في ذكرى استشهاده.. عبد المنعم رياض "الجنرال الذهبي"

عبد المنعم رياض/ مصر/ Abdel Moneim Riad - الموسوعة
في التاسع من مارس/آذار 1969 استشهد قائد أركان الجيش المصري الفريق أول عبد المنعم رياض (الجزيرة)

لو يُقتَلونَ مثلما قُتلتْ..

لو يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ

لو مدمنو الكلامِ في بلادنا

قد بذلوا نصفَ الذي بذلتْ

لو أنهم من خلفِ طاولاتهمْ

قد خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ..

واحترقوا في لهبِ المجدِ، كما احترقتْ

يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ

الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا..

أنتَ بها بدأتْ..

يا أيّها الغارقُ في دمائهِ

جميعهم قد كذبوا.. وأنتَ قد صدقتْ

جميعهم قد هُزموا..

ووحدكَ انتصرتْ

بهذه الكلمات المؤثرة نعاه الشاعر الراحل نزار قباني، لا ليعبر عن الرثاء فقط، بل ليرسم سيرة رجل وقائد عسكري صدّقت أفعاله أقواله، فهو الذي كان يردد "إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب في القاهرة، فالهزيمة مُحققة، إن مكان القادة الصحيح وسط جنودهم، وأقرب إلى المقدمة من المؤخرة".

ففي التاسع من مارس/آذار 1969 وعلى أرض المعركة في سيناء، استشهد قائد أركان الجيش المصري الفريق أول عبد المنعم رياض الملقب بالجنرال الذهبي إثر قصف إسرائيلي، ليفارق رياض الحياة بعدها بدقائق، وتتخذ مصر من تاريخ استشهاده يوما للشهيد، تحيي فيه كل عام ذكرى الشهداء وعلى رأسهم عبد المنعم رياض.

مسيرة عسكرية

في 22 أكتوبر/تشرين الأول 1919 ولد الفريق محمد عبد المنعم محمد رياض عبد الله في قرية سبرباي، إحدى ضواحي مدينة طنطا محافظة الغربية شمال القاهرة، وكان والده قائم مقام (العقيد) محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية حيث تخرج على يديه الكثيرون من قادة المؤسسة العسكرية.

درس في كتّاب القرية وتدرج في التعليم حتى وصل إلى كلية الطب بناءً على رغبة أسرته، لكنه بعد عامين من الدراسة فضّل الالتحاق بالكلية الحربية حيث أنهى دراسته عام 1938، واهتم بالتحصيل العلمي في العلوم العسكرية والمدنية، حيث نال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944، وأتم دراسته معلما للمدفعية المضادة للطائرات بامتياز في بريطانيا عامي 1945 و1946.

تدرج في الحياة العسكرية واشترك في العديد من الحروب، ففي عام 1941 عيّن بعد تخرجه في سلاح المدفعية، وألحق بإحدى البطاريات المضادة للطائرات في المنطقة الغربية، وقد اشترك في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وإيطاليا، حيث كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي.

وخلال عامي 1947 و1948 عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين خلال حرب تحرير فلسطين، ومنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي أظهرها آنذاك.

في 9 أبريل/نيسان 1958 سافر في بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفياتي لإتمام دورة تكتيكية تثقيفية في الأكاديمية العسكرية العليا، وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز، ولقب هناك بالجنرال الذهبي، وبعد عودته شغل منصب رئيس أركان سلاح المدفعية عام 1960.

وفي عام 1964 عيّن رئيسا لأركان القيادة العربية الموحدة، ورقّي عام 1966 إلى رتبة فريق، وفى مايو/أيار 1967، وبعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن أصبح قائدا لمركز القيادة المتقدم في عمان.

تحذيرات ما قبل الهزيمة

بعد توليه رئاسة الأركان العربية الموحدة، أعدّ رياض تقريرا عن الموقف قبل هزيمة 1967 بأيام قليلة، حذر فيه من أن إسرائيل تحتفظ بجيش بري قليل العدد نسبيا، يعمل في حماية المظلة الجوية الممتازة، وأنها تعمل على أن تحتفظ لنفسها بالمبادرة في حرب انقضاض جوي مفاجئ "حرب أيام معدودة" ترجو أن تحطم خلالها قوات الطرف الآخر.

وأكد في تقريره أن الأمر غير مثبط للهمم، فالدول العربية أقدر على حشد قوات أضعاف القوات الإسرائيلية، وعليها أن تزيد كفاءتها القتالية وتؤمن لها غطاء جويا كافيا، وأن أهم ما يجب أن تواجه به إسرائيل هو عمل يشلّ نظامها الدفاعي الجوي.

كان يرى أن قدرة إسرائيل على الدخول في حرب طويلة أقل من قدرة دول المواجهة العربية، وأن في مجتمعها تناقضات تمتد إلى جميع القطاعات بما في ذلك القوات المسلحة، وأن المعركة ليست بين العرب وإسرائيل، وإنما يجب دراسة من هم وراء إسرائيل.

هزيمة واستنزاف

مع اندلاع حرب 5 يونيو/حزيران 1967 بين العرب وإسرائيل، صدقت تحذيراته من الأطماع الإسرائيلية التوسعية في الأراضي العربية، كما ثبتت صحة توقعاته حول خلل ميزان سلاح الجو لصالح إسرائيل، حيث كانت المعركة الجوية هي الحاسمة في هزيمة 1967.

بعد الهزيمة العسكرية القاسية وما تبعها من إعادة هيكلة واسعة للجيش المصري، قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يوم 11 يونيو/حزيران 1967 تعيين رياض رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية.

كانت المهمة الأولى والأصعب أمام رياض هي إعادة بناء القوات المسلحة التي تلقت ضربة قاسية، ولم يكن البناء فقط للمعدات والمعسكرات، بل كان الأخطر هو البناء النفسي وإعادة الثقة إلى نفوس الجنود والضباط، ليتبعها إعادة ثقة الشعب المصري في جيشه.

لذلك قرر رياض مع وزير الحربية محمد فوزي بدء المعارك على الفور وعدم الانتظار لاكتمال البناء، حيث أطلق "حرب الاستنزاف" التي كانت تهدف إلى استنزاف تدريجي لقدرات الجيش الإسرائيلي وعدم إعطائه فرصة للتخطيط والتمركز بحرية في سيناء، والأهم هو إعادة الثقة للمصريين في قدرتهم على تجاوز الهزيمة وعدم الاستسلام لليأس الذي سيطر على الجميع وقتها.

حقق عبد المنعم رياض انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش التي منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بورفؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس.

إضافة لتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول 1967، وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967 و1968، فضلا عن عشرات العمليات للقوات الخاصة في قلب سيناء.

استشهاد

كان رياض يؤمن بحتمية الحرب ضد إسرائيل، وأنه لا مجال لاستعادة الأرض أو فرض السلام إلا بالانتصار العسكري، لذلك أشرف على خطة تدمير خط بارليف الإسرائيلي، العقبة الرئيسية أمام عبور القوات المصرية قناة السويس، حيث استنتج صعوبة مُجاراة إسرائيل في سلاحها الجوي.

وحدد رياض يوم السبت 8 مارس/آذار 1969 موعدا لبدء تنفيذ خطة تدمير خط بارليف، وفي التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لمدة أربع ساعات متواصلة، لتكبّد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة، في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل انتصار أكتوبر/تشرين الأول 1973.

لم يكن رياض يؤمن بحتمية الحرب فقط، بل كان يؤمن أن النصر متحقق إذا "وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية، فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه"، بحسب ما كان يردده دائما.

في صبيحة اليوم التالي لبدء المعارك الأحد 9 مارس/آذار 1969 قرر رياض أن يتوجّه إلى الجبهة ليرى عن كثب نتائج المعركة، وأن يزور أكثر المواقع قربا من خط المواجهة، حيث لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا، وفجأة انهالت القذائف الإسرائيلية على الموقع وانفجرت إحدى طلقات المدفعية قرب رياض الذي استشهد بعد دقائق عن عمر يناهز الخمسين عاما.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي