مكانة تاريخية وجدل مستحدث.. لماذا تتعرض "الكتاتيب" للهجوم بمصر؟

midan - كتاتيب
المصريون اعتادوا على تعليم الصغار القرآن الكريم في الكتاتيب (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة- "الكتاتيب" (جمع كُتّاب بضم الكاف وتشديد التاء) عبارة تطلق على مراكز تحفيظ القرآن في مصر، وتحظى بمكانة تاريخية بارزة، لكنها كانت محل جدل واسع بعدما أعلن الأزهر الشريف عن سعيه للتوسع في إنشاء الكتاتيب في الفترة الأخيرة تحت اسم "رواق الطفل لتحفيظ القرآن الكريم"، وهو ما أثار حفيظة بعض الكُتّاب والإعلاميين، الأمر الذي عبّر الأزهر ومحبوه عن رفضهم له.

وأعلن الأزهر في 30 مايو/أيار الماضي عن تقدم ما يقرب من نصف مليون طفل مصري للالتحاق بـ"رواق الطفل لتحفيظ القرآن"، وهو ما اعتبره المشرف على المشروع عبد المنعم فؤاد ردا عمليا على ما وصفه بـ"الحرب على كتاب الله"، في حين دافع البعض عن الرؤية المضادة، انطلاقا من اصطفاف فكري وسياسي مرصود، بات معتادا أن يظهر بشأن أي حدث بمصر وفق ما يرى البعض.

ووفق رصد محرر الجزيرة نت، استنادا لـ3 دراسات، وتقارير، تبوأت "الكتاتيب" مكانة متميزة في التاريخ التعليمي بمصر، وتخرج منها كثير من مشاهير العلم والأدب ومنهم الأديب الراحل طه حسين والداعية الشهير الراحل محمد متولي الشعراوي، وكبار قراء القرآن الكريم ومنهم الشيخ الراحل عبد الباسط عبد الصمد ، بجانب شيخ الأزهر الحالي الإمام الأكبر أحمد الطيب.

تاريخ عريق

وفي كتابه "الكتاتيب"، يقول الأكاديمي الأزهري سيد محروس، إن الكتاتيب انتشرت منذ الفتح الإسلامي لمصر (20هـ/639 م)، وذلك لتحفيظ القرآن وتعليم اللغة ومبادئ الحساب، وخصص لها الأغنياء أوقافا للإنفاق عليها.

ويشير محروس إلى أن كل قرية كان يوجد بها من 6 إلى 8 دور لتحفيظ القرآن، مؤكدا أن الاهتمام بالكتاتيب زاد خلال عهود الزنكيين والأيوبيين والمماليك، وظلت تؤدي دورها حتى تولى محمد علي حكم مصر عام 1805، فبدأ بنشر التعليم الحديث، مما أثر كثيرا على وضع الكتاتيب والإقبال عليها.

وفي دراسة بعنوان "مسيرة التعليم في مصر: من الكتاتيب إلى المدارس الدولية"، وثّقت الباحثة رضوى منتصر الفقي، نشأة الكتاتيب والتي مرت بعدة مراحل بداية من العصور الإسلامية الأولى بمصر، موضحة أن المسجد كان خلال فترات حكم الأمويين والعباسيين والفاطميين هو حجر أساس التعليم في مصر، وفيه ترعرع نظام الكتاتيب، مثل مساجد عمرو بن العاص وابن طولون والحاكم بأمر الله.

وفق دراسة الفقي، في فترة الخلافة العثمانية (1517- 1805م) ظل تعليم المسلمين مقتصرا على المساجد والكتاتيب، أما الأقباط واليهود فكان تعليمهم يقتصر على الكتاتيب الخاصة بهم، وكانت "كتاتيب الأقباط" مختلف نسبيا عن المسلمين، حيث يتعلم فيه الطفل الدين واللغة العربية والقبطية بجانب تدريس الحساب، أما اليهود فكانت لهم كتاتيب ملحقة بالمعابد اليهودية لتعليم الدين واللغة العبرية.

تراجع ثم صعود

تشير الدراسة إلى أن محمد علي (1805- 1848م) بعد توليه الحكم قام بمصادرة كافة ممتلكات الأوقاف، ما أثر سلبا على التعليم الأساسي المتمثل في الكتاتيب والمساجد والمدارس الدينية، خاصة مع اتجاهه لإنشاء المدارس الحديثة، في حين أبدى الاحتلال البريطاني لمصر، قلقا من تأثير الكتاتيب منذ اللحظة الأولى، حيث حوّلها من إشراف ديوان الأوقاف إلى ديوان المدارس عام 1889، حتى تكون تحت إشرافه.

وما بين عامي 1938 و1945، صدرت قرارات حكومية مصرية بدمج كافة الأنماط التعليمية -ومن بينها "الكتاتيب"- في نظام تعليمي واحد، أطلق عليه التعليم الابتدائي بالتزامن مع قرار مجانية التعليم الإلزامي والثانوي، وهو ما ظل مستمرا في فترات ما بعد حركة الضباط في 1952 مع تطوير نظام التعليم الابتدائي.

في المقابل، شهدت فترة الرئيس الراحل محمد أنور السادات (1918م – 1981م) اهتماما من التيارات الدينية خاصة جماعة الإخوان المسلمين بالتوسع في "الكتاتيب".

وفي دراسة بعنوان "الكتاتيب؛ نشأتها وأنماطها وأثرها في تعلُّم وتعليم القرآن الكريم .. الكتاتيب في مصر أنموذجا"، يرى المؤلف مبروك بهي الدين الدعدر، أن الكتاتيب في مصر تعرضت للهجوم والتقويض بداية منذ الحملة الفرنسية عام 1798، ثم في فترة حكم محمد علي، لكن لا يزال هناك حتى الآن موقع مهم للكتاتيب في قلوب المصريين.

وعقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ومع الصعود السياسي للتيار الإسلامي وتولي الرئيس الراحل محمد مرسي سدة الحكم، اعتنت الحكومة عبر وزارة الأوقاف، بنظام الكتاتيب، وبدأت في التوسع فيه.

جدل واسع

ورغم هذا التاريخ، نشبت في الأيام الأخيرة معركة جدلية واسعة بعد هجوم على مراكز تحفيظ القرآن للأطفال، جاء على لسان سلوى بكر، وهي روائية، وذلك في مقابلة تلفزيونية.

وتساءلت الكاتبة التي تجاوزت الـ70 عاما عن جدوى تعليم طفل الآيات القرآنية في الصغر وإلحاقه بمراكز تحفيظ القرآن، معتبرة أن ذلك سرقة للطفولة، بحسب وصفها.

ولكن الأزهر بدوره، انتقد ذلك في بيان رسمي حاد. وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، وهو مركز يتبع مباشرة لمشيخة الأزهر، إن الدعوة إلى إبعاد النشء عن القرآن الكريم وتعاليمه الراقية السَّمحة دعوة صريحة إلى إبعادهم عن دينهم وقيمهم، وقطعهم عن لغتهم وثقافتهم وهويتهم، كما أنها تفتح الباب للأفكار والتفسيرات الهدّامة.

بدوره، أكد مشرف "رواق الطفل لتحفيظ القرآن" عبد المنعم فؤاد، أن إقبال ما يقرب من "نصف مليون طفل" على حفظ كتاب الله، هو رد عملي على دعوات "الحرب على كتاب الله"، على حد تعبيره.

وفي رده على تهمة سرقة الطفولة بتعليم القرآن في الصغر، قال فؤاد: ولماذا تشجعون على تعليم الأطفال لغات أجنبية، وهم صغار، وهم لا يعرفون ماذا يريدون؟ ولماذا نعلمهم السباحة والرياضة وهم صغار، أليس هذا سرقة لطفولتهم؟!

وأضاف، في بيان على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، أن أولياء الأمور رأوا أن تعلم كتاب الله وحفظه لأطفالهم سيعود عليهم بالنفع والذكاء والاستقامة، فضلا عن كونه تقربا لرب العالمين في الدنيا والآخرة.

وأوضح أن التاريخ يشهد بالخير للكتاتيب بمصر، قائلا إن "الأطفال الذين تعلموا كتاب الله وحفظوه في الكتاتيب كانوا مصابيح هدى وهداية ورواد نهضة وعلم، والتاريخ يشهد بذلك ويقص حكايات رفاعة رافع الطهطاوي، والشيخ محمد عبده، وعمر مكرم، وأحمد عرابي، ومصطفى كامل، والشيخ الشعراوي، والدكتور السنهوري، وغيرهم كثير حفظوا كتاب الله من الصغر، فهل خطفت الكتاتيب طفولتهم، وصاروا صعاليك في المجتمع أم صاروا رواد نهضة وقادة فكر وزعماء وطن؟".

 

الجدل لم يتوقف عند سلوى ورموز بالأزهر، لكن شارك فيه نشطاء ومغردون بين مؤيد ومعارض.

ومؤخرا، أطلق الجامع الأزهر مشروع "رواق الطفل لتحفيظ القرآن" بفروع منتشرة في جميع محافظات الجمهورية، يبلغ عددها 507 أفرع، في إطار مماثل لفكرة الكتاتيب.

وأعلن الأزهر أن السبت 4 يونيو/حزيران سيكون موعد انطلاق أعمال التحفيظ بالمستوى الأول لرواق الطفل لتحفيظ القرآن الكريم (من سن 5 حتى 6 سنوات)، بطاقة استيعاب 90 ألف طالب على مستوى الجمهورية.

وعلى التوازي، أعلنت وزارة الأوقاف المصرية وصول عدد المقارئ القرآنية في مصر إلى 319 مقرأة قرآنية بعد فتح 107 مقارئ قرآنية جديدة للجمهور، بحسب بيان رسمي الاثنين 30 مايو/أيار.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي