آخرها المحور.. هل انفرط عقد قنوات رجال الأعمال في مصر؟

شعار قناة المحور المصرية (مواقع التواصل)

في أغسطس/آب 2014 وأثناء كلمته في احتفالية إعلان تدشين محور تنمية قناة السويس، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن "الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان محظوظا، لأنه كان يتكلم والإعلام كان معه".

وخلال السنوات اللاحقة، كرر السيسي حديثه عن أهمية الإعلام ودوره في الترويج لإنجازات النظام، وكثيرا ما تضمنت خطاباته انتقادات لوسائل الإعلام الموالية للنظام، رغم أن كثيرين يرون أنها بالغت في تأييده والتبرير له.

لكن اهتمام السيسي بالإعلام لم يقتصر على الأمنيات أو الانتقادات، حيث شهدت مصر منذ الانقلاب العسكري في صيف 2013، خطوات متسارعة على طريق بسط السيطرة الحكومية على وسائل الإعلام، وفرض الصوت الواحد حتى على الإعلام الخاص الذي أصبح في بؤرة الاهتمام الحكومي.

ومنذ منتصف عام 2016، بدأ عقد القنوات الفضائية الخاصة المصرية في الانفراط، بعد استحواذ شركات تابعة للأجهزة السيادية عليها واحدة تلو الأخرى.

وكانت آخرها شبكة تلفزيون المحور التي يملكها رجل الأعمال حسن راتب، صاحب الاستثمارات الواسعة والمتنوعة في شبه جزيرة سيناء، والذي كان يحتفل في مثل هذه الأيام من العام الماضي بمرور 19 عاما على إطلاق هذه القناة في مارس/آذار 2001، لكن الأيام لم تمهله للاحتفال بمرور 20 عاما على إطلاقها، بعد أن باعها لمحمد منظور عضو مجلس الشيوخ عن حزب مستقبل وطن الموالي للنظام.

وحصل منظور على نسبة 50% من ملكية القناة، بينما توزعت بقية النسب على إحدى الجهات الإعلامية الرسمية (مجهولة) وشركة النايل سات ومدينة الإنتاج الإعلامي، وفق الصحف المصرية.

ماذا في الكواليس؟

لكن الأمر في الكواليس يبدو مختلفا تماما، حيث أكدت مصادر مطلعة للجزيرة نت أن ما جرى هو أقرب إلى وضع يد منه إلى الشراء، وليس كما جرى مع العديد من القنوات المصرية الخاصة التابعة لرجال الأعمال المعروفين.

وأوضحت المصادر المتطابقة أن راتب لم يكن في نيته البيع، وأنه كان يخطط لإطلاق قناة أخرى بعد حصوله قبل فترة وجيزة على الموافقات والتراخيص اللازمة، لإضافة مشروع جديد إلى مسيرته مع العمل الإعلامي الممتدة طوال عقدين من الزمن.

كما أنه لم يصدر عن راتب -الموجود في الإمارات منذ مدة- أي بيان، وسط اندهاش جميع العاملين في الإعلام المصري من نبأ الصفقة التي لم تتكشف إلا بعد يوم من الحديث عن سيطرة جهات إعلامية على الشبكة في صفقة غامضة لم يعلن حجمها ولا سببها، وفق المصادر ذاتها.

وأسباب سيطرة الدولة عبر أذرعها الإعلامية (شركة إعلام المصريين التابعة لجهاز المخابرات) على شبكة تلفزيون المحور، غير معلومة حتى الآن، وباتت مفتوحة لتكهنات البعض حول خلافات بين الرجل والنظام.

وحسن راتب، هو واحد من أبرز رجال الأعمال في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأول رجل أعمال يمتلك جامعة خاصة ومصنع إسمنت في سيناء، وله استثمارات أخرى في العقارات والإنشاءات والسياحة.

بداية الانفراط

بالعودة إلى منتصف عام 2016، كانت البداية ببيع رجل الأعمال المصري الشهير نجيب ساويرس شبكة قنوات "أون تي في" (ON TV) لشركة "إعلام المصريين" التي كان يملكها حينئذ رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، والتي انتقلت بدورها إلى الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة لأجهزة الدولة السيادية، وهو لفظ يقصد به غالبا إما رئاسة الجمهورية أو المخابرات أو الجيش.

كما خسر ساويرس حزب المصرين الأحرار الذي أسسه بعد ثورة يناير 2011، وبات الحزب واحدا من أحزاب موالاة السلطات الحالية.

ونجيب هو أحد أفراد أسرة أنسي ساويرس، أغنى عائلة في مصر، ويمتلك هو وإخوته مئات الشركات والمصانع، ولهم استثمارات ضخمة في المجالات كافة، سواء في المقاولات أو الإنشاءات أو الاتصالات أو الصناعات الثقيلة أو السياحة أو الخدمات المالية أو الترفيهية أو الرياضية.

وفي العام التالي، باع رجل الأعمال السيد البدوي شبكة قنوات "الحياة" الشهيرة إلى شركة "تواصل" التابعة لشركة "فالكون"، والتي باعتها بدورها لشركة "إعلام المصريين" في منتصف عام 2018، ومنذ ذلك الحين تراجعت أهمية القناة التي كانت يوما ما في مقدمة القنوات الخاصة بمصر.

يذكر أن السيد البدوي هو أحد كبار رجال الأعمال في مصر، حيث يمتلك مجموعة شركات سيغما للأدوية التي يمتد نشاطها إلى خارج البلاد، ويتركز نشاطه في صناعة الدواء، كما أنه انخرط في مجال السياسة وترأس حزب الوفد، أحد أقدم الأحزاب الليبرالية في مصر، قبل أن يخسر رئاسة الحزب الذي بات تحت سيطرة موالين للرئيس عبد الفتاح السيسي.

في سبتمبر/أيلول 2018، استحوذت شركة "إعلام المصريين" ذاتها على شركة "المستقبل" المالكة لشبكة قنوات "سي بي سي" (CBC)، التابعة لرجل الأعمال محمد الأمين الذي أسس شبكة من القنوات الناجحة، أتبعها بالاستحواذ على مجموعة قنوات النهار ومودرن.

والأمين هو رجل أعمال اشتغل في مجال المقاولات خارج مصر لمدة طويلة (الكويت)، ولكن ظهر اسمه فجأة بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بعد أن دخل في مجال الإعلام سواء بالشراء والاستحواذ أو إنشاء مجموعة قنوات "سي بي سي".

وفي العام ذاته، باع البرلماني الأسبق سعيد حسانين قناة "العاصمة" المثيرة للجدل إلى شركة "فالكون"، والتي ترأسها المتحدث العسكري السابق العميد محمد سمير، بعد مغادرته منصبه مطلع عام 2017، قبل أن تغلق في وقت لاحق.

 

فوضى لا اصطفاف

هذه السياسة التي انتهجتها السلطات المصرية مع القنوات الخاصة أقلقت منظمة "مراسلون بلا حدود" من سيطرة المخابرات على المؤسسات الإعلامية، حيث قالت في تقرير صدر عام 2017 بعنوان "مصر: حينما تبسط المخابرات سيطرتها على الإعلام"، إن رجال المخابرات أقرب إلى وسائل الإعلام من أي وقت مضى.

وأشارت المنظمة -ومقرها باريس- إلى استحواذ عدد من رجال الأعمال المعروفين بصلاتهم بالأجهزة الأمنية، على عدد من الوسائل الإعلامية، بما فيها المقربة من النظام.

لكن ما بين عمليات الاستحواذ أو الاستيلاء على القنوات الفضائية، كانت الفوضى هي سيدة الموقف، حيث أغلقت قنوات واختفت أخرى مثل قناة "أون تي في لايف"، و"دي إم سي نيوز"، و"دي إم سي رياضة"، و"العاصمة"، و"الناس" (دينية)، و"مودرن"، إضافة إلى خفوت نجم العديد من القنوات مثل "دريم" و"الحياة" وغيرها.

ويقول خبراء في صناعة الإعلام إن السلطات المصرية دأبت منذ سنوات على السيطرة على الإعلام من أجل هدف واحد، هو التحكم الكامل في الوسائل والرسائل الإعلامية، عبر شرائها من مصادرها وعدم الاكتفاء بتعاون ملاك وسائل الإعلام.

في هذا الصدد، يقول الصحفي هشام قاسم العضو المنتدب الأسبق لصحيفة "المصري اليوم" -في تصريحات سابقة- "ليست هناك أي خطط للربح أو حتى تفكير في قابلية هذه الوسائل الإعلامية للربح، وإنما هو مجرد تدافع لشرائها استجابة لتكليف معلن من رئيس الجمهورية بالوصول إلى مستوى الاصطفاف الإعلامي الكامل وراء القائد، كما كان الحال في عهد جمال عبد الناصر".

وفي عام 2013، شاهد المصريون تسريبا مصورا للسيسي عندما كان وزيرا للدفاع، وهو يتحدث عن احتياج الجيش لوقت طويل حتى يسيطر على الإعلام، عبر ما وصفه بـ"الأذرع الإعلامية"، وهو المصطلح الذي بات شائعا بين المصريين لوصف وسائل الإعلام التابعة للنظام.

هل حقق الإعلام المرجو منه؟

بعد سنوات من التقلب في سوق الإعلام بصفقات تجاوزت مليارات الجنيهات، ما بين بيع وشراء واستحواذ ودمج وإغلاق، وظهور أسماء شركات واختفائها، هل تحقق المراد من كل ما سبق بخلق اصطفاف إعلامي خلف النظام؟

أقرب إجابة إلى هذا السؤال هي استمرار تذمر السيسي من أداء الإعلام والإعلاميين منذ توليه منصبه منتصف عام 2014، فهو دائما ما يلقي عليهم باللوم في عدم قدرتهم على إقناع الجمهور بحجم الإنجازات من ناحية، وعدم قدرته على التصدي لإعلام المعارضة من جهة أخرى.

وأثار تناول الإعلام المصري لأزمة إزالة مخالفات البناء والتعديات على أراضي الدولة غضب السيسي، ووصفه -خلال حفل افتتاح مشروعات قومية بالإسكندرية في أغسطس/آب الماضي- بالسطحي، وبأنه لا يصل إلى الناس.

وقال: "إحنا بنجيب مبنى بيتمّ إزالته في التلفزيون وبنقول إزالة مخالفات البناء، لأ يا جماعة، حد يتكلم بشكل أعمق من كده، حد يبين مدى التأثير الخطير على مصر نتيجة هذا التجاوز!".

وشهدت الفترة الماضية خلافات وتلاسنا بين أجنحة المنظومة الإعلامية التابعة للنظام، وصلت حد بث التلفزيون الحكومي تسريبا صوتيا لوزير الإعلام أسامة هيكل، بعد أن انتقد فشل الإعلام في مواكبة ما وصفها بإنجازات النظام والتصدي للإعلام المعارضة.

وخلال الأيام الماضية، ارتبك مذيعون مقربون من النظام بعد سلسلة مقالات لأستاذ الإعلام في جامعة القاهرة أيمن منصور، سخر فيها من ضعف أداء المذيعين المشهورين، خاصة عمرو أديب وأحمد موسى، مما استدعى تهديدات بمقاضاة الأكاديمي المصري، وحولته الجامعة للتحقيق لكنها قالت إن التحقيقات ليست بسبب انتقاده للمذيعين، لكن بسبب شكوى قانونية سابقة من أحد زملائه.

المصدر : الجزيرة