حلقة جديدة من "موازين".. كيف تتميز العلاقة بين العلماء والسلطة؟

و"هل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار السوء ورهبانها؟".. كلمات قالها حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في معرض تشخيصه للأمراض التي عانى منها المجتمع الإسلامي، لكنها تعكس شكل العلاقة بين العلماء والسلطة على مر التاريخ الإسلامي وحتى يومنا هذا، حيث شهدت مستويات تفاهم وتخادم وتصادم.

وشن الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" هجوما شرسا على فئة من العلماء والملوك بسبب ما أسماها العلاقة الشائنة التي جمعت بعض هؤلاء معا، وكان يرى أن فساد الرعية مرهون بفساد الملوك وأن فساد الملوك رهن فساد العلماء.

ووفق أستاذ اللسانيات في كلية الآداب بالدار البيضاء، أبو زيد المقرئ الإدريسي، فقد حدد علماء السياسة الشرعية في الإسلام وظيفة الحاكم في فرعين هما: حراسة الدين ورعاية الدنيا وكلاهما يحتاج إلى علم. ويشترط في الحاكم مسألة العلم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالخلفاء الراشدين. وقد تشدد الإمام أبو المعالي الجويني في كتابه "غياث الأمم في التياث الظلم" في الفصل الذي خصصه لصفات الإمام في قضية أن يبلغ الحاكم درجة الاجتهاد المطلق وعارض من يقولون إنه يسد الثغرات باستشارته العلماء.

أما ابن تيمية فتنازل نسبيا عن هذا التشدد فتحدث عن عالم مجتهد، وإن لم يكن كذلك يكون مجتهدا مقيدا داخل مذهب، أو أن يكون له بعض العلم الشرعي بشرط استعانته بالعلماء، بدليل أن الخليفة هارون الرشيد كتب ولاية العهد إلى كل أولاده بالتتابع واستثنى ولدا واحدا من صلبه هو المعتصم، لأنه لم يتعلم وكان رجلا عسكريا ورياضيا.

ورغم أن المسلمين في البداية حرصوا على توفر شرط العلم في الحاكم، إلا إنهم فقدوا لاحقا هذا الشرط خاصة مع مجيء الاستعمار الذي كوّن حكاما منسلخين، كما يضيف الإدريسي.

المؤسسات الدينية الرسمية والانقلاب على الربيع العربي

وعن شكل العلاقة بين فقهاء الشريعة والحكام عل مدى التاريخ الإسلامي، أوضح الإدريسي -الذي حل ضيفا على برنامج "موازين" أن علماء الاجتماع الديني وعلماء الاجتماع السياسي في دراساتهم المعمقة تكلموا عن 3 أنماط من الأنظمة العربية الإسلامية، أنظمة قامت على شرعية الدين وأخرى استندت إلى شرعية الدين، وأنظمة قامت على معاداة الدين.

ولأن الدولة الإسلامية الأولى قامت على الدين، فقد كانت العلاقة إيجابية بين الحكام والعلماء، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو العالم وهو المرجع، وكان يستشير معارف الصحابة في الدين والدنيا، وبعده جاء الخلفاء الراشدون، وبعد ذلك بدأت العلاقة تتباعد بين الاثنين.

وحدث الانفصام بين العلماء والحكام في بواكير الدولة الإسلامية، كما جاء في مداخلة عضو المجلس الفقهي في أستراليا، مسعود صبري، واستمر ذلك في ظل الصراع السياسي.

وتحدث الإدريسي عن بعض العلماء الذين زيّنوا للحكام التعصب المذهبي، وأعطى مثالا بالمعتزلة الذين قال إنهم أقنعوا الخليفة العباسي المأمون بخلق القرآن، وهوما جعله يتعصب لهذا الأمر ويقهر العلماء ويعتقل ابن حنبل، مشيرا إلى أن المشكل ليس في تقرب الحاكم من العالم أو العكس وإنما في طبيعة الحاكم وفي نية العالم، فقد كان الحسن البصري الواعظ الأول للخليفة عمر بن عبد العزيز، وكان واعظ الخليفة هارون الرشيد يجعله يبكي حتى يكاد يغمى عليه وتحّول عن مجالس اللهو والترف.

ورأى أن التوجه التحديثي القسري والقاسي للمجتمعات الإسلامية تحت وطأة الاستعمار كان له دور كارثي على وضع العلاقة بين الحكام والعلماء وعلى وضع المؤسسات الدينية، وكانت النتيجة المنطقية لدول ما بعد الاستقلال هو أنها فعلت ما لم يجرؤ على فعله الاستعمار، فلم يغلق جامع الزيتونة ولم يؤمم الأزهر إلا في ظل الدولة الوطنية التي جاءت بعد الاستقلال.

ولم يتغير الوضع في الدول العربية بعد الربيع العربي، إذ استغلت السلطة المؤسسات الدينية مثل الإفتاء والمساجد لترسيخ وجهة نظرها، ويقول أستاذ اللسانيات في كلية الآداب بالدار البيضاء إن المؤسسات الدينية الرسمية كان لها دور في تبييض الانقلاب على الربيع العربي.

المصدر : الجزيرة