقيا تعليمهما الأساسي والثانوي ثم أنهيا تعليمهما الجامعي وشقا طريقهما بعمل يمكنهما من الاستقلال بذاتهما والزواج وبناء أسرة، وهو أمر آثرا النضال عليه كما يظهر، وبوظيفة مدنية عمل إبراهيم، بينما التحق رأفت بالعمل في القطاع السياحي بأحد الفنادق.

أما مالك (المتهم الثاني الرئيس بتنفيذ العملية) فقد ولد لأبوين بسيطين (والده مسن ومريض) من بين 3 أبناء (2 ذكور وفتاة واحدة) واعتقل الاحتلال أحد أشقائه واسمه معاذ، للضغط عليه لتسليم نفسه ضمن حملة الاعتقالات التي شنها الاحتلال ضد العشرات من المخيم، بينهم أفراد من العائلة الواحدة.

ولم ينه مالك تعليمه الثانوي، وانتقل مباشرة إلى سوق العمل ليعيل أسرته، فاشتغل بالعمل الحر كسائق مركبة خاصة.

ولم يسبق أن اعتقلت سلطات الاحتلال أيا من الشبان المستهدفين، بيد أن مالك ورأفت تعرضا للاستدعاء والملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

قوات إسرائيلية تقتحم مخيم عقبة جبر في أريحا بالضفة الغربية - فلسطين بوست
قوات إسرائيلية اقتحمت مخيم عقبة جبر في أريحا (مواقع التواصل)

اختاروا طريقهم

وبصوت الأب المكلوم والحزين تحدث وائل عويضات للجزيرة نت عبر الهاتف عن إبراهيم ورأفت بعد أن وصفهما أنهما "مثل الورد" وقال إن آخر مرة رآهما فيها قبل 10 أيام، أي منذ تاريخ العملية، دون أن يعرف ماذا جرى وكيف.

وأضاف "هذا من نعم الله علينا، وأن هذا الطريق لا يسلكه إلا الكبار الذين يقدمون دمهم فاتورة له" وتابع أنهم كعائلة وأسوة بباقي المواطنين بالمخيم تعرضوا "لتنكيل من جيش الاحتلال وعقاب جماعي" خلال اقتحامه منزلهم مرتين خلال الحصار وتفتيشه والعبث بمحتوياته وتدميره.

أما والدة إبراهيم ورأفت فقالت إنها رأتهما بعد الاقتحام الأخير وسلمت عليهما وأخبراها أن هذا دربهما، وكيف تصديا لجيش الاحتلال "ودوَّخا جنوده".

والشهداء الخمسة إضافة لكونهم شبانا بمقتبل العمر شكَّلوا خلية مقاومة، فهناك علاقة قرابة وصداقة قوية تربطهم جعلت منهم "محبوبين بالمخيم" وعرف عنهم "دماثة اخلاقهم".

وتأتي عملية اغتيال الشبان بعد 10 أيام من حصار أريحا ومخيم عقبة جبر (11 ألف نسمة) تحديدا، حيث شل الاحتلال المدينة بالكامل ومؤسساتها، واقتحم المخيم أكثر من مرة وعاث به دمارا، لا سيما الاقتحام الأخير قبل يومين والذي فشل عبره في اعتقال المقاومين.

عاطف دغلس-جانب من جامعة الاستقلال للعلوم الامنية وهي احد اركان المؤسسة الامنية في السلطة الفلسطينية واجهزتها الامنية- الضفة الغربية- اريحا-الجزيرة نت4
أريحا الحدودية مع الأردن معروفة بهدوئها عن باقي مدن الضفة (الجزيرة)

تصفية بوحشية

وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المخيم ظهر المقاومون (كتيبة مخيم عقبة جبر) بزيهم وعتادهم العسكري الذي أثار حفيظة الاحتلال، فقام الاحتلال اليوم حسب ما يقول خالد براهمة الناشط السياسي في أريحا "بتصفيتهم بدم بارد بعد اعتقالهم، كما يُرجَّح".

وأضاف الناشط للجزيرة نت أن الاغتيال حمل طابع التمويه، إذ اقتحم الاحتلال المخيم من أكثر من محور، وشنَّ عمليات اعتقال بصفوف المواطنين بينهم الشيخ شاكر عمارة القيادي بحركة حماس، وهاجم في الوقت نفسه وبقوات أخرى الشبان المقاومين "وظهرت وحشية الاغتيال بكثافة الرصاص الذي أطلقه الاحتلال وبقع الدماء التي أغرقت المكان".

وعن قراءته لهذا "الاغتيال السريع" يقول الناشط الفلسطيني إن الاحتلال حرص على إنهاء الظاهرة بأسرع وقت كي لا تنتقل لمدن ومناطق أخرى قريبة، لا سيما في أريحا المعروفة بهدوئها، بالرغم من أنها امتداد طبيعي لحالة المقاومة بالضفة.

وعن ردة فعل الأهالي في أريحا ومخيم عقبة جبر، قال براهمة إن حالة من الفخر يشعرون بها جميعا لا سيما الشبان، موضحا أن هؤلاء المقاومين ورغم ما عاشه المخيم والمدينة من حصار طوال 10 أيام شكلوا حالة "فريدة ونادرة من الفخر" بين الأهالي الذين احتضنوهم وكثفوا الدعاء لهم، وحتى أريحا حظيت بحالة إعلامية لم تعشها من قبل كمدينة تقاوم.

ولم يخف الناشط أن هؤلاء المقاومين زرعوا "بذرة النضال" وأن آخرين ربما يكملون مسيرتهم، مستدلا بما ظهر من حالة الغضب الشديد بين شبان المخيم عقب استشهاد المقاومين.

تفشي الظاهرة

أما عصمت منصور محلل الشأن الإسرائيلي فأشار إلى أن "تسريع" الاحتلال استهداف "المقاومين بمخيم عقبة جبر والمنتمين لحماس كما ظهر في استعراضهم المسلح يبعث برسالة مفادها بأنه لن يسمح بتفشي هذه المظاهر، وسيجتثها قبل أن تخلف حاضنة وبيئة لها كما الحال في جنين ونابلس".

ولهذا يقول المحلل السياسي للجزيرة نت: نفَّذ الاحتلال عمليته اليوم بصورة خاطفة وموجعة ووحشية حتى نتائجها. وأضاف "كان بإمكانه اعتقالهم إلا أنه اختار تصفيتهم وخطف جثامينهم".

ومما أثار الاحتلال وسرَّع تحركه -برأي منصور- إعلان الخلية المقاومة نفسها كتيبة أو تشكيلا مسلحا، مما عكس تحديا له مفعوله المعنوي والنفسي والإعلامي على الجمهور الفلسطيني والإسرائيلي، بمعني "انتشار المقاومة وتعدد بؤرها وتوسعها".

وختم المحلل للشأن الإسرائيلي بأن أريحا مدينة حدودية وقريبة من القدس وذات مركز أمني حساس للاحتلال، والأهم أنها لم تشهد مثل هذه المظاهر مما جعل الاحتلال يتحرك قبل أن تتوسع وتنتشر الفكرة.

وقد شهد مخيم عقبة جبر توافد مئات المؤازرين لعوائل الشهداء إلى "بيت التضامن" الذي أقيم وسط المخيم.

المصدر : الجزيرة