واقع التعليم يترنح في لبنان على وقع الإضرابات مع انهيار الليرة

جانب من وقفة احتجاجية لعشرات المعلمين أمام وزارة التربية والتعليم العالي في بيروت (الجزيرة نت)

بيروت- ينطبق مفهوم "فقر التعلم" الذي سبق أن أطلقه البنك الدولي على شرائح من طلاب لبنان وفق خبراء، ويشكل تهديدا لمستقبلهم مع دخول الأزمة الاقتصادية في لبنان عامها الرابع.

ذلك أن الانهيار الكبير في البلاد كشف عن تداعيات جلية ومقلقة على طلاب لبنان في التعليم الرسمي والخاص. وفي حين تقتصر جودة التعليم على مدارس خاصة تعتمد مناهج دولية ويلتحق بها نحو 10% من الطلاب، يعاني الجزء الأكبر من تلاميذ لبنان من تراجع أداء المدارس بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسات الحكومية التي همّشت قطاع التعليم الرسمي طيلة عقود.

يدخل إضراب الأساتذة بالمدارس الرسمية شهره الثاني، كما نفذ أساتذة المئات من المدارس الخاصة إضرابا تحذيريا للمطالبة بحقوق معيشية. ويترقب ذوو آلاف الطلاب مصيرهم، إذ تضيع الإضرابات عشرات الأيام الدراسية.

واقع وخلفيات

ويواصل أساتذة التعليم الرسمي إضرابا شاملا للمطالبة بدفع مستحقاتهم وحوافز وُعدوا بها، ويرفضون العودة قبل استيفاء مطالبهم التي وضعوها بمرمى الحكومة. ومع انهيار الليرة اللبنانية وبلوغها أكثر من 63 ألفا للدولار، تآكلت قيمة نحو 90% من رواتبهم.

وفي منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، قررت وزارة التربية إيقاف تعليم طلاب اللاجئين السوريين بدوام بعد الظهر عملا بما وصفته "مبدأ المساواة" مع الطلاب اللبنانيين. ووضع كثيرون الإجراء بإطار ضغط السلطة على المجتمع الدولي لتحصيل مزيد من المساعدات المالية من المنظمات الدولية المانحة.

تاريخيا، كان ينجذب آلاف خريجي لبنان للعمل بالقطاع الرسمي أملا بالتفرغ الوظيفي، باعتباره ملاذا يوفر رواتب لا تقل عن ألف دولار وتصل بعد سنوات خبرة إلى 2500 دولار، مع ضمان صحي واجتماعي وتعويض نهاية الخدمة. وشكل موظفو القطاع عصب الطبقة الوسطى، ثم دفعتهم الأزمة إلى طبقة الفقراء، ورواتبهم اليوم تقدر معدلاتها بـ100 دولار شهريا.

ويبلغ عدد مؤسسات التعليم الرسمي 1235 مدرسة، تضم نحو 342 ألفا و304 طلاب، ويقدر عدد أساتذتها بأكثر من 55 ألف أستاذ، وفق حديث نائب رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي حيدر إسماعيل للجزيرة نت.

ويربط خلفيات الإضراب بالضائقة الاقتصادية "حق الأساتذة بالعيش بكرامة". ويقول إن الأساتذة حصلوا سابقا على الرواتب الثلاثة المضاعفة، فخسرت قيمتها سريعا مع استمرار تهاوي الليرة، ويحددون مطالبهم حاليا في 3 محاور:

  • تقاضي رواتبهم بسعر صرف خاص بهم عبر منصة "صيرفة" يوازي 15ألف ليرة للدولار.
  • تأمين 6 لترات بنزين عن كل يوم عمل.
  • توفير تغطية صحية شاملة تتماشى مع قيمة الدولار بالسوق الموازية.

ويفيد إسماعيل أن وزارة التربية تبنت مطالب المعلمين بعد أشهر من تجاهلها، وستحملها للحكومة، محذرا من أن تجاهلها سيعني القضاء على قطاع التعليم الرسمي.

مظاهرةللمعلمين في المدارس الحكومية للمطالبة بحقوقهم (الجزيرة نت)
جانب من مظاهرة للمعلمين في المدارس الحكومية للمطالبة بحقوقهم (الجزيرة نت)

مواقف رسمية

بالمقابل، قال وزير التربية بحكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، إن جلسة الحكومة التي ستعقد بعد غد الاثنين، مخصصة بجزء من جدول أعمالها "لإنقاذ العام الدراسي"، وستبحث سبل توفير الاعتمادات اللازمة استجابة لطلبات الروابط والأساتذة والمتعاقدين.

وأوضح أن الأموال التي وعدهم بها موجودة بالوزارة، وتبلغ نحو 10ملايين دولار، وسيتم صرفها إذا أقر المرسوم بجلسة الحكومة، إضافة لنحو 6 ملايين دولار من الجهات المانحة.

وقبل أيام، حذرت ممثلة اليونيسيف بلبنان إيتي هيغنز من تداعيات بقاء نحو 500 ألف طفل خارج المدارس، وأكدت ضرورة حصول الأساتذة على رواتب تمكنهم من تلبية احتياجاتهم. وتحدثت عن حوالي 24 مليون دولار ستصرف مباشرة للمدارس الرسمية، عبر شركة رقابة لتتبع آلية صرفها.

وقالت إن اليونيسيف موجودة فقط للدعم بالأدوات التشغيلية والموارد والاستشارات، لا لتحل مكان الدولة.

وسبق أن حذرت اليونيسيف من انقطاع الطلاب عن التعلّم وأن الآثار الفورية وطويلة الأمد ستكون مستعصية على الحل.

الخاص أيضا

ويتحدث نقيب المعلمين بالمدارس الخاصة نعمة محفوض عن استفحال الأزمة بالقطاع الخاص أيضا، وتهديد مستقبل طلابه، "نتيجة هدر حقوق الأستاذة".

ويذكر للجزيرة نت أن القطاع الخاص يوفر التعليم لنحو 75% من طلاب لبنان.

ويبلغ عدد المدارس الخاصة نحو 1209 مدارس، ويعمل فيها نحو 51 ألفا و215 أستاذا، بينهم نحو 19 ألفا و209 متقاعدين. كما يبلغ عدد المدارس الخاصة شبه المجانية نحو 352 مدرسة، يعمل فيها نحو 7 آلاف و468 أستاذا، وفق الدولية للمعلومات.

ورغم أن معظم المدارس الخاصة فرضت على الأهالي تسديد نسبة من الأقساط بالدولار النقدي، لكنها تعطي الأساتذة نحو 100 دولار نقدية فقط مضافة لرواتبهم الزهيدة بالليرة. كما أن نحو 10% من المدارس الخاصة تعطي الأساتذة نحو 300 دولار، لا تغطي أيضا كامل حاجتهم في ظل التضخم الكبير بلبنان ودولرة اقتصاده، وفق النقيب.

ويشير إلى أن عددا كبيرا من إداراتها، ومع غياب الرقابة، لا تلتزم بالقانون لأن الأقساط التي يسددها الأهالي يذهب 65% منها لأجور الأساتذة، و35% لتغطية المستلزمات التشغيلية وأرباح أصحابها.

ويكشف عن توجه معظم أساتذة المدارس الخاصة قريبا لتصعيد تحركاتهم المطلبية، مع الإشارة إلى أن عددا كبيرا منها خفضت أيام التعليم الأسبوعية من 5 أيام إلى 4 أو 3 أيام وبدوامات قصيرة.

الأزمة البنيوية

وأمام المعركة المطلبية، تظهر أزمة تربوية بنيوية وهيكلية، تصيب لبنان منذ عشرات السنين، فانكشفت فداحتها بعد الانهيار منذ خريف 2019، وفق حديث الأكاديمي والباحث التربوي بمركز الدراسات اللبناني نعمة نعمة للجزيرة نت.

ويفيد بأن لبنان يدخل سنته الرابعة من "تعثر التعليم" الذي تسبب بظاهرة "فقر التعلم"، ويقول إن نحو 90 ألف طفل يدخلون المدارس سنويا، بينما لا يتخرج من الصف التاسع أكثر من 45 ألفا.

يشار إلى أن البنك الدولي طرح مفهوم "فقر التعلّم" للإضاءة على أزمة التعلّم في عدد من دول العالم، وهو يعبر عن نسبة الطلاب الذين يبلغون العاشرة من العمر ولا يستطيعون قراءة نص بسيط وفهم محتواه رغم التحاقهم بالمدارس.

ويعتبر البنك أن لبنان يفتقر للدراسات والأرقام الرسمية حول واقع التعليم، وتتفادى وزارة التربية إصدار بيانات خوفا على التمويل الخارجي، لأن جزءا كبيرا منه مرتبط بضمان إلزامية ومجانية التعليم حتى الصف التاسع.

ويضيف أن لبنان منذ 2010 دخل إليه تراكميا من المنظمات الدولية نحو 2.5 مليار دولار لدعم التعليم الرسمي، والدولة صرفت خلالها من ميزانيتها نحو 2.3 مليار دولار.

ويعتبر نعمة أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة سعت لإيهام الرأي العام أن المساعدات الخارجية كانت مخصصة حصرا لتعليم أبناء اللاجئين السوريين، بينما الحقيقة، "لم يتجاوز عدد الطلاب السوريين بسنوات الذروة بالمدارس الرسمية 210 آلاف طالب وهم اليوم أقل من 100 ألف".

ويقول إن التمويل الخارجي المخصص لتعليم السوريين يقدر بـ600 مليون دولار، وباقي التمويل كان لتطوير المناهج وتعزيز البنية التحتية للتعليم الرسمي.

ويعتبر أن ثمة "سوء إدارة بطريقة صرف الأموال والهبات الخارجية، مما أوصل الواقع الأكاديمي إلى هذا الدرك، وجعل لبنان بأدنى سلم التصنيفات الدولية للتعليم بالدول العربية، خصوصا أن مناهجه متأخرة نحو 30 عاما".

وأوضح أن جودة التعليم بالمدارس الدولية بلبنان تقتصر على نحو 10% من الطلاب، ولا يتجاوزون 40 ألف تلميذ.

ويصف تعامل وزارة التربية مع مطالب الأساتذة وأزمة التعليم بالمنفصل عن الواقع، "بينما أصبح يدخل طلاب الجامعات مستواهم الأكاديمي بمستوى صف تاسع، لأن الدولة لم تتبع نظاما تعليميا متسارعا لتعويض النقص بالكفايات التربوية.

المصدر : الجزيرة